المنبرالحر

قانون الانتخابات بين المهام والواجبات / نائل الزامل

تعد قوانين الانتخابات العصب الرئيسي للعملية الديمقراطية برمتها. فالقانون هنا لا يضبط آلية الممارسة الانتخابية وطبيعة العملية وسلوك المرشحين والقوائم والكتل فحسب، بل انه الضامن الرئيسي للتعددية داخل قبة البرلمان ومجالس المحافظات، ولتوفير الفرص امام المكونات والكتل الصغيرة للمشاركة في الانتخابات. وبدون هذه الفرص سيقيم عزلا اجتماعياً/سياسياً بين المكونات والقوى الصغيرة من جهة وبين الكتل المتنفذة. لذا يجب ان تكون هنالك معايير ومفاهيم تخدم بناء الدولة وقوتها ونظامها السياسي, بعيدا عن الافق الضيق لمصالح الكتل السياسية الكبيرة, التي تركز على محاولة المحافظة على مكتسباتها بشتى الطرق والاساليب.
لكن اخطرها على مستقبل الدولة ونظامها السياسي هو وضع قانون انتخابات يخدم بقاءها في هرم السلطة, ويستبعد او يقطع الطريق امام القوى الصغيرة, فيتحول نظام الدولة من الديمقراطية المعتمدة على الشفافية وتكافؤ الفرص, الى مفهوم خطير آخر هو (الدولة العميقة). ان هناك مجموعة من الكتل السياسية المتنفذة تصوغ قانون انتخابات على وفق مصالحها الضيقة لتضمن بقاءها بذات النفوذ في كل عملية انتخابية. ثم تسعى لاعتماد المحاصصة في ما بينها في تشكيل الحكومة والهيئات المستقلة, تحت مسميات مغرية في اللفظ مثل (الديمقراطية التوافقية) او (التوازن الوطني). وبهذا يفرغ البرلمان من المعارضة الحقيقية ويشوه نظام الدولة, فتتحول الى دكتاتورية الكتل الكبرى ومصالحها الضيقة بدلا من دولة ديمقراطية تكفل الحقوق الواردة في الدستور.
ان ما حدث في قوانين الانتخابات في العراق قبل عام 2013 هو تكريس لمفاهيم الاستحواذ السياسي من خلال العمل بالقاسم الانتخابي, ((وهو عدد الاصوات اللازمة للحصول على مقعد في الدائرة الانتخابية, ويتم التوصل اليه بقسمة الاعداد الصحيحة في الدائرة الانتخابية على عدد المقاعد المخصصة لتلك الدائرة)). فهذا القاسم يستهين بقيمة صوت الناخب ومشاركته ويصادرهما. على سبيل المثال لو شاركت 200 قائمة انتخابية في دائرة انتخابية تتكون من 50 مقعدا وكان القاسم الانتخابي 10001 عشرة آلاف وواحد, وحصدت القوائم عشرة آلاف صوت فقط و قائمة واحدة حصدت عشرة آلاف وواحد, فان هذه القائمة الوحيدة ستحصل على الـ50 مقعدا. وهذه احدى اكبر الكوارث في القانون السابق. في البصرة حصلت كتلة على تسعة مقاعد لكن وفق القاسم الانتخابي منحت 21 مقعدا بعد تدوير اصوات القوائم التي شاركت ولم تصل الى القاسم الانتخابي. وهذا سبب عزوفا عن الترشيح في الكيانات الصغيرة مما جعل نبض الديمقراطية في العملية الانتخابية ضعيفا جدا. وهو ما جعل التغيير الطبيعي وتداول السلطة في التجربة الديمقراطية اشبه بالمستحيل, كما انه يعطينا تفسيرا منطقيا لبقاء حزب واحد في هرم السلطة وتكرار الوجوه ذاتها في المناصب العليا, منذ بدء العملية الانتخابية حتى اليوم, رغم مؤشرات الفشل على اداء الحكومات التنفيذية المتعاقبة.
