المنبرالحر

لا سبيل للتغيير إلا في الاحتجاج السلمي / عصام الصفار

في 31 تموز الماضي مضت سنة على بدء التظاهرات و الاحتجاجات السلمية التي عمت اغلب مدن العراق في كل يوم جمعة (واحيانا في أيام عادية إضافة إلى يوم الجمعة)، التظاهرات التي بدأت انطلاقتها في البصرة لحرمان أهاليها من الكهرباء في صيف الأشد حرارة ليس في العراق فحسب بل في العالم.
كان لاستشهاد الشاب البصري "منتظر الحلفي" في التظاهرة الاحتجاجية، بسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء في محافظة البصرة التي تعاني حرا شديدا، إثر تعرض المتظاهرين الى قمع شديد واستخدام الرصاص الحي مما ادى إلى استشهاد الشاب منتظر الحلفي، فكان استشهاده، الشرارة التي فجرت الغضب الجماهيري المتصاعد نتيجة تراكم الازمات التي يعاني منها البلد لسوء إدارة الحكم واستهتار الساسة المتنفذين في السلطة بحياة المواطنيين، فتصاعدت الاحتجاجات لتشمل أغلب مدن العراق. ففي يوم الجمعة 31 تموز 2015 انطلقت تظاهرات حاشدة في العاصمة بغداد وجميع المدن الجنوبية اذهلت الجميع وأرعبت الحكام اللصوص والفاسدين لقوتها وزخمها ودقة تنظيمها وسلميتها وحضارية المشاركين.
بدأت تلك التظاهرات، (التي اضطلع في قيادتها وحافظ على استمراريتها تنسيقيات الحراك المدني بالمطالبة بمحاسبة المسؤلين عن مقتل "الشهيد منتظر الحلفي" وتوفير الخدمات وبشكل خاص الكهرباء لتتطور إلى مطالب أوسع، لتشمل انهاء المحاصصة الطائفية والقضاء على الفساد ومحاسبة الفاسدين واعادة الأموال المسروقة وتغيير القضاة الفاسدين وتعديل قانون الانتخابات ومحاسبة المسؤلين عن احتلال داعش الموصل الخ... إضافة إلى مطالب خاصة بالمحافظات، فبدلا من أن يستجيب المسؤلون القابعون في مغارة اللصوص لبعض مطالب واحتياجات المواطنين الضرورية راحوا يكيلون الاتهامات ضد التظاهرات والمتظاهرين بنعتهم بالبعثيين، واطلقوا كلابهم المفترسة وعصاباتهم للاعتداء على المتظاهرين وتخويفهم وتصفية واغتيال الناشطات والناشطين واستشهد عدد منهم على أيدي جلاوزة الفاسدين ونذكر من الشهداء هادي المهدي، منتظر الحلفي، حسن الحسيني، حيدر الدريعي.
ولكي يحافظ الفاسدون واللصوص على مواقعهم ونفوذهم وامتيازاتهم قاموا بتأجيج الصراع الطائفي وافساح المجال للمافيات والعصابات والمليشيات أن تعبث بالأمن وتخويف وترهيب المواطنين وذلك باغتيال وخطف واعتقال الناشطين في حركة الاحتجاج المدنية لثني الجماهير عن المشاركة، إلا أن إرادة وتحدي الناشطين المدنيين في استمرار تظاهراتهم كانت أقوى من ارهاب السلطة الفاسدة لتستمر في كل جمعة، ويتحول مطلبها وشعارها ليس الإصلاح بل التغيير.
فالمواطن الذي استبشر خيرا بعد التغيير الذي حصل في 2003 بالحكم الجديد الذي سيعوضه عن السنين العجاف التي مرت عليه في ظل الحكم الدكتاتوري السابق تفاجأ بالحكام الجدد الذين لم يكن هدفهم وهمهم غير السلطة والثراء والامتيازات الخاصة بهم، مما أدى إلي انتشار الفساد والارهاب وتحويل البلد من أسوأ إلى أسوأ فيحصل على أسوأ تقييم وأسفل القوائم في مؤشرات تقييم التطور ومستوى المعيشة وانتشار الفقر والمرض والجهل، فضلا عن انتشار الجريمة المنظمة وانفلات المليشيات، هذا إلى جانب فقدان السيادة وتدخل دول الجوار في القرارات السياسية للبلد.
