المنبرالحر

إسترداد أموال العراقيين المنهوبة / صباح راهي العبود

في خبر مفاجئ أوعزت السفارة الأمريكية في بغداد الى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بعزمها على تشكيل لجنة من أحد عشر قاضياً ومحققاً أمريكياً لغرض التحقيق في الفساد المالي الذي إستشرى في البلاد ,مع إعطاء تلك اللجنة الصلاحيات التي تمكنهم من التحقيق مع اللصوص وبضمنهم الهاربين خارج العراق وكل من ساعدهم وسهل عمليات السرقة سواء أكانوا عراقيين أم من غير العراقيين ومن مختلف الجنسيات , ومحاكمتهم وإرجاع كل الأموال المنهوبة . وسيشمل التحقيق كل ما تمت سرقته إعتباراً من عام 2003 ولحد يومنا هذا . وبالتأكيد فإن هذا الإجراء الذي إتخذته الحكومة الأمريكية لم يكن للسيد العبادي أي دور فيه ,وإنما هي أوامر صدرت من السفارة الأمريكية التي يراد منها منح السيد العبادي قوة تمكنه من مواجهة ومجابهة الفاسدين ومن هم في معيته من أعضاء حزبه وآخرين من الكتل التي سلطت على أعناق العراقيين بدعوى المظلومية والتهميش والخدمة الجهادية والتي وزعت ثروات العراق كغنائم على وفق محاصصة إثنية وطائفية وقومية قادت البلاد الى الهاوية ليواجه خطر التقسيم وما سيتمخض عنه من مشاكل لا حصر لها إن حصل ذلك لا سامح الله. ناهيك عما نتج من المحاصصة الكريهة من فقر متقع لملايين من العراقيين وعدد مخيف من القتلى وما تمخض عنه من ثكالى وأرامل وأيتام جراء ما لفظته تلك المحاصصة, ومحاولة إستئثار بعض الكتل للإستحواذ على مقدرات الوطن ,إضافة الى ثلاثة ملايين نازح عراقي أتعبتهم الغربة والتجوال في المرافئ والمطارات أذلاء غرباء يعيشون في ظروف مؤلمة وقاسية ناهيك عن الذين ضاعوا غرقى في طريق الموت الى المهاجر.
وكنتيجة حتمية للمحاصصة المقيتة ظهر الى الساحة من يدعي تمثيل الطائفة أو القومية وتصدره للمشهد السياسي ,فكان منهم اشباه الأميين الذين زوروا الشهادات وهم لايفقهون من كنه السياسة شيء ,فكان همهم الوحيد هو السرقة والإستحواذ وتشكيل العصابات المسلحة من سقط المتاع الذين يقومون بتنظيم سرقات أسيادهم وبإسناد من الأقارب الذين تم منحهم صلاحيات تؤهلهم للقيام بكل ما يلزم لحماية سيدهم المدلل . وبعد أن تم بسط النفوذ جلس الجميع لينظموا عمليات السرقة على طريقة (إحميني وأحميك ) وأيضاً ( إسترني وأسترك) ,وهكذا عملوا منسجمين ليبقوا في السلطة لأطول فترة من الزمن يسرقون بدون حسيب ولا رقيب بعد أن تحايلواعلى القانون بطرق تمكنهم من تسيير دفة السفينة بالشكل الذي يناسبهم, يسنون القوانين على وفق ما يخدمهم ويتناغم مع مصالحهم ,يعطلون القوانين التي تخدم وتنظم حياة الناس وتقودهم نحو الأحسن , يصدرون الأوامر والتعليمات التي تبيح لهم المزيد من السرقات والإستحواذ على الممتلكات العامة وحتى الشخصية منها دون رادع ولا خجل ولا خوف حتى. وعندما أظهرالناس تذمرهم من خلال مواقع التواصل الإجتماعي والمظاهرات المطلبية السلمية ومنذ 25 شباط عام 2011 ولحد الآن والتي تصاعدت ليتجاوز عدد المتظاهرين المليون في أكثر من مرة ,تصدى لهم المذعورون بالهراوات و بالقنابل المسيلة للدموع ,ومن ثم إستعمال الرصاص الحي الذي أحدث إصابات لبعض المتظاهرين ,وإعتقال الكثير منهم ,وتهديد آخرين بالتصفية الجسدية وغير ذلك من إجراءات لا تنسجم مع النهج الدمقراطي الذي أقره الدستور. وبغية إيقاف هذا التصعيد الجماهيري أعلنت الحكومة ولعدة مرات أنها عازمة على الإصلاح لكنها لم تنفذ أي قرار يصب في هذا الإتجاه.
