المنبرالحر

ماذا نريد لتعليمنا؟ / د. صفاء سلمان

اساس تقدم الامم وتطورها هو التعليم، والتعليم في العراق معضلة لانه تعليم تلقيني اكثر منه تربوي وتمكيني، ومخرجاته وظيفية ادارية قبل ان تكون علمية ابداعية، لذلك سرعان ما يصبح خريج الجامعة موظفا في الدولة ومنقطع عن المجتمع.
التعليم بناء وليس ضخ كم كبير من المعلومات النظرية في اذهان الطلبة، لاعلاقة لها بالحياة وبفرص العمل. والمناهج الدراسية عندنا متخلفة تتنازعها مرجعيات سياسية وعقائدية وطائفية، وما زال التعليم ضحية السياسة. وقد كشفت الجلسة في البرلمان لوزير الدفاع مدى الفساد المستشري في جسم الدولة ومنها التعليم، من القلم والممحاة والمختبر والايفادات وطبع الكتب والتعيينات.
والسؤال المطروح: ماذا نريد لتعليمنا؟
• لا ينفصل التعليم عن سوق العمل لذلك يجب ان لا تغلب الطبيعة النظرية على مضمون التعليم العام.
• لا بد ان تتكامل فروع المعرفة وتلغى ظاهرة التشعيب المبكر، التي تجعل الطالب لا يدرك وحدة المعرفة. وضرورة ادخال التربية المعملية القائمة على اجراء التجارب وليس مجرد مشاهدتها، على الرغم من ان المختبرات للفيزياء والاحياء والكيمياء معدومة اساسا. فعلينا اعداد خريجين يتمتعون بالثقافة العامة العريضة ويتسلحون بمهارات التعليم ويستطيعون الاستمرار في التعلم وادراك العلاقات البينية بين فروع المعرفة المختلفة.
• اعادة النظر في جميع المناهج الدراسية وجعلها منسجمة مع التطورات الحادثة في مفاهيم ومهارات التعلم: التعلم الذاتي، مفهوم السلوك الاجتماعي، تغيير دور المعلم، مفهوم المعرفة التكنولوجية، الحاسوب كمادة اساسية للتعلم، ادارة الازمات، مهارات التعلم المستمر.
• لا بد من التحول من الجمود الى المرونة وتبني فكرة التطوير المستمر، لمواجهة التغير المستمر في معطيات الحياة، وتقبل الاختلاف.
• التركيز على الفروق الفردية بين الطلبة بما نقدمه من خبرات، والتخلي عن فكرة ان الطالب المتوسط هو النموذج الوحيد رغم تنوع القدرات وتنوع البيئات. لان تعليمنا الراهن يكتفي في التدريس والامتحان بتوافر 50 في المائة من المعرفة والمهارة، وهو شرط النجاح في الامتحان. وهذا غير صحيح لأننا كأننا نؤمن بانصاف المتعلمين، وهذا ما يرفضه ولا يقبله الفكر التربوي الحديث الذي هو سريع التغير والتعقد.
• التحول من ثقافة الاجترار الى ثقافة الابتكار، لان التعليم الآن يركز على المستويات المعرفية التي تتجاوز استرجاع المعرفة التي يأخذها الطالب بالحفظ الآلي او الحفظ الاصم، في التدريس والامتحان على حد سواء، ولا بد ان تكون التربية للابتكار والابداع في الصدارة لان محضر الاسترجاع هو اهم معوقات التنمية والتطور.
• لا بد ان نتحول سريعا من ثقافة التسليم الى ثقافة التقويم، وذلك لان التعليم الراهن يجعل ما يقدمه الكتاب المدرسي او ما يقدمه المعلم حقائق ثابتة.
• التحول من السلوك الاستجابي الى السلوك الايجابي، لان مؤسسات التعليم على مر العصور من التخلف، تتمثل في التواكل والاستسلام وضعف ارادة التغيير والنظرة المتخلفة في تفسير الظواهر والاحداث وخدمة الانظمة السياسية. نحن الآن بحاجة الى سلوك ايجابي، حيث يكون المعلم ايجابيا وفعالا ونشطا مشاركا في كل نواحي الحياة.
• التحول من الاعتماد على الآخر الى الاعتماد على الذات، وذلك بعدم الاعتماد على الكتاب فقط. لذلك لا بد من اعداد معلم ميسر للمعرفة، يساعد على امتلاك مفاتيح المعرفة ومهارات الحصول عليها، ويدرب على التعلم الذاتي والتقدم الذاتي الذي يدفع المتعلم الى المزيد من المعرفة والتعلم مدى الحياة.
• التحول من التعلم المحدود الى التعلم مدى الحياة، لانه احد مفاتيح القرن الحالي. ولا بد من التدريب المستمر واعادة التدريب وتحديث المعلومات، استجابة لحاجة الحياة ومطالب المجتمع المتقدم المتمدن وسوق العمل المتغير دائماً.
• التحول من ثقافة القهر الحالية الى ثقافة المشاركة، ونبذ الفكر الواحد وموقف عدم تقبل الرأي الآخر، ورفض التعليم للامتحانات وليس للحياة، والتوجه نحو الديمقراطية حقاً، وتطبيق حقوق الانسان وحقه في العيش الرغيد والتعليم المجاني والاخذ بالمبادرة والابداع والحرية الفردية. كل هذه الامور يجب ان تدخل مناهجنا الدراسية تدريساً وانشطة وتقويماً وتوجيهاً من اجل انسان جديد.
• التركيز على مهارات التفكير الناقد، اي تنمية مهارات التفكير الناقد وتدريسها كمهارات عامة يجب تعليمها في المؤسسات التعليمية، لان مدارسنا الحالية لا تعلم التفكير بل تعلم التلقين والحفظ والاستذكار والاسترجاع والدرخ. كذلك لا تعلم مدارسنا الطلبة كيف يستخدمون عقولهم خاصة مع دخول التقنيات الحديثة والاستراتيجيات الحديثة.
• تعليم الطلبة عمليات البحث في الظواهر، وتزويدهم بمهارات الاستقصاء العلمي وابداء التساؤل والبحث والاستطلاع. ولا بد ان يحول المعلم او المدرس المادة الدراسية الى مشكلات متدرجة، حيث ان المهم هنا هو التفكير الاستقصائي والحصول على المزيد من المعلومات، ثم مرحلة التفسير حيث يقدم الطلبة تفسيرات علمية للظواهر في موضوع البحث.
هذه جملة من الامور التي نريدها لتعليمنا في المدارس، لا ان تكون مدارسنا مجرد دخول الطالب اليها للتحصيل من اجل الحصول على الشهادة الورقية، ثم الوظيفة.