لم يحصد غير الوعود والحرمان، خلال الـ 13 سنة السابقة التي مرت على البلاد التي انتظر فيها المواطن( حكومته التي انتخبها متحديا المخاطر والارهاب) تغييرا ملموسا على حياته للأحسن من خلال توفير الشروط لحياة كريمة وتعويضه عن سنوات الحروب والحصار. بينما لم ير المواطن سوى تمتع حكامه وعوائلهم واقاربهم ومعارفهم بخيرات البلد وهو محروم منها، فالمتنفذون في السلطة يزدادون ثراء وامتيازات والمواطن يزداد فقرا وحرمانا وذلا، فلم تتوفر للمواطن طيلة فترة حكم الفاسدين ابسط الخدمات مثل (الكهرباء والماء والمجاري وازالة النفايات وتنظيف وتبليط الشوارع وبناء المدارس والمستشفيات وتعمير ما خربته حروب النظام الدكتاتوري السابق). في ظل الحكام الفاسدين انحدر مستوى الخدمات نحو الأسوأ على الرغم من مليارات الدولارات التي صرفت على المشاريع الوهمية والعقود الفاسدة. لم يحصد المواطن سوى الوعود بينما إزداد الساسة ثراء" وتوسعت امتيازاتهم وحصنوا انفسهم في منطقة معزولة (الخضراء) بعيدين عن التفجيرات والعمليات الارهابية التي تحصد أرواح آلاف المواطنين الأبرياء، بينما تتوفر في منظقتهم (الغبراء) كل وسائل الراحة والرفاهية المجانية على حساب الدولة رغم رواتبهم العالية. فالطبقة السياسية الحاكمة عزلت نفسها في منطقة محصنة هي المنطقة الغبراء (أشبه بقلاع السلاطين)، والشعب بملايينه في العراء عرضة للارهاب والفقر والجوع والمرض. حفنة من الفاسدين يتمتعون بخيرات البلد والشعب بملايينه محروم من الخيرات.
فالمواطن أمام هذا المشهد المأساوي ، الحرمان والفقر وانعدام الخدمات وتفشي السرقات والفساد وانفلات العصابات والمليشيات وتصاعد الارهاب الذي يحصد آلاف الأبرياء، لا يملك سوى أن ينتفض لينتزع حقوقه عبر التغيير لكافة مؤسسات الدولة الفاسدة (البرلمان- الحكومة- القضاء) تلك المؤسسات التي تتداخل وتتشابك مصالحها وامتيازاتها الخاصة لم تلفت يوما إلى مصلحة المواطن، فوصل الاستخفاف بالشعب والاستهتار باحتياجات المواطن بعد كل هذه الاحتجاجات التي امتدت عاما وأكثر إلى أن يعقد البرلمان جلسة لتشريع قانون امتيازات خاصة به، فهذه المؤسسات فقدت قيمها وأخلاقها وشرعيتها باستهتارها بحقوق الشعب.
أوصل المتظاهرون واللجان التنسيقية المنتشرة في بغداد والمحافظات رسالتهم الواضحة والقوية للمتنفذين الفاسدين في السلطات الثلاثة بان تظاهراتهم لن تتوقف وأنهم لن يكلوا ولا يتعبوا حتى تحقيق مطالبهم في التغيير الجذري، وأن محاولات الحكام البائسين المرعوبين اللصوص في اضعافها وتفتيتها ومحاولات بث الفرقة بين لجانها التنسيقية والتياران الرئيسان المدني والصدري المشاركان الكبيران في التظاهرات المليونية لن تنفع. فالمطالب والاحتياجات الشعبية ومعاناة الشباب ومستقبلهم المجهول ومحارية الفساد والفاسدين هو مايجمع كافة العراقيين مهما كان انتماؤهم. فساحة التحرير وساحات المحافظات الأخرى ليست حكرا لتيار أو مجموعة بل ملك وحق لكل العراقيين لممارسة حقهم في التظاهر والاحتجاج وبما أن الاهداف والمطالب تلتقي جميعها في محاربة الفساد والفاسدين والتغيير فالعمل والتنسيق المشترك يشكل قوة تزعج المتنفذين الفاسدين في السلطة وتقلق مضجعهم فيسعون إلى زرع الفتنة والفرقة والتشكيك واليأس بين التيارات المشاركة لاضعاف التظاهرات والاحتجاجات.
فهل من سبيل آخر غير مشاركة الملايين المحرومين ومتوحدين ضد من أفقرهم وحرمهم من خيراتهم، ها هم الفاسدون في الحكومة والبرلمان والقضاء ما أن تتهدد مصالحهم أومن أجل زيادة رواتبهم وامتيازاتهم يتوحدون ويتفقون كما ويقفون متحدين ضد مصالح الشعب الذي يدعون تمثيله. المتنفذون اللصوص الفاسدون كذبوا وخدعوا وخذلوا ناخبيهم لمدة 13 سنة حولوا البلد إلى غنيمة تقاسموها، ولسوء إدارتهم استشهد الآلاف، وضيعوا مئات مليارات الدولارات دون حساب أو رقابة، فلم يبقى أمام الشعب إلا مواصلة التحشيد للتظاهرات المليونية التي تشارك فيها كل التيارات وفي مقدمتها التياران الأوسع المدني والصدري وفي طليعتهم الشباب الذين تصدروا ويتصدرون التظاهرات من أجل مستقبلهم ومستقبل الوطن.