المنبرالحر

أكثر من أربعة عقود مع صحافة الحزب الشيوعي العراقي / داود أمين

مرت قبل أكثر من أربع سنوات، أي في الثامن عشر من حزيران 2012، الذكرى الأربعون لإرتباطي بصحافة الحزب الشيوعي العراقي، ففي الثامن عشر من حزيران عام 1972، صدر العدد الأول من صحيفة (الفكر الجديد / بيري نوي ) والتي أصبحتُ مراسلها في الناصرية، ومنذ ذلك التأريخ ترسخت وتعمقت علاقتي بصحافة الحزب، لتتحول إلى سجل حافل من الذكريات والمواقف، التي منحتني أعمق الصداقات، وأضافت إلى رصيد حياتي متعة المغامرة والخلق والإكتشاف، ورسمت ملامح حاضري وآفاق مستقبلي، وبهذه المناسبة الإستثنائية المُستغرِقة لأكثر من ثلثي حياتي، سأحاول التحدث عن البدايات آملاً استكمالها في مناسبات أخرى.
ربما كان لعلاقتي المبكرة بالثقافة ( الشعر تحديداً ثم المسرح ) اثر في رغبتي ونجاحي في العمل الصحفي، فقد كنت قارئاً نهماً، لكل مايقع تحت يدي من كتب مكتبة أبي، ومما أضفته أنا لاحقاً إلى تلك المكتبة، وقد وفرت لي تلك القراءات المبكرة لغة مناسبة، وقدرة على كتابة الشعر العمودي وشعر التفعيلة، وأنا في سن الخامسة عشر، فنشرت في تموز 1968 أول قصائدي في جريدة ( كل شيء)، وهي قصيدة ( كبش الفداء ) من شعر التفعيلة، كما مثلت عام 1967 أول مسرحية، من إخراج الفقيد عزيز عبد الصاحب، وبعد تأسيس ( جمعية رعاية الفنون والآداب في الناصرية ) عام 1970 أصبحت، في الدورة الإنتخابية الثانية لهيئتها الإدارية، نائباً لرئيسها، ولكونا حينها مكتباً حزبياً، يتكون من الرفاق (عدنان حنون والشاعرعبد الله الرجب والقاص محسن الخفاجي وأنا)، للإشراف على الجمعية وتوجيهها، لذلك كان سهلاً تحويل هذا المكتب، لما يشبه المكتب الصحفي، مع صدور الفكر الجديد في حزيران 1972، وكنت أشد الرفاق الأربعة حماساً للمهمة، وأكثرهم قدرة على مواصلتها، وهذا ما حدث بالفعل، ومع صدور( طريق الشعب) في أيلول 1973، ومواصلة مجلة (الثقافة الجديدة) للصدور، تطلب العمل تفرغاً أكثر، فتحول عملي الحزبي الرئيس، إلى التفرغ لقيادة المكتب الصحفي في المحافظة، والذي أصبح يُشرف على خمسة مكاتب صحفية، في أقضية الناصرية والشطرة وسوق الشيوخ والرفاعي والجبايش، بالإضافة إلى إشرافه على المكاتب الصحفية، لهيئات العمالية والطلابية والنساء، كما أصبحت عضواً في سكرتارية المكتب الصحفي للمنطقة الجنوبية، وهنا لابد من تذكر أبرز رفاق مكتبنا الصحفي في المحافظة، وفي مقدمتهم الشهداء ( مجيد فيصل ) أبو رؤوف، الذي كان يقود المكتب الصحفي لقضاء الناصرية، والرفيق الشهيد (عبد العباس سالم ) أبو عاهدين، الذي كان يقود المكتب الصحفي لقضاء الجبايش، أما بقية الرفاق من أعضاء المكتب، فهم الفقيد المسرحي (كاظم العبودي ) والقاص والناقد (جاسم عاصي) والفنان المسرحي ( صالح البدري ) والشاعر ( فاضل السعيدي ) والإعلامي (عدنان عبد غركان)، والفقيد فاضل الشطري، مسؤول مكتب قضاء الشطرة، وقد شاركت في دورتين صحفيتين مركزيتين في طريق الشعب في بغداد، الأولى