ولنضرب مثالا آخر في فشل القاسم الانتخابي. فاذا كانت هنالك قوائم مشاركة كثيرة وكانت مشاركة المواطنين في التصويت كبيرة ايضا وحدث تشتت في الاصوات, ولم تصل اي قائمة الى القاسم الانتخابي, فكيف سيكون الحل؟ هذا ما لم يفكر به مشرع القانون كونه وضع القاسم الانتخابي من اجل مصلحة الكتل الكبرى ولاستبعاد القوى الصغيرة وحرمانها من امكانية التطور والنمو الطبيعي في مراحل المشاركة السياسية وتلبية متطلبات الجمهور. وهذا يؤدي ايضا الى عزوف كثير من المواطنين عن المشاركة في الانتخابات, ويسبب تراجعا كبيرا في عدد القوائم الانتخابية المشاركة.
لم توقف هذا الظلم والحيف في القانون الانتخابي, التظاهرات التي خرجت ضده, ولا الكتابات في الصحف ولا المواقف الاحتجاجية. بل ان عدداً من الاشخاص في البصرة قدموا شكوى الى المحكمة الاتحادية ضد القانون والمخالفة الدستورية الحاصلة فيه, وفي سرقة اصوات الناخبين, فجاء رد المحكمة الاتحادية متأخرا جدا اي بعد اجراء الانتخابات واعلان نتائجها.
وكان القراركما يلي:
"2\10\2012 يعتبر نص المـادة (13/خامساً) من قانـون انتـخابات مجالس المحافظات رقم (26) لسنة 2008 غير دستوري لانه أدى الى تحويل أصوات الناخـبين الى مـن لـم ينتخبوه بإرادتهم". كما نص على انه لا يطبق باثر رجعي, وهو خلاف لما حدث في مصر حين قام مجلس القضاء الاعلى بحل البرلمان لعدم دستورية قانون الانتخابات.
هذا يعني ان الهيئات المستقلة والمدعي العام لم يأخذوا دور المبادرة لحماية الدستور العراقي, رغم كل الضجة التي اثيرت في حينها, وهذا مؤشر خطير اي انه ليست هنالك هيئة في الدولة العراقية مستقلة كانت ام حكومية ام رقابية ام قضائية، تحمي الدستور من الاختراق, وتحمي حقوق المواطن فيه. وهو ما جعل دورتين انتخابيتين برلمانية ومثلها في مجالس المحافظات تتمخضان عن تشكيل حكومتين مركزية ومحلية, جاءت جميعا بقانون انتخابي يتعارض مع الدستور العراقي دون ان يتحركوا لحماية حق المواطن في الانتخابات.
قانون سانت ليغو
تم التوجه بعد ذلك الى قانون سانت ليغو في انتخابات مجالس المحافظات, وهو قانون وضع عام 1910 وطبق في الخمسينيات في بعض الدول الاوربية. ويشير القانون الى تقسيم ما تحصل عليه القوائم الانتخابية على الاعداد الفردية (1, 3, 5...) وتؤخذ اعلى الارقام بما يعادل عدد المقاعد في الدائرة الانتخابية, وتستخرج حصة القوائم الفائزة, وتمنح للمرشح الاعلى اصواتا.
تميز هذا القانون بانه فتح بابا امام الكتل الصغيرة لتاخذ استحقاقها الانتخابي خاصة في مجالس المحافظات حيث كثرت القوائم الحاصلة على مقعد واحد وشكلوا تنوعا مختلفا عن شكل المجالس السابقة.
ثم عادت الكتل الكبرى بعد ملاحظتها التأثير الجديد للكتل الصغيرة في القسمة على الرقم واحد لمحاولة استبعادها فقدمت قانون سانت ليغو المعدل باستبدال الرقم الاول (1) بالرقم (1.6) ولم يكن يوجد اي مبرر دستوري او منطقي او قانوني لهذا التعديل سوى ان الكتل الكبرى تسعى الى اعادة الاستحواذ على المجالس المنتخبة واستبعاد الكتل الصغيرة من المشاركة، ما يعني اضاعة جديدة لأصوات الناخبين وهدراً لفاعلية القوى التصويتية. ولو علمنا ان هذا التعديل حرم مرشحين من الوصول الى قبة البرلمان, فانه يمثل مخالفة دستورية بحرمانه ناخبين من اختيار مرشحهم واضاعة اصواتهم, بسبب تعديل على قانون حسابي عالمي لمصالح كتل معينة. فضلا عن ان هذا التعديل يتعارض مع المادة الثانية الفقرات اولا وثانيا وثالثا ورابعا..