دعونا نتفائل قليلاً وننتظر ما قد تنجزه لجنة القضاة والمحققين الأمريكية والذي يفترض بها أن تكون عادلة وجادة في إرجاع الأموال المسروقة سواء أكانت منقولة أو غير منقولة مثل اللقى الأثرية التي لا تقدر بثمن ,الى جانب ما تم سرقته من أموال ضخمة من البنوك العراقية ,ومن معادن وثروات من قبل القادة وكبار العسكرين الذين إحتلوا البلاد .كما سيكون من المفرح والمسر للشعب العراقي أن يتواصل التحقيق لاحقاً من قبل لجان للبحث عن مصادر الإسناد المالي و اللوجستي لداعش وغيرها من التشكيلات الإرهابية وممن شجع وتعاون معهم في إنعاش إقتصادياتها عن طريق شراء النفط الذي سرقته تلك العصابات الإرهابية من منظمات أو عصابات أو دول أو أشخاص أوغيرهم من تجار الحروب وبثمن بخس, أو ممن سهل مرور الإرهابيين وهم في طريقهم الى العراق. هذا فيما إذا إفترضنا توفر حسن النية فيما تزعمه أمريكا لمحاربة داعش ومثيلاتها من عصابات الإرهاب والتدمير.وعلى أمريكا تحميل هؤلاء مسؤولية الدمار والقتل وتخريب وتدمير البنى التحتية للعراق ,وتعطيل فرص البناء والتقدم.إن كل ما قام به هؤلاء يرتقي الى مستوى جرائم الحروب .
نشرت الأوساط الأمريكية قبل فترة من الزمن قائمة بأسماء ( 88 ) فاسداً كبيراً مسؤولين عما جرى من إفساد في العراق بعد الإحتلال الأمريكي للعراق عام 2003, الى جانب (67 ) مديراً عاماً وعشرات التجار وأقارب المسؤولين . ويلاحظ أن أكثر هؤلاء الفاسدين فساداً هم أعلاهم صوتاً للمطالبة بمحاسبة الفاسدين !!. وهم أنفسهم جعلوا العراق شهيراً في هذا المضمار , لابل يتقدم كل الدول الأكثر فساداً في الكون .
إن قائمة الفساد المالي في العراق تتمحور حول عقود التسليح وشراء الطائرات غير الصالحة ,وفي أموال صرفت لشركات وهمية ,وفي صرف رواتب لعشرات الألوف من الموظفين والجنود الفضائيين ( الوهميين ) ,وفي قطاع الكهرباء (أكثر من 17 بليون دولار أمريكي من دون أن ينتج عنها أي تحسن في إنتاج الطاقة الكهربائية ,وفي إستيراد البضائع والأدوية المنتهية الصلاحية والأغذية التالفة والمقززة كلحوم الحمير مثلاً والأغذية المسرطنة ,وفي بناء المستشفيات والمدارس بمليارات الدولارات دون أن نجد لها أثراً على الأرض,وفي الأداء المصرفي غير الأصولي ,وسرقات الأموال المخصصة للنازحين ولدوائر الرعاية الإجتماعية , ورواتب مجزية تصرف لحماية المسؤولين ,وبدلات إيجارغير معقولة لدور مؤجرة للمسؤولين أولسفارات في الخارج, وسرقات لأراضي ومزارع ومقاطعات تمنح للمسؤولين ,وتخصيصات غير معقولة تمنح لهؤلاء السراق تحت مسميات تضحك الحزين في كل الأحيان . وإذا خطر على بالك عزيزي القارئ رغبة لمعرفة أكثر الفاسدين فساداً وخطراً على البلاد فسأخبرك بأنهم من يتصدر هيئات النزاهة التي يفترض أن تكون محايدة ونزيهة , ومجلس القضاء الأعلى, والمسؤولين عن حسم القضايا بوجدان وضمير فارق الحياة منذ زمن طال.
انا شخصياً أسجل عدم قناعتي بما سيؤول إليه أمر التحقيقات التي تروم الحكومة الأمريكية إجراءها في العراق لكشف سراق مال العراقيين. لأن الفاسد لا يمكنه محاسبة فاسدين