المنبرالحر

مهزلة الشجار في البرلمان حول رفع الصور/ مصطفى محمد غريب

ظاهرة ليست غريبة فقط لكنها عجيبة في ظروف العراق الحالية ومئات المفخخات والعبوات تتقاسم رغيف الحياة مع مئات الضحايا من الأبرياء بينما نرى البعض من البرلمانيين العراقيين الأشاوس غير مبالين ويتعاركون " كالاشقيائية "  في البرلمان باللكمات وإبراز العضلات والتهديد بما هو آت ويسبون ويشتمون بعضهم البعض بحلو الكلام السوقيوقد يعتبرون ذلك من صميم واجباتهم لصيانة حقوق المواطنين وتشريع القوانين المسكينة التي مازالت مخدرة في أروقة البرلمان، بينما كان المفروض به أي البرلمان أن يكون برلماناً للسلم الاجتماعي يضرب به المثل أمام ملايين المواطنين الذين صوتوا واتوا بما في أحشائهم من شخوص، ومدافعاً عن الشعب وليس  حلبة للمصارعة والقتال من اجل رفع صوراً  ،والخلاف من الممكن معالجته بالحوار وبالإصغاء لصوت العقل والمسؤولية..

في المقدمة لسنا مدافعين عن النائب حيدر الملا وبصراحة قد  نتقاطع معه في الكثير من القضايا الفكرية والسياسية  وقد  يتقاطع الرجل معنا وهذاأمر طبيعي، أو لديه الملاحظات نفسها وهذا الأمر لا يشكل عائقاً لتبادل وجهات النظر بعيداً عن الشخصنة أو المواقف الفكرية والأيدلوجية،  لكن موقفه في قضية نشر الصور لزعماء سياسيين أو دين أجانب وحسبما نقل من قبل  العديد من النواب المتواجدين في البرلمان لم يسيء بشكل شخصي ولم ينقص من مكانة رجال الحكم والدين في إيران لا للسيد الخميني سابقاً ولا للسيد خامنئي حالياً، مع العلم قرأنا وشاهدنا مئات الآلاف من الإيرانيين المعارضين وحتى المستقلين لا يرغبون بتواجد صورهم في شوارع طهران ومدن إيرانية أخرى وهذه قضية أخرى خاصة بالشعب الإيراني، نحن نتفق كل الاتفاق  مع المرجعية الدينية في النجف عندما طالبت بعدماستغلال اسمها دعائياً وانتخابياً وعدم وضع صوراً لزعماء سياسيين ورجال دين عراقيين في المناطق والشوارع العامة كظاهرة سياسية ودعائية كي لا يتم استغلالها لفئة دون أخرى مثلما حدث في الانتخابات التشريعية ومجالس المحافظات السابقة أو غيرها، لأننا نعتبرها امتداداً لذلك النهج الذي استمر ( 35 ) عاماً من القسرية والتحكم فالجميع يتذكر جيداً ( طبعاً مع الفارق ) كيف كانت صور الدكتاتور تمتلئ  بها البيوت والدوائر والشوارع  وهي تفرض بالقوة وبالعقاب حتى الموت فكيف بتكرار المأساة ولكن تحت ذريعة دينية جوهرها طائفي ، والاعتراض ليس وقفاً على حيدر الملا فحسب بل مئات الآلاف من العراقيين ومن مختلف المكونات، وهو ليس عدم الاحترام أو إساءة بل لكونهم غير عراقيين هذا أولاً، أما ثانياً فهي تعتبر دعاية سياسية بنفس طائفي مرفوض من قبل أكثرية العراقيين وبمختلف مكوناتهم، وهذا لا يعني القبول برموز دينية وسياسية من بلدان أو جهات أخرى فنحن نقف أيضاً بالضد منها فليس من حق احد من القوى السياسية الدينية  رفع صور لأي كان كدعاية سياسية إعلامية أو دينية  بوجه مخفي ديني طائفي أو قومي، ولهذا فان اعتراض البعض وفي مقدمتهم السيد إبراهيم الجعفري تحت مسوغات بالقول " أن المرجعية لها أدوار مشرفة في حفظ الأمن في البلاد أثناء الشد الطائفي عام 2005 كما كانت صمام أمان في كل الأزمات السياسية" وهذا صحيح جداً في هذه النقطة بالذات، أما خلطه الواضح والتصيد بالمياه العكرة فذلك في ضفة أخرى ليس لها صلة بجوهر الموضوع، فالاعتراض ليس على المرجعية الدينية في النجف أو باقي مدن العراق بل الحديث يدور حول رفع صور لرجال دين وحكام غير عراقيين مع احترامنا لهم ومكانتهم لدى السيد إبراهيم الجعفري أو غيره وكان المفروض أن ينأى بنفسه عن هذا التدخل غير النافع والمضر ولا سيما هو يعتبر رئيس التحالف الوطني الشيعي وأن يكون أكثر مسؤولية لما يحيط بالأوضاع من مشاكل منها المحاولات الرامية لإشعال حربٍ طائفية وهي أكثر تعقيداً من مسألة ثانوية جداً وهي رفع أو ضع الصور، وان يكون أكثر تفحصاً في طرحه حول صور لجيفارا أو غاندي فلا وجه مقارنة بين الموضوعين لان رفع صور جيفارا أو غاندي ليس للدعاية السياسية أو الدينية  فهاتين الشخصيتين لهما اعتبارات عالمية وترفع صورهما بشكل شخصي وليس في بلد محدد، ثم أن السيد الخميني أو السيد خامنئي ليسا برجلي دين فقط  فهما بجانب ذلك رجال سياسة لا بل هما المحركان الأساسيان لسياسة الدولة.، لقد كانت النائب مها الدوري من التيار الصدري على حق حينما صرحتْ ونشرته البعض من وسائل الإعلام " إن النائب كاظم الصيادي استغل الفرصةلكسب ود الشارع الشيعي وتعاطفه مع رجال الدين كدعاية انتخابية لا غير وبهذا نطالببعدم التصعيد ضد النائب حيدر الملا من قبل التحالف الوطني " إلا أن البعض من التحالف الوطني يحاول إذكاء روح التخاصم وتحميل الموضوع أكثرمن طاقته  ومطالبة حيدر الملا بالاعتذار والا هناك تهديد " التحالف الوطني سيحظر الجلسة المقبلة وسيقول كلمته الفصل داخل مجلس النواب إذا لم يقدم الملا اعتذاره" هذا ما أعلنه علي شبر النائب عن التحالف الوطني، فلماذا  يربط اعتذار حيدر الملا بحضورهم جلسة  البرلمان القادم؟ أليس من الأفضل حل هذا الخلاف الشخصي بعيداً عن البرلمان الذي يجب أن يقوم بواجبه وتشريع القوانين المعطلة التي تخدم مصالح البلاد والشعب العراقي؟أم أن التوجه والتصعيد سيكون على حساب وقت البرلمان وتعطيل جلسته عندما يجري تحقيق رغبة عزيز شريف المياحي حيث طالب" النخب الوطنية عليها إسكات تلك الأصوات النشاز وعدم الاكتفاء بتوبيخهم بل لا بد من إنزال أقصى العقوبات التي نص عليها القانون بمثل تلك الأصوات التي تحولت إلى أبواق تعزف لحن الموت"لا نعرف هل هناك ملف لدى رئيس الوزراء والأجهزة الأمنية يشير إلى اتهام حيدر الملا بالإرهاب الذي يعزف ألحان الموت في كل ثانية ودقيقة؟ إذا كان ذلك صحيحاً لماذا لا يقدم للقضاء لتطبيق القانون والعدالة؟ أم أن الاتهام بالإرهاب أصبح كلبشة جاهزة لكل من يقف معارضاً أو ناقداً أو لأي ملاحظة على الماشي؟