عام 1974 والثانية في 1976، ونظمت على ضوء محاضراتها ومعلوماتها، أربع دورات صحفية في مقر الحزب في المحافظة، ساهم فيها عشرات الرفيقات والرفاق، من المكاتب الصحفية الفرعية، في الأقضية والنواحي والمنظمات، كما شاركت مُحاضِراً في دورة صحفية منطقية في البصرة، وفي تقديم محاضرة صحفية، في مقر الحزب في مدينة العمارة، وتوسع عملنا الصحفي التنظيمي، ليصل عدد الرفاق العاملين في المكتب الصحفي في المحافظة، وتوابعه في الأقضية والمختصات الى (61) رفيقاً، وقد برز المكتب في إنجازاته للجريدة، وأصبح الأول على مستوى المكاتب الصحفية في المنطقة الجنوبية، التي تضم مكاتب البصرة والعمارة وذي قار، والثاني على مستوى مكاتب العراق، بعد مكتب محافظة بابل. وكان للمكتب نشاط ميداني متميز، إذ قمت بجولتين ميدانيتين لأهوار الغموكة في الشطرة، وأهوار الحمار في الجبايش، إستغرقت كل جولة بضعة أيام، كانت حصيلتها عدد من التحقيقات الميدانية المهمة، وتغطية مصورة لجوانب غير مطروقة في تلك المناطق النائية، كما كانت لنا تحقيقات ميدانية لمعامل ومنشآت ومرافق خدمية مهمة في المحافظة، مما أزعج المسؤولين البعثيين، وأجهزتهم الأمنية في المحافظة، فاستدعيت إلى مديرية الأمن للتحقيق معي حول ما أكتبه، ثم حصلت على عقوبة إدارية وهي ( الإنذار)، من قبل مديرية تربية المحافظة، بسبب جمعي بين وظيفتين! ( التعليم والصحافة !) حسب كتاب مديرية التربية! وأذكر في هذه الفترة، إجرائي لقاءات تفصيلية مهمة ومتميزة، مع الكادر الفلاحي الشهير ( طعمة مرداس )، والمناضلة المخضرمة( أم زهير )، والدة الشاعر الفقيد زهير الدجيلي، وعضو الخلايا الماركسية الأولى ( عبد الكريم حسون جار الله )، ورفيق صابئي أعمى( لا أتذكر إسمه ) وغيرهم، وقد أرسلت هذه المواد إلى أرشيف تأريخ الحزب ولم تكن للنشر، ولا أعرف الآن مصيرها، وليس لدي مسوداتها!
أما عن عملي في سكرتارية المكتب الصحفي في المنطقة الجنوبية، الذي كان يقوده الرفيق ( أبو سامر )، ويضم في عضويته الرفيق الشهيد المحامي ( أبو عمر )، والفقيد الشاعر ( مصطفى عبد الله )، والقاص الشهيد ( جليل المياح ) أبو ربيع، والفقيد الفنان ( جبار العطية ) أبو ستار، ومسؤول العمارة الرفيق ( هشام الطائي ) وبعده الشهيد ( كاظم طوفان ) أبو ليلى، وكنت أحضر كل أسبوعين في البصرة اجتماعات السكرتارية، لإعداد البريد الصحفي لمحافظات المنطقة الجنوبية، وكانت صلتنا منتظمة ومباشرة بهتج( هيئة تحرير الجريدة )، ويحق لنا العمل المباشر في الصحيفة متى نشاء، واذكر في هذه المناسبة، إنه في عام 1976 نمت لدي رغبة للتفرغ من الوظيفة، والعمل في الجريدة، ففاتحت الرفيق الفقيد حميد بخش ( أبو زكي )، بإعتباره مدير إدارة الجريدة حينذاك، فسألني : كم هو راتبك في الوظيفة؟ قلت له 59 دينار! فقال لي: إحنه فايق بطي اللي هوَ فايق بطي ننطيه 50 دينار، ما تكلي إشكد راح ننطيك!! أنصحك ظل بوظيفتك وإكتب إلنه من الناصرية!! وهذا ما فعلته، حتى إنهيار "الجبهة" وتوقف الجريدة.