المنبرالحر

المثقف الثوري والتحالف مع الطبقة العاملة / عبد العزيز لازم

نظرة عامة حول الثقافة
للثقافة ثلاثة فروع هي الثقافة الانثروبولوجية ،والثقافة الإبداعية ، والثقافة التعليمية . ونعتقد أن هناك ارتباطا وثيقا بين تلك الفروع المعرفية رغم الفواصل الظاهرية الطبيعية .فالثقافة الانثروبولوجية ،هي مجموعة العادات والتقاليد والطقوس الاجتماعية المتراكمة التي يتصرف ضمن شغلها أبناء المجتمع . وهذه تلهم المبدعين في بناء أعمالهم الإبداعية في مختلف أجناسها . أما الثقافة التعليمية فتساهم في تنوير أبناء المجتمع حول حقائق و ضرورات التطور الاجتماعي عبر صقل وتهذيب المفاهيم والطقوس السائدة التي استنفذت وظائفها عبر المراحل التاريخية المختلفة. فيما تكوّن الثقافة الابداعية قمة التكوين الروحي للناس ويمثلهم في ذلك نخبة من الموهوبين واصحاب الرأي المبني على التأمل والتفكير العميق وشغل المخيلة ايضا، وهم الادباء والشعراء وصناع الملاحم والحكايات . وهي تعتمد على تشغيل وسائل المبدعين في البحث عن الحقيقة .وعلينا ان نلاحظ هنا ان الثقافة الابداعية كانت على مر العصورأكثر انصافا للمرأة وحقوقها من النمطين الآخرين للثقافة ، فعلى سبيل المثال كانت الالهة عشتار تمثل النصف المكمل للإله تموز لإكمال المعنى الاعلى لثيمة الخصب في حياة العراقيين الاوائل . وفي العصر الحديث يقدم المبدعون مفهوما متقدما لدور المرأة في بناء الحياة وحفظ كرامة الانسان.
على صعيد الثقافة الانثروبولوجية دخلت المرأة العراقية منذ الازمنة الاولى بنشاط في الحياة الروحية والمادية للبلاد ، من ذلك ان النساء كن يقدمن تماثيلهن بالمظهر الشخصي وفي وضع التعبد الى المعبد ، اعتقادا منهن ان صلواتهن ستكون متواصلة من خلال وضع الرمز الشخصي هناك ، بينما هن يواصلن القيام بأعمالهن اليومية دون توقف . في هذا السياق تعلمت المرأة اعمالا اخرى ، فقد تعلمت طحن الحبوب، وغزل النسيج ،وحياكة الملابس ، وصنع المشروبات . ان تلك النشاطات ذات الطابع الانتاجي أو الخدمي التي بدأت ضمن حدود المنزل قد قادت المرأة الى ان تنتقل الى خارج تلك الحدود لممارسة مهن مستمدة من النشاطات المنزلية نفسها . وهكذا اتجهت الى السوق لبيع ما تنتجه ، بل انها مارست في هذا السياق ادارة الفنادق او الخانات او ادارة الحانات في ذلك الزمان . كما ان القدرة على الانجاب التي ميزت المرأة العراقية ، وكذلك فن العناية بالاطفال قد الهمتها ان تعمل كقابلة كفوءة ، بل علمتها ايضا كيفية صنع الادوية الخاصة بأمور الولادة والانجاب مثل ادوية منع الحمل ، او ادوية تعين على الاجهاض الاختياري . اي ان العناية بالاطفال أدت بالمرأة الى الانطلاق نحو آفاق خلاقة أخرى ولم تؤد الى حبسها في المنزل وتلقي طغيان العقلية الذكورية .