لا نعرف لماذا هذه الحساسية من أي نقد أو ملاحظة  تخص إيران  أو حكامها من بعض قوى الإسلام السياسي الشيعي ومسؤولين معينين حتى لو كانت ملاحظة صحيحة أو عابرة حيث يجري تفسيرها حسب الأهواء في كثير من المرات وتحول الملاحظة أو النقد حتى الموضوعي وكأنه قضية طائفية بشعور طائفي وتصور طائفي، ولا نعرف لماذا الحساسية إذا ما وجه النقد للسعودية أو قطر أو الأردن وتركيا والبعض من الدول العربية ويعتبر معادياً لجهة ومساندة لجهة ثانية، هذا النهج  غريب عن مفهوم احترام الرأي الآخر وتقبل الملاحظة لمناقشتها بروح موضوعية دون التشنج أو إطلاق الاتهامات والتهديدات، وفي هذا الصدد وبكل صراحة نحن لا نتفق مع أي قذف أو إساءة وبخاصة للرموز الدينية لان ذلك يدفع التصور إلى عواقب تتجلى فيها روح التربص والتحفز لتفسير مغالط للحقيقة لكن هذا لا يعني أننا نسلم لكل ما يقوله رجل الدين السياسي لأنه وباعتقادنا الراسخ بشر لا يختلف عن باقي البشر إلا بعلومه الدينية وهو ليس منزلاً ولا محصناً  ولا معصوماً وبخاصة من يتحمل مسؤولية سياسية وحزبية وينحاز لجهة .

أيها النواب أنكم تتحملون المسؤولية الكبيرة أمام الشعب أو على الأقل أمام من انتخبكم وأجلسكم في هذا المكان، هذا المكان الذي يجب أن يكون مقدساً لأنه يمثل ضمير أكثرية المواطنين ويمثل مصالحهم والدفاع عنها وليس ركنها لأجل منافعكم ومصالحكم الشخصية والذاتية والحزبية  فإذا بقى البرلمان مشلولاً بسبب خلافاتكم ومعارككم أو متعطلاً بغياب العشرات منكم فتلك إساءة ما بعدها إساءة لمفهوم واجبات البرلمان الرئيسية، فكونوا بقدر المسؤولية التي تحمي هذه المؤسسة التشريعية من الضياع والشللية كي لا تكونوا مسبة في التاريخ