المنبرالحر

قاضينا يحكم في الحلاوة / مؤيد عبد الستار

تحفل كتب النوادر والطرائف بالتهكم والسخرية من القضاة المشهورين ، اما قضاتنا الحاليين فلا مجال للسخرية منهم والتهكم عليهم بسبب القوانين الغربية المانعة لتناول القضاء بما يخدش هيبته ، والمفارقة ان تلك القوانين الاوربية موضوعة لقضاء نزيه ، يثق المواطن الاوربي فيه ، وهو ما دعا تشرشل الى القول مادام القضاء بخير فان بريطانيا بخير .. والعهدة على الراوي .
اما القضاء الشرق اوسطي ، فلا احد من المواطنين يثق فيه او يعتمد عليه ، فما بالك بالقضاء العراقي الذي يبريء متهما بوزن سليم الجبوري خلال ساعة واحدة لا غير ، سليم الجبوري الذي اتهمه وزير الدفاع بالمساومة من اجل الحصول على اموال اليتامى والمساكين وابناء السبيل ... و..و .. ما يجعل المرء يتساءل ويتعجب من وجود هكذا قضاة في العراق ، يستطيعون الحكم باسرع من لمح البصر ، حتى قبل دراسة القضية ، وهذا ليس غريبا ، فاذا كان العراقي مفتح باللبن ، اكيد القاضي مفتح ( بالعسل ).
لذلك يستطيع الحكم على سليم الجبوري بالبراءة حتى دون قراءة الملفات التي تتهمه ، فان سليم الجبوري من اسمه سليم فكيف يحكم القاضي بادانته وهو اسم على مسمى ، فهو سليم سالم مسالم مسلم سلام ، ولكن للعرب رأي اخر في معنى السليم ، لانهم يزعمون ان السليم هو اللديغ اي الذي لدغته الافعى ، يا سبحان الله ، ربما كان وزير الدفاع هو الافعى التي ارسلها الله لتلدغ رئيس النواب ليصبح ملذوغا فاطلقوا عليه اسم سليم منذ الولادة .
كان القضاء وما يزال من ادوات السلطان ، فالجبة التي يرتديها القاضي ، يدفع تكاليفها الوالي وهو ما دفع العديد من الرجال الاخيار تجنب تولي منصب القضاء حتى يقال ان البهلول كان من الفلاسفة والمفكرين الاخيار ،اراده الخليفة هارون الرشيد ليتولى القضاء ، وتجنبا لذلك ادعى الجنون كي يتخلص من هذه المهمة التي يعلم انها لا يمكن ان تسير دون تدخل السلطان او الخليفة او مختار ذاك الصوب مثلما يقول عزيز علي عن السفير البريطاني يوم كان مقر اقامته في الصالحية / الكرخ ، اما اليوم فلو كان عزيز علي ما زال يقدم المنلوجات لقال بالتاكيد مختار الخضراء . والعاقل يفتهم .
ومما يروى عن القضاة الذين حادوا عن جادة الحق وطلبوا بهرج الدنيا وزخرف الحياة وتناولوا السحت الحرام قاض انتدب ليحكم بين متخاصمين ، فجاءه أحدهما بما يملك ولم يكن يملك سوى خمس دجاجات ، فقبلها القاضي مطمئننا اياه انه سيحصل على حكم عادل ، ولكن الخصم سمع بما جرى ، فاتى القاضي بثور سمين ، ولما كان موعد جلسة الحكم ، راى صاحب الدجاجات ان القاضي يميل لخصمه على غير ماوعد ، ونطق بالحكم لصالح خصمه فقال له معاتبا ومذكرا بدجاجاته ، سيدي القاضي والبحاثات بحثا ...!! كناية عن الدجاج ، فنظر اليه القاضي شزرا وقال له :
صه يا هذا .. ما البحاثات بحثا وقد جاءنا من يشق الارض بقرنيه شقا .
هنا لابد لنا ان نبحث عن الثور الذي استلمه قاضي القضاة في قضية الدبابات والسيارات المرسيدس والطيارات ، واشك ان يكون ثورا عاديا ، بل لابد أن يكون الثور المجنح الذي سيحمل القضاة بقضهم وقضيضهم الى الفردوس الامريكي في هذه الدنيا والى الجحيم الابدي في الدنيا الاخرة ، وذلك حسب رواية الشيخ عن ابيه السيد عن جده المتنبي عن شفتان البوري ، وحين سئل الشيخ الراوي:
من هو شفتان البوري؟
اجاب هذا هو المذكور هنا في هذا الكتاب ، كتاب الحكم والامثال والاحاديث ومواعظ السلطان .
وحين دقق القوم في الاسم ، فاذا تصحيف اصابه في اضافة بعض النقاط خطأ ، فهو سفيان الثوري المحدث والراوية المعروف في كتب التراث ، وهكذا تم تصديق الرواية وان كانت ضعيفة ، وستحال الى القضاء الامريكي ليحكم فيها المرشح الجديد ترامب او المرشحة الحسناء هيلاري وانشاء الله تنطق هيلاري بالحق وتدحض اقوال ترامب المفتون بالباطل من الاحاديث والاخبار .
وما دام الحديث عن اخبار القضاة فلا بأس ان نستعيد حكاية الست زبيدة وهارون الرشيد حين اختلفا في اكبر قضية في العصر العباسي تمس شرف المائدة ، توازي قضية الدبابات والطيارات وسيارات المرسيدس اليوم ، قضية اختلف فيها الخاصة والعامة وهي قضية الفالوذج واللوزينج ، ايهما اطيب مذاقا ، وهما من حلويات بلاد فارس ، تطورت صناعتهما في العراق الى اللوزينة والبالوته في العصر الحديث ، وحين جلس القاضي ابو يوسف ليحكم بينهما ويقرر الاطيب مذاقا قال أبو يوسف:
أنا لا أحكم على غائب .
فأمر الرشيد باحضارهما وقدما بين يدي أبي يوسف فجعل يأكل من هذا مرة ومن هذا مرة حتى اتى على الاثنين ثم قال:
يا أمير المؤمنين ما رأيت أعدل منهما كلما أردت أن أحكم لأحدهما أتى الآخر بحجته.
وهكذا كان امر قضاتنا الثلاثة في قضية الرئيس المجلسي والوزير المدفعي ، كلما نظروا في حجة احدهما اتى الاخر بحجته ، حتى طالت المحكمة واستمرت عاما وساعة واحدة ، ولكن الله سبحانه وتعالى نصر رئيس المجلس فرفع عاما من فوق راس القضاة الذين استلموا الثور المجنح فاستطاعوا ان يخبزوا الحكم بساعة واحدة كانت كافية لبراءة الاثنين مثل الفالوذج واللوزينج او قل مثل البالوتة واللوزينة ، والله اعلم .