تعطيل وظيفة الثقافة
توصلت الشعوب والمجتمعات دائما الى وسائلها الخاصة لصياغة اتجاهها في التطور عن طريق العصب الثقافي . ولا يوجد بديل لقوة الثقافة في اكتشاف هوية المسار التطوري للشعوب . لكن هذه القوة الطبيعية قد تتعرض إلى ضغط قوى مغرضة اخرى تستهدف تعطيلها عن ممارسة وظيفتها وحرفها عن ما تستطيع القيام به من فعل تنويري وفعل تفاعلي متبادل مع تيارات الصراع في المجتمع . وقد حصل ذلك في عصور الدكتاتورية في العراق بما يعكس تعارض روح النموذج الشمولي مع الديقراطية ليس على صعيد السياسة فقط بل وعلى الصعيد الثقافة ايضا . وقد حاولت الأنظمة الشمولية ان تدعي بانها حامية الثقافة الوطنية الا ان وسيلتها كانت النفاق ذاته الذي استخدمته في مجال السياسة . ففي الوقت الذي كانت تقام فيه مهرجانات المربد الثقافية في بغداد والبصرة وتقام ايضا مهرجانات اخرى بعد تدقيقات عسيرة في هوية المشاركين ،كانت الثقافة الكردية تتعرض إلى التهميش والإقصاء بل والى الإلغاء حتى في المناطق السكانية التي يقطنها الكرد . وشمل ذلك جميع الثقافات الاخرى للمكونات العراقية التاريخية الأخرى ، الأمر الذي حرم المثقفين العرب والكرد وغيرهم من امكانية الالتقاء وتبادل الكشوفات الجمالية ومن امكانية تأصيل الهوية الثقافية والهوية الوطنية ايضا. لقد استطاعت تلكم الدكتاتوريات إحداث نسبة من الخراب الثقافي الوطني بسبب طول فترة بقائها على سدة الحكم . لكن هذا الخراب يثبت يوما إثر آخر بانه مؤقت وزائل .
بين المثقف الكوني والمثقف العضوي
لقد دخلت صفة الكونية الى الثقافة العراقية والعربية على يد المفكر الراحل هادي العلوي . حاول العلوي تمييز المثقف الكوني عن المثقف العضوي في دراسة عن هذا الاخير الذي طرحه المفكر الماركسي الايطالي انطونيو غرامشي . لقد اطلق العلوي على المثقف تعبير " المثقف الأمي " لغرض تأصيله في التراث والحاضر . لكن العلوي اعطى تعريفا للمثقف العضوي يقول : "هو غرار المثقف الذي يتميز بعمق الوعي المعرفي والوعي الاجتماعي معا وبعمق الروحانية التي تجعله قويا على مطالب الجسد ومترفعا في تجربته الحياتية الشخصية على الخساسات الثلاثة وبالتالي قادرا على خوض النضال ضد سلطة الدولة وسلطة المال ومن أجل الشعب .. ويعني بسلطة الدين بانها سلطة رجال الدين وعلماء الدين الذين يحلون انفسهم مكان النص الديني او المطلق الديني . وقد اطلق العلوي مصطلح الأبدال على المثقفين الذين يقصدهم وهو مصطلح صوفي تقول المعاجم العربية انهم (قوم صالحون بهم يقيم الله الارض ..لايموت أحد منهم أحد إلا قام مكانه آخر فلذلك سموا ابدالا ) ونقل عن علي بن ابي طالب (إنهم لم يسبقوا الناس بكثرة صلاة ولا صوم ولا تسبيح ولكن بحسن الخلق وصدق الورع وحسن النية وسلامة الصدر ) وعن النبي محمد يقول عنهم ( انهم لم يدخلوا الجنة بكثرة صلاة ولا صوم وإنما دخلوها بسخاوة النفوس والنصح للامة . ) ويعدد العلوي في كتابة ( مدارات صوفية " عشرين من هؤلاء الابدال بينهم الحلاج ولاوتسة ومنشيوس ويسوع المسيح وابو ذر الغفاري وغوتة وماركس وعامر العنبري والنفري وعبد القادر الكيلاني ولينين وتولستوي.
