المنبرالحر

من سفر النضال.. عقيل حبش / محسن وادي جاسم

كلمات خالدة على جدار زنزانة الموت!
الى / من حفر بأظافره كلمات انشودة الحرية على جدران زنزانة الموت في سجن الخيالة ...
بعد ان خيم ظلام الطغاة على ارض العراق الحبيب قبل اكثر من اربعة عقود من الزمن اثر قمع انتفاضة اهوار الجنوب الباسلة التي سيق على اثرها خيرة قادة وكوادر الحركة الوطنية العراقية وكل من يشك في ولائه للسلطة الحاكمة الى السجون والمعتقلات في هجمة شرسة قل نظيرها في التاريخ الحديث لتصفية اليسار العراقي بكل فصائله , كان للشيوعيين النصيب الاعظم منها. ان الكتابة عن الذكريات اشبه بمنزل قادم من عالم السحر له الف باب وباب والف قبة شامخة , فلا اعرف من اي باب ادخل , ام سأكتفي بوصف مشهد الماضي لكي افتح بابا ينبض بالحنين تارة وبالغصة والمرارة تارة أخرى .. ما زلت حتى لحظة كتابة هذه السطور المتواضعة اتذكر ذلك اليوم الخريفي الغائم في سوق الشيوخ عندما احاط بي ثلاثة من رجال الامن عام 1969 الذي كان بداية رحلتي المؤلمة على طريق الغرف المظلمة والدهاليز السرية وسياط الجلادين في مديرية الامن العامة وما يسمى آنذاك بقصر النهاية .. ! كنت على يقين تام ان لاعتناق المبادئ الانسانية ضريبة يجب ان تدفع .. وفي مساء يوم شتوي بارد قيدوني بالاقفال الحديدية واقتادوني الى محطة القطار المتوجه الى البصرة , لم انم تلك الليلة , القطار يتوقف في محطة الناصرية عند الفجر، امرني احد الحراس بالترجل من العربة وكانت هناك سيارة مسلحة في انتظاري نقلتني على الفور الى زنزانة انفرادية في سجن الخيالة كانت معدة خصيصا للسجناء السياسيين .. عام ونيف مضى على اعتقالي لكن التفاصيل والذكريات عصية على النسيان ابتعد بها الزمن وابتعدت عنه في نقطة سديمية ليس لها عودة لكن هنالك خيطا خرافيا نحيلا دافئا ظلا يمتد بيني وبينها وتلك الكوة الصغيرة الواقعة في اعلى الجدار كنذير بشروق الشمس وقدوم شيء من النور الى المكان وهنا لا بد لي ان استعير بعض المقاطع الشعرية من قصيدة شاعرة عراقية قرأتها مؤخرا تقول فيها :-حتما ستقع كل خيوط الضوء المنبثقة من كوة الزمان ... أعدو الى متنفس الضوء ... افتش عنه في اقصى الكلمات .. كنبتة صغيرة في الظلام ... نعم يا صديقي لقد ارشدني الضوء الى ما حفرت من كلمات على جدار سجون الطغاة وانت تستعد لملاقاة الموت بشرف لتطلق صرختك الاخيرة بوجه الجلادين لحظة اعدامك .. (( لي الشرف ان يحدد لي الجبناء الفاشست الزمان والمكان الذي اموت فيه دفاعا عن حقوق الطبقة العاملة وطليعتها الحزب الشيوعي )) ووفاء مني لرفقة النضال واستذكارا وتذكيرا بذلك الموقف البطولي المشهود للمناضل الشيوعي ( عقيل حبش الجنابي ( اكتب هذه السطور كشهادة للتاريخ والاجيال القادمة واشارة ضرورية للتعريف بمرحلة مهمة من تاريخ النضال الوطني العراقي خلال حقبة الستينيات من القرن المنصرم حينما كانت اهوار وارياف هذه المحافظة الساحة الامامية للكفاح الوطني المسلح من اجل الانعتاق والحرية .
الناصرية/ ايلول 1994