المنبرالحر

أبو إيفان.. ذلك الشهيد المرح / ئاشتي

حين دخلنا إلى (بري گاره) أول مرة، تذكرت قول الشاعر الشيوعي عبد الله گَوران (كردي...وصخرة ..وكيس تبغ. ولتأت جيوش العالم) نظراً لطبيعتها الجغرافية العصية على الاقتحام. فالمدخل إليها من جهة الطريق الرئيس الذي يربط بين مديني سرسنك والعمادية عبارة عن مضايق جبلية في أسفلها (روبار) سريع الجريان، والطريق النيسم فقط للبغال والبشر. لم تفكر السلطات المتعاقبة في شق طريق للسيارات بسبب وعورة الأرض.
ومن الخلف سلسلة جبال گاره، التي لا يعرف شعابها من الجهة الأخرى بشكل جيد سوى الرعاة، حيث أنهم ينتقلون مع حيواناتهم للعيش هناك في فصلي الربيع والخريف.
توجد في بري گاره إحدى عشرة قرية، ولكل قرية أكثر من نبع ماء رقراق ترتوي منها بساتين الفاكهة والمزروعات الصيفية. وكان دخولنا إليها عبر المضيق الذي يؤدي إلى قرية زيوه، وهي القرية الثانية التي تلي قرية گاره.
الوقت كان فجرا لهذا صار القرار أن نبقى في بساتين القرية ولا نزعج ساكنيها. وعند منتصف النهار جاء من يبلغ قيادة المفرزة ان هناك شهيدا شيوعيا في گلي أفوكي. وأتضح الأمر بشكل أوضح عندما جاء الرفيقان اللذان كانا مع الشهيد، وأحدهما كان جريحا اثر كمين تعرضوا له وهم يصعدون في طريق گلي أفوكي.
تحركت مفرزتنا التي كان عددها أكثر من ستين نصيرا ويقودها القائد الأنصاري الشجاع توما توماس. صعدت المفرزة جبل گاره من الجهة التي تقع فيها قرية گاره، وكان الصعود سريعا. فرغم ارتفاع الجبل إلا أن رغبة الأنصار في الوصول إلى جثمان رفيقهم الشهيد جعلتهم ينسون الاستراحة.
نزلت المجموعة الأولى بسرعة لتؤمن الطريق ولتعثر على جثمان الشهيد. كان ممدداً على وجهه وأكثر من أطلاقة اخترقت صدره، وقد مرت على استشهاده ثلاثة أيام. حمله الأنصار إلى اسفل الوادي، احدهم اخرج علبة كلونيا ريفدور وسكبها على جثمانه، وقاموا بدفنه في قبر حفروه في بداية گلي مراني.
كان ذلك هو الشهيد ابو إيفان (هرمز يوسف بوكا) الذي التحق بالحركة الأنصارية في نهاية 1979 في نوزنك، ثم جاء مع المجموعة التي تم نقلها إلى گلي كوماته. نزل في اول مفرزة لترتيب صلات مع تنظيم الداخل، فتعذرت عليه العودة إلى كوماته مع رفيقه أبو خدر، لهذا عبرا إلى سوريا وليعودا إلى كوماته من جديد يرتدون الملابس المدنية، والتي وجد فيها الشهيد فسحة للمزاح مع رفيقه ابو خدر (حيث كان يرتدي بنطلونا قصيرا وجاكيتا قصيرا وهو طويل القامة).
كان يبعث الفرح في نفوس رفاقه، يمزح كثيرا معهم، الابتسامة لا تفارق شفتيه، يتذكر كل شي عن مدينته القوش. كانت السلطة المجرمة تعرف خطورة العمل الذي يقوم به، لهذا طلبت من عملائها تصفيته كان ذلك في بداية تشرين الثاني 1980.