ويقارن العلوي بين المثقف الكوني ومثقف غرامشي العضوي فيقول ان المثقف العضوي هو الفعال في المجتمع لأجل إحداث التغيير ويحدد التغيير الذي يريده غرامشي ضمن المفهوم التاوي للدولة اي ان تكون في خدمة الشعب . لكن اشتراطات المثقف العضوي كما يريدها غرامشي تبتعد عن هموم الناس ، ولهذا لم يستطع الحزب الشيوعي الايطالي ان ينافس الدين على مكانته لان عمله تركز على النضال السياسي والايديولوجي دون تأسيس القاعدة التي تخدم المصالح اليومية للناس ، لذلك كان مثقف غرامشي سياسيا اكثر منه اجتماعيا . وبرأيه يمكن ان تبدأ الحركة الشيوعية ببناء المجتمع المشاعي وإن كانت خارج السلطة عن طريق تأسيس المؤسسات الاستهلاكية التي تركز على تقديم المنتجات الى الفقراء بسعر الكلفة . وهكذا نرى ان الاختلاف بين مثقف العلوي ومثقف غرامشي يتركز في ان غرامشي يرى ان الحزب الثوري وحده قادر على تكوين طبقة جديدة من المثقفين العضويين المرتبطين بهموم الناس وقضايا العمال والفلاحين ، وان هؤلاء المثقفين العضويين يمكنهم ان يشكلوا هيمنة بديلة عن الهيمنة البرجوازية . ويعتقد غرامش باهمية المثقفين ودورهم في التغيير بل وصنع المعجزات اذا آمنوا بقضية الشعب الاساسية التزاما عضويا وحيويا وتحاول البرجوازية ان تشتريهم لانها تخشاهم وتعرف حجم نفوذهم الكبير . بينما يرى العلوي في المثقفين انطلاقا من مراقبته النموذج العراقي والعربي انهم اسوأ العاملين والناشطين في ميدان تحقيق المشروع الاشتراكي الشيوعي وفي مجال القضايا الوطنية الاخرى ولا حظ ذلك في فترات العدوان الغربي ومجازر الصهيونية بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني والحصار على العراق في عهد الدكتاتورية وفي قضية الدفاع عن نهري دجلة والفرات وفي وجه المشاريع التركية والايرانية . يقدم غرامشي تعريفا واسعا للمثقف فهو لايعترف بوجود نشاط فكري أو ذهني بطبقة اجتماعية معينة وفي هذا سعى إلى رفض التخصصية في الثقافة . لكنها تعني ايضا رفضا للفصل بين النشاط الفكري والنشاط اليدوي فالاول يمتلك اثرا من الثاني والعكس صحيح فيعبر عن هذه الفكرة بالقول : " جميع الناس مثقفون من وجهة نظري وكل إنسان يمتلك وجهة نظر هو مثقف بمعنى معين " بينما يرى العلوي ان هناك ميزة متفردة للمثقف الأمي على المثقف المتعلم وحائز الشهادة . الامي قد يكون حكيما ونبيا او مصلحا بينما يبقى " المثقف الجاهل " جاهلا حتى لو حاز ارقى الشهادات . ويغالي العلوي في عدائه للمثقف مستشهدا بشيخه الروسي ويقصد " لينين " الذي سبقه بذلك حين اتهم المثقفين بالرخاوة والروح البرجوازية ويعبر هذا الوصف عن طبيعة الثقافة الغربية التي يتأثرون بها . على ضوء ذلك شن العلوي هجوما ساحقا على المثقفين العراقيين والعرب لانهم لا يفرقوا بين الثقافة الغربية والثقافة الحديثة التي يؤيدها ، فالاكثرية الساحقة من المثقفين لا تميز بين الثقافة الغربية والثقافة الحديثة وهم يتكالبون على الامتيازات الشخصية والقصور وغيرها من وسائل الترف ..
مثال عراقي عن المثقف الثوري
ليس هو المثال الوحيد فالمتأمل لوقائع الشهيد كامل شياع اثناء عمله في وزارة الثقافة وغير الوزارة يفكر في الرابط الجدلي بين المثقف والوظيفة . فرغم دوره في المجال الفكري والثقافي الذي تحدث عنه الكثيرون ممن عرفوه وعايشوه ، لم يأسره بريق المركز الوظيفي العالي وبهرج المكتبية واصدار الأوامر ، لأنه كان مثففا عالي الاستيعاب لوظيفة الثقافة ، وما المركز الوظيفي المتقدم الا مجرد مكان يستطيع هو ان يستثمره من أجل الثقافة وليس من اجل اغراض شخصية ضيقة وقع في احابيلها الكثيرون ممن اعتقلتهم مغريات الوظيفة واسلمتهم الى دواعي التنكر الى المرامي العليا للثقافة . فلم يكن كامل شياع الا ما كانه وما جبلت وتثقفت عليه روحه ، لذلك كان هو خطر على صانعي الإجرام الاسود الذي يجتاح بلادنا . ان هؤلاء المجرمين الذين اعتادوا ان يمارسوا افعالهم وسط المجاميع السكانية ليحققوا النطاق الاوسع من القتل ، خصوا كاملا بحفل اجرامي خاص ، لوحده وكأن قلمه وفكره يعادل مجاميع بشرية برمتها يتفرغون هم طويلا لقتلها , وهذه هي احدى مآثر المثقف الثوري الأصيل ، فهو اذ يكون فردا واحدا فانه يمكن ان يعادل جموعا باسرها .
