المنبرالحر

ذكّر عسى التذكار ينفع / ناصر حسين

في عام 1960 واستغلالاً لانعزال الحكومة عن الشعب دخلت شركات النفط الاحتكارية في تفاوض مع الحكومة حول حصة العراق من مردود مبيعات النفط الخام العراقي وتصورها بان بامكانها ان تفرض عليها شروطها بحيث تكون النسبة التي سيتفق عليها لرفع حصة العراق في ادنى مستوى لها، واتفق على ذلك وتقرر ان يتم التصديق على الاتفاق مساء يوم ((عيد السلامة)) وهو الذكرى السنوية الاولى لمغادرة الزعيم للمستشفى بعد شفائه من الاصابة التي تعرض اليها في محاولة اغتياله التي وقعت في منطقة رأس القرية في شارع الرشيد اوائل الشهر العاشر من عام 1959 وكان على الحزب الشيوعي العراقي ان يتحرك بسرعة لحمل الزعيم على عدم التوقيع على الاتفاق، فتقرر تحويل المسيرة الحكومية التي قررتها الحكومة للاحتفاء بعيد السلامة الى تظاهرة جماهيرية كبرى وكان لي الشرف ان اكون احد خمسة عشر رفيقاً من منظمة الحزب في الرصافة مهمتها تحويل المسيرة الى تظاهرة جماهيرية تهتف بما نريده نحن وليس بما يريده الزعيم ومنظمي المسيرة زمرة الدجالين الذين كانوا يظهرون للزعيم عكس ماكانوا يضمرون.
في الوقت المحدد كنا قد وقفنا في المكان المحدد حيث انقسمنا الى صفين متقابلين تمر المواكب من بيننا.
وجاء اول موكب وكان موكباً مختاراً، كانت اهزوجتهم ((عاش الزعيم العربي عبدالكريم قاسم)) واستقبلناهم باهزوجتنا المقررة :
((مطلب شعبنه امن النفط سبعين بالمية))
((اومن راسمال الشركة عشرين بالمية))
((اوكل الاراضي للشعب مو للحرامية))
وصفق الجمهور معنا، وضاع هتافهم وسط هتافنا وتحول شارع الرشيد خلال اقل من نصف ساعة الى تظاهرة جماهيرية تمتد من ساحة التحرير حتى باب المعظم تهزج معنا باهزوجتنا نحن وليس بغيرها. ولم نغيرها الا عندما جاءنا موكب الجمعيات الفلاحية وهو يهزج اهزوجة خاصة بالزعيم حيث استقبلناهم بأهزوجة اتفقنا عليها بسرعة وكنا نعرف انها ستدغدغ عواطفهم وتتناغم مع مشاعرهم وتعبر عن مصالحهم:
((جمعيات فلاحية، لا اقطاع ولا رجعية))
تركوا اهزوجتهم واندمجوا معنا. وببالي ان احدهم حاول ان يعيدهم الى اهزوجتهم الخاصة فأجابه بعضهم بصوت واحد ما زلت اذكره تماماً ((وماذا تريد؟ الا تريد جمعيات فلاحية؟)) وبما ان ذلك الموكب كان اخر المواكب انسحبنا معهم من مكان تواجدنا متوجهين الى الباب المعظم، واذكر جيداً كيف اصابت الاجهزة الامنية الهستيريا فتجمع البعض من افرادها في الشارع المجاور لمقهى الزهاوي القريب من وزارة الدفاع واخذوا يطلقون النار بغزارة ولكن وللتاريخ اقول لم يستهدفونا باطلاقاتهم بل كان الرمي الى الاعلى. ولم ننسحب من الشارع الا بعد ان علمنا ان الزعيم قرر عدم التوقيع على الاتفاق وهذا ماتم فعلاً.
توجهت صحبة الرفيق عدنان العبيدي وزوجته السورية التي التحقت بنا في الباب المعظم الى دارهم في شارع الكفاح لتناول طعام الغداء لديهم من اكلة سورية اعدتها خصيصاً لنا. ولم يمر طويل وقت على تلك التظاهرة ورفع تلك الشعارات حتى اصدر الزعيم القانون رقم 80 الذي قرر فيه استرجاع كافة الاراضي العراقية التي لم يتم التنقيب فيها وكانت تبلغ 99,5في المائة من المساحة المتفق عليها في عقد الامتياز الاولي، ثم صدر فيما بعد قانون تأسيس شركة النفط الوطنية لتتولى مهمة التنقيب عن البترول الخام واستخراجه وتصديره ليكون ريعه مصدراً اساسياً من مصادر تشكيل الدخل الوطني.
وكان مثبت في الدستور المؤقت أن الكرد والعرب شركاء في الوطن ولكن انقلابيي شباط الاسود عام 1963 الذين كان بعضهم في شعبة الحركات في وزارة الدفاع استغلوا الحرب على الشعب الكردي في ايلول 1961 ليرسلوا خيرة الوحدات العسكرية والتي تمتاز بالاخلاص للشعب وللديمقراطية ولمبادئ ثورة تموز الى كردستان لتكون بعيدة عن العاصمة بغداد ليخلو لهم الجو لتوجيه ضربتهم لزعامة السلطة والاستيلاء عليها ولم تفلح تظاهرات الشعب التي كان يدعو اليها الحزب الشيوعي العراقي والتي تطالب بايقاف تلك الحرب بترداد الاهزوجة المعروفة (( ياشعب طفي النيران، السلم في كردستان )) لم تفلح في مسعاها الا اواخر عام 1962 وقد جاءت استجابة الزعيم لنداءات المتظاهرين تلك متأخرة جداً فقد كان العد العكسي لسقوط حكومة الزعيم قد بدأ ولا راد له.
اذكر هنا بكل هذا لمن يفكر بأنه يستطيع ان يبني دولة حديثة منيعة بالقمع والرصاص والهراوات والسجون وليس بإطلاق الحريات الديمقراطية للشعب واحترام ارادته واشراكه في رسم سياسة الدولة وتنفيذها.
واذكر ايضاً من يتعامل مع الامور بقصر نظر فيأخذه الجزع البرجوازي الصغير من الحراك الجماهيري المستديم فتسيطر عليه حالة من اليأس والاحباط نتيجة طول المدة فيتأثر بالدعايات المغرضة والتي تتعمد بث دعوات الاحباط واليأس بين الجمهور.
انني انصح هنا هذا البعض من المناضلين بالعودة الى مؤلف فردريك انجلز(( لودفيغ فورباخ، ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الالمانية )) ليروا كيف تعامل الشيوعيون الالمان خلال اربعينيات القرن التاسع عشر مع الحق الدستوري المكفول للشعب: حق الاقتراع العام واية نتائج باهرة كانوا يحققون.
وثقتي التامة بالنصر المؤزر لشعبنا العراقي منجب الابطال صانع الامجاد التاريخية.