المنبرالحر

متى نغادر أوهامنا ، ونحسب الصراع الدائر في العراق ليست محليا وحسب ؟ / عادل كنيهر حافظ

يحسب البعض ان ما يجري في العراق ، هو صراع محلي لا غير ، في حال نجد ان تأثير ارادة الدول المحيطة بالعراق والارادة الدولية لا تقل تأثيرا في الشأن العراقي عن قواه السياسية المحلية ، وقد نبلغ الجهل ، اذا نزهنا الأطراف الإقليمية والدولية ، وخصوصا الولايات المتحدة الامريكية ، من مسؤولية تدمير العراق وشعبه ، وسكوت هذه الأطراف عن بعضها البعض عن سرقة أموال العراق ، يدلل بشكل يرفض الشك ، تورطها بل وانغماسها ،في جريمة نهب ثروات الوطن وافقار أهله ، وما حدث في الاول من أب الجاري ، خلال استجواب وزير الدفاع العراقي ، ما هو الا تجل صارخ لصراع أضداد يدور في وحدة المصالح ، بالرغم ان المتضرر هم الاقربون الى الاخوان المسلمين في تركيا ، لكن ذلك لم يجر ، رغم على أنف السفير الامريكي في العراق ، وإنما بموافقته التي تستند على سياسة أمريكا في أضعاف الاخوان المسلمين وحزب اردوغان على الخصوص .
المهم في الامر هو معرفة ان تلك الأطراف ، تشترك في جريمة تدمير العراق وناسه ، رغم صراعها على المغانم وليس المبادئ ، وهذه الجريمة بدأت تتضح معالمها بعد أشهر من سقوط الصنم في عام ٢٠٠٣ ، وخصوصا بعد تثبيت سياسة المحاصصة الطائفية البغيضة ، وسرقت الحاكم المدني الامريكي بول بريمر قرابة ال٢٠ مليار دولار من صندوق تنمية العراق عام ٢٠٠٣، حيث راح هذا المسلسل الدامي يوغل بعيدا في تهديم صرح العراق ،وبات جدول الماسي يتسع باطراد ، وجاوزت سرقات القوى المتنفذة في العملية السياسية المدعومة من أمريكا ال. ٩٨٠ مليار دولار، وتوقف بناء المرافق الخدمية في البلاد ، وسادت الجريمة المنظمة ، وعمليات الاغتصاب والسلب والنهب والاختطاف ، الذي يتم ليل نهار ،في ضل غياب القانون ، وجرى تفريغ اكثر من ١٧٠ مصنع ومعمل للقطاع العام وتم الاستيلاء على أبنيتها ، وسرقت اكثر ٢٥ مليار دولار على خدمة الكهرباء ، دون تحسن ، وترادفت مظاهر الرشوة والمحسوبية وبيع الوظائف ،العسكرية والمدنية ، وشاعت ظاهرة الفضائيين ،حيث تصرف الملايين على أشخاص هم ليس في الخدمة العسكرية او مؤسسات الدولة المدنية، في حال يقتل ويختطف الأطباء ورجال العلم والصحفيين ،وتسجل هذه الجرائم على مجهول !!! في بلد جاوزت فيه أكواخ الصفيح ال٣٠٠٠ وناهز عدد المهجرين ال المليونين مواطن وهذا الرقم في تزايد يومي ، وميادين التربية والتعليم تشهد تدهورا مريعا ، حيث يتزايد باطراد عدد الطلبة الذين يتركون مقاعد الدراسة ، والدولة تبني جوامع وسجون ، ولاتفكر في بناء المدارس والمستشفيات ، لان الحياة الدنيا معبر للخلود في الآخرة !! . وعلى هذا المنوال يتلظى الشعب العراقي على نار الاٍرهاب والفساد والطائفية ، وتزداد أزمته تعقيدا ، من دون ان يرى نورا في نهاية النفق الرهيب ، الذي ادخله آلية، رجال العملية السياسية وحماتهم الأمريكان .
والمؤلم في الامر ، هو ان الحديث عن إمكانية التخلص من الفساد والارهاب والرشوة وعموم اللاقانون في البلاد ، عن طريق الضغط على الحكومة ، باتت من الأمور ، التي تعد من الأماني الضالة ، لان مطالبة الحكومة والضغط عليها بان تحارب الفساد ، يعني ان تحارب الرشوة والمحسوبية ،والاستخدام السيء للوظيفة ومساءلة المقصرين وتقديمهم للقضاء لينالوا جزاءهم العادل ، وبالنتيجة ستحاسب الحكومة أغلبية منتسبيها وأعضاء البرلمان ،لانهم في الغالب فاسدون، وهذا يعني القضاء على نفسها بنفسها ،وهو امر يصعب تصوره ، ثم مطالبتها بالقضاء على صيغة المحاصصة ، يعني في الواقع ،مطالبتها بنقض الاتفاق على تقاسم مغانم السلطة ، وهذا امر ترفضه الكتل المتنفذة ، لانه يتعارض مع مصالحها ، اما في حالة مطالبة السلطة بتقديم الخدمات الضرورية لابنا الشب ، فإنها ستتعذر ،بانخفاض أسعار النفط، وصرف مبالغ كبيرة في مكافحة الاٍرهاب ، وبالتالي يتعذر على المواطن ان يجد ثمة أمل لخروجه من مهاوي الردى ، في حال باتت دعاوي المرجعية التي كانت بمثابة احد جهات الأمل في الخلاص من الضيم الذي قتل الناس ، باتت هذه الدعاوي ، لا تجد لها اذانا صاغية ،بل راحت بعض الأحزاب الشيعية تنسق مع الخامنئي ،ضد مرجعية السيستاني ، والامريكان يخدمهم وضع العراق الهزيل ، رغم تصريحاتهم بتقديم العون للعراق وحكومته ..... ، وأخيرا أمل التغيير،عن طريق الانتخابات القادمة ، وهذه القضية تحسب لها القوى المتنفذة الف حساب وسترصد لها اموالا طائلة وتسخر لها كل وسائل اعلامها ، وستخلق المشاكل الطائفية ، لشد الناس لطوائفهم ليكون الانتخاب لابن الطائفة وليس لابن الوطن ، وستدخل أطراف الجريمة من احزاب العملية السياسية المتنفذة حتى الراعي الأكبر أمريكا ، بكل ثقلها ليميل ميزان الانتخابات لصالحها ، مستثمرة ضعف إمكانيات القوى اليسارية والديمقراطية ، صاحبة المشروع الوطني البديل ، ومستندة على ضعف الوعي الجماهيري الهابط لذلك هي لا تغير في حالها ،لانها تدرك ليس هناك من يغيرها.
ولقطع الطريق على مسيرة التدهور العام في البلاد ، ليس هناك من بد غير حل البرلمان الطائفي ، واعتبار الحكومة الحالية حكومة تصريف اعمال ، وتحديد زمن لانتخابات عراقية تحت رعاية الامم المتحدة ورقابة هيئاتها المختصة ، والتفكير ، بنظام رئاسي في العراق ، وهذه الإجراءات من صلاحيات رئيس الدولة كما كفلها له الدستور ، واذا لن يحدث اي شيء من هذا القبيل ، والشعب العراقي نفض يديه من إمكانيات خلاصه الاخرى ، فانه لايسح لقتله بالتقسيط ، خصوصا وان أمامه الشارع الذي يؤدي الى قلاع الطغاة ، التي سيندحي عنها خدمها والحراس ، عندما يشاهدون الشرر الذي يتطاير من عيون الناس الغاضبة .... .