إنّ الثقافة كما يرى هيغل هي فعل التحرّر الأرقى، لإنها نقطة التحوّل المطلق نحو الروحاني السامي إلى شكل الكونية من الداخل اي داخل الذات الشخصية نفسها . وبذا تكتسب الذات القدرة على تحقيق الواقع الفعلي للفكرة . إن التزام الخصوصية وانغلاق الهوية على ذاتها لدى المثقف يشكل خطرا على الانساني في ذاته لانه يشكل اندفاعا نحو الهيمنة يوازي الهيمنة التي تطلقها العولمة اليوم وبذا يبعد المثقف عن فكر الطبقة العاملة الذي يعمل على تأصيل الجانب الانساني وليس الهيمنة الدكتاتورية، نرى ان موقف هيغل في تصوره التاريخ يقوم على ان تحقق الروح المطلق هو نهاية للتاريخ وهو قول يمتلك عمقا اكثر غورا من ذلك القول الذي اطلقه " فوكوياما" بعد انهيار التجربة السوفيتية في بناء الاشتراكية معتبرا انتصار الرأسمالية على الاشتراكية هو نهاية للتاريخ وهذه الفكرة كما اثبتت وقائع الحياة تنطوي على الكثير من السذاجة السياسية .
شمولية مفهوم المثقف
يقصد بالشمولية الخاصة بالمثقف هو قدرته على اصدار نظره شاملة لتغيير المجتمع ، ويعرف ماكس فيبر المثقف بانه المفكر البارزالذي يتسلح بالبصيرة ويمتلك القدرة على النقد الاجتماعي والعلمي والسياسي . ويعرفه مفكرون آخرون بانه المنتج للمعرفة . ولكن كل هذه تعريفات عامة لا تسمح بتحديد بؤرة النظر العلمية للمثقف . البؤرة المقصودة هي الموقف الطبقي للمثقف وتحديدا اكثر هو الانتماء الحزبي او التنظيميي الى الحزب الماركسي . فالمثقف الثوري هو حامل رسالة ورؤية مستقبلية وهوايضا مثقف عضوي ملتزم تنظيميا . يكون الجمع بين هاتين البؤرتين الثوريتين قادرا على تخطي التثقيف المعرفي او القناعة الثقافية والسياسية الى الفعل الثوري الديمقراطي . وبضيف المفكر الفلسطيني عزمي بشارة الى ذلك قائلا ان مهمة المثقف الثوري لا تنتهي بعد تفجر الثورة بل انها تتعامل مع محمولات اكثر تعقيدا بعد الثورة تتمثل في نقد ممارسات الثورة والبحث عن بدائل عن الوضع القائم بعد الثورة تفاديا للانحرافات الممكنة في جسم الدولة الجديدة .
عن الماركسية وتجربة الاتحاد السوفيتي السابق
لقد توصل كل من ماركس وانجلز الى نتائج بخصوص الطبقة العاملة حتى الانتهاء من إصدار كتاباتهما العظيمة خاصة كتاب رأس المال الى فكرة الاشتراك في الحركات العمالية التي اطلقت في دول اوربا الرأسمالية رغم انهما ليسا من طبقة العمال . اصبح ماركس بحنكتة قائدا عمليا للأممية الاولى . إن وصول كارل ماركس لهذا الموقع يوضح ان قيادة المثقفين الثوريين لا تمنح بل تكتسب . فالمثابرة والاخلاص الذي اتصف به فضلا عن صحة نظرياته وغيرها من الصفات هي التي ساعدت على وضعه في الموقع الاول في قيادة الاممية العمالية .
رغم ان الماركسية هي منهج الطبقة العاملة لكنها تعتبر علما ينبغي دراسته ولا تستطيع الطبقة العاملة ان تستوعب تلك النظرية لوحدها لانها مجرد نظرية موضوعة لاجلها . لكن عليها ان تتعلمها كي تستطيع استخدامها في نضالها الطبقي . هنا يبرز دور المثقفين في ذلك ، فهم القادرون على دراسة واستيعاب النظرية . وهذا يعني ان مساهمة المثقفين في نضال الطبقة العاملة، لايعطيه القادة الشيوعيين مثل ماركس وانجلز او لينين او ماوتسي كونغ أو فهد وسواهم . بل يكتسبه المثقفون بفضل اخلاصهم ومثابرتهم وكشوفاتهم الصائبة .
تؤكد حقائق النضال الثوري بانه ليس هناك من يمنع حق اي انسان لأن يلتزم بنظرية ويتصرف حسب ما تتضمنه تلك النظرية . وهذا ينطبق على الرأسمالي نفسه الذي قد يرى صواب النظرية الماركسية فيتخذها منهجا لموقفه. اي ان حق الانتماء الى فكر الطبقة العاملة المتمثل بالماركسية أمر متاح لجميع الناس مهما كان انتماؤهم الطبقي رغم ان الماركسية وبشكل ثابت هي نظرية الطبقة لعاملة وليست نظرية المثقفين او الفلاحين أو الحرفيين او سواهم . لكن لماذا تؤمن بعض هذه الفئات بالنظرية الماركسية وهي ليست نظريتهم ؟ إن المثقفين ينتسبون الى فئات اجتماعية ليست عمالية وليست راسمالية فهم ليسوا عمالا ولا رأسماليين . لذلك أطلق على الفئات التي لا تنتمي الى اي من الفئتين الرئيستين اسم البرجوازية الصغيرة . ويمكن ان تكون البرجوازية الصغيرة جزءا من البرجوازية او الراسمالية حسب حجم راسمالها الصغير ، وهي في نفس الوقت ليست من الطبقة العاملة . اي ان البرجوازية الصغيرة ليست فئة منسجمة كما هو الحال لدى الطبقة الراسمالية او الطبقة العاملة . إنها لا تمتلك اهدافا بعيدة المدى . لكن هناك صفة تربط هذه الفئات غير المنسجمة وهي طموحها للوصول الى مستوى الطبقة الرأسمالية . تنشا من بين هذه الفئات ، الفئة المثقفة التي تحاول التوفيق بين مصالح الطبقة العاملة والطبقة الراسمالية وهي ما يطلق عليها الماركسيون بالفئة الانتهازية . لكن النظام الرأسمالي غالبا ما يعيدها الى مستوى عيش الطبقة العاملة بتاثير التطور الاقتصادي ، وهذا يجعلها متذبذبة بين الطبقتين الرئيستين . وهكذا لايمكن تسمية النظرية الماركسية بنظرية الطبقة العاملة والفلاحين والمثقفين والعلماء والفنانين وسواهم لأن النظرية الماركسية هي التي تعيّن الاتجاه المنطقي الحتمي لمسيرة المجتمع الرأسمالي الذي يؤدي الى انهاء هذا النظام الاستغلالي . إنها النظرية التي تحدد طريق التخلص من النظام الاستغلالي الرأسمالي واقامة النظام الاشتراكي وهذه مهمة اوكلها التاريخ للطبقة العاملة وليس لغيرها من الطبقات . ينتج عن ذلك إن الفئات الاجتماعية الأخرى غير العمالية تستطيع عبر اعتناق النظرية الماركسية وتطبيقها تطبيقا صحيحا ، فإنها تساهم في العمل على إنهاء النظام الراسمالي وتخليص الطبقة العاملة من الاستغلال . فالبرجوازي الذي يعتنق الماركسية لا يستطيع استخدامها ضد مصالح الطبقة العاملة ولا يستطيع استخدامها في سبيل استمرار الوجود التاريخي الاستغلالي للطبقة الراسمالية . إن كل من يطبق الماركسية تطبيقا علميا صائبا مهما كان انتماؤه الطبقي فانه يساهم في تخليص المجتمع من النظام الرأسمالي .
تأثير انتماء المثقفين على نضال العمال
نعلم ان المصالح المباشرة للفئات المتوسطة ومنهم المثقفون تختلف عن مصالح الطبقة العاملة . فهي لا تعتبر الاطاحة بالنظام الراسمالي يخدم مصالحها بحكم سعيها نحو الغنى والثروة للاقتراب من المستوى الاقتصادي للبرجوازية في الحياة . لكنها تعاني من عسف النظام الراسمالي الذي يسعى الى دفعها نحو المستوى الاقتصادي للطبقة العاملة . وهذا الوضع هو الذي يخلق حالة التذبذب والتبدل في تفكير الطبقة الوسطى ومنهم المثقفون الذين من صفاتهم محاولاتهم التوفيق بين الطبقتين الرأسمالية والعمالية ، بينما تسعى الطبقة العاملة الى الاطاحة بالنظام الراسمالي الاستغلالي لاستلام الحكم وهي عندما تستلم الحكم تختلف عن الطبقات الاخرى التي سبقتها ، فهي تريد التخلص من الاستغلال بعد الغاء النظام الرأسمالي وليس احلال طبقة محل طبقة اخرى كما حصل في العصور السابقة . لكن الطبقة العاملة وهي تطيح بنظام الاستغلال تسعى الى تحرير كافة فئات المجتمع و منهم المثقفون، وبذلك تستطيع تحرير نفسها كليا من الاستغلال . ويعني هذا ضمن ما يعني ان الطبقات المتوسطة تنخرط ايضا في النضال من اجل تحرير الطبقة العاملة نفسها من انواع الاستغلال لأن ذلك يخدم مصالحها التي تتطابق مع مصالح الطبقة العاملة .
إن كل ذلك يشكل اساسا تاريخيا في منطق انتماء بعض افراد الطبقات المتوسطة الاخرى خاصة الفلاحين والمثقفين الى فكر الطبقة العاملة والانتساب الى جهود نضالها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي من أجل التخلص من نظام الاستغلال وكل انواع الاستغلال الرأسمالي. ويشعر المثقف بان تحرير الطبقة العاملة من الاستغلال يعني تحريره هو ايضا من الاستغلال فيكتشف ضرورة الإيمان بالنظرية الماركسية . لذلك فهو يتخلى عن مصالحه الذاتية المباشرة ليعمل على تحقيق البعيدة منها بتحرير الطبقة العاملة من الاستغلال . وهذا البعد الفكري نفسه هو الذي يدفع الفئات الاخرى كالطلاب نحو اعتناق الماركسية . وعندما ينتمي مواطن من الطبقة البرجوازية الى الماركسية ويطبقها تطبيقا صحيحا يصبح واحدا من اعضاء الطبقة العاملة في النضال السياسي رغم انه يبقى برجوازيا صغيرا في المجال الاقتصادي والاجتماعي . أما اذا حاول التعالي على الطبقة العاملة فانه يصبح حسب التعبير الماركسي انتهازيا او تحريفيا . وهذا هو سبب الخلاف داخل الحزب الشيوعي السوفيتي بعد ثورة اكتوبر وانقسامه الى بلاشفة ومناشفة فقد كانت شروط لينين تقوم على اعتبار عضو الحزب الشيوعي ذو الانتماء البرجوازي اقتصاديا جزءا لا يتجزأ من الطبقة العاملة في الكفاح السياسي بينما اعترض على ذلك عدد من اعضاء المؤتمر الثاني للحزب الاشتراكي الديمقراطي 1903 الذي حصل الاتفاق فيه بالاغلبية الساحقة على ان الثورة الروسية تتكون من مرحلتين هما مرحلة الثورة البرجوازية و مرحلة الثورة الاشتراكية . وقد عرفنا عن الكثير من المناضلين من اعضاء الطبقة العاملة والاحزاب الشيوعية ذوي الجذور البرجوازية او الفلاحية ممن قدموا اغلى ما لديهم في سبيل قضية الطبقة العاملة مثل ماركس وانجلز ولينين وفهد وسلام عادل وعبد الجبار وهبي والمئات من المثقفين ، حيث اثبت المئات من هؤلاء قدراتهم القيادية للطبقة العاملة في بلدان شتى . رغم ذلك تسعى الاحزاب الشيوعية الى زيادة نسبة عدد العمال داخل الاحزاب بعد توعيتهم وانضاج تجربتهم الفكرية والسياسية ، وهذه المهمة يقوم بها المثقفون داخل الحزب بالدرجة الاولى .
المصادر
1- الثقافة الكونية عند هيغل ... ابراهيم القمودي
2- المثقف العضوي والآخر الكوني بين غرامشي والعلوي علاء اللامي
3- المثقف والثورة عزمي بشارة
4- دور المثقفين في نضال الطبقة العاملة وقيادتها حسقيل قوجمان
5- مدارات صوفية هادي العلوي