وتعديل قادم
يدور الحديث حول تعديل قادم في قانون سانت ليغو في الرقم واحد ليستبدل بالرقم (1.9), بذريعة ان كثرة المقاعد في الكتل الصغيرة سيصعّب تشكيل الحكومة التوافقية. وهذه ذريعة مرفوضة اذ ليس من الصحيح ان نحرم هذه الكتل وجماهيرها من الوصول الى البرلمان ومن حقها في النمو الطبيعي والتطور. وتعد هذه الذريعة اقصاءً واضحاً من اجل الابقاء على هيمنة الكتل السياسية الكبرى. وحين نعود الى جذر هذه المشكلة لا نجده في الدستور بل في تفسير المحكمة الاتحادية لمفهوم الكتلة الاكبر التي تشكل الحكومة. حيث عرفت الكتلة الاكبر بانها الكتلة التي حصدت اعلى اصوات في الانتخابات او الكتلة التي شكلت اكبر تحالف قبل انطلاق الجلسة الاولى. وهذا التعريف افقد الانتخابات قيمتها سواء على صعيد الاغلبية التي ستجر الى تحالفات واسعة مع الكتل في البرلمان, او على صعيد قيمة البرنامج الانتخابي الذي صوت عليه المواطن. ومن ثم اصبح تشكيل الحكومة يخضع للصفقات السياسية بين الكتل الكبرى وليس لإرادة الناخب العراقي, لذا نجدهم يتلاعبون بالقانون الانتخابي لصالح الابقاء على ذات الكتل المتحالفة, وغلق الباب في وجه الكتل الصغيرة.
الدائرة الواحدة والدوائر الانتخابية
تطرح كمقترحات في قانون الانتخابات القادم ثلاث مقترحات لكل منها ايجابياتها وسلبياتها.
العراق دائرة انتخابية واحدة
وتتبنى هذا الطرح القوى ذات التمثيل الوطني، اي ان جمهورها منتشر على كافة مناطق العراق, فضلا عن الاحزاب المسجلة حديثا وفق قانون الاحزاب والتي تسعى للمساهمة الفاعلة في العملية السياسية. وهذا المقترح لا يصلح الا في انتخابات مجلس النواب.
ايجابياته:
• يقلص حجم الاصوات المهدورة في الاعداد الكسرية التي تضيع في تعدد الدوائر.
• يخلق خطابا سياسيا وطنيا موحدا بعيدا عن المناطقية الضيقة.
• يمنح فرصة اكبر للتعددية والتنوع في قبة البرلمان.
• يقدم برامج انتخابية وطنية على صعيد سن القوانين وتفعيل الحقوق الدستورية.
سلبياته:
• يشجع على المشاركة وفق الهوية الاثنية بعيدا عن البرامج الانتخابية.
• يكرس هيمنة الفرد إذ يمنح عددا هائلا من الاصوات لشخص واحد, فتتحول القائمة الى قائمة فرد يصعد معه عدد من النواب الذين لم يمنحوا اصواتا ضمن القائمة.
• لا يحفظ التمثيل المتساوي للمحافظات في قوائم المرشحين، كما انه يضعف التحالفات الانتخابية.
• في ظل اوضاع امنية متردية يؤثر ضعف المشاركة لمكون معين او منطقة معينة على خيار الناخبين.
الدوائر الانتخابية الصغيرة
يتم بموجبها تقسيم المناطق السكنية حسب عدد السكان وفقا لقاعدة: لكل 100الف نسمة ممثل في مجلس النواب, ولكل محافظة 25 مقعدا في مجلس المحافظة, ثم يضاف لكل 200الف مواطن مقعد واحد. ويطالب بهذا الخيار بعض الناشطين المدنيين وشيوخ العشائر, فضلا عن الشخصيات الاجتماعية والتجارية التي تعتقد انها تستطيع ان تستثمر نفوذها في منطقة صغيرة.
ايجابياته:
• يضمن تمثيلا لكافة المناطق دون استثناء
• يكون النائب قريبا من ناخبيه ويعرفونه بشكل جيد, مما يجبره على اداء واجباته.
• يضعف هيمنة الخطابات الاثنية اذ غالبا ما يكون التنافس بين مرشحين من جذور اجتماعية متقاربة.
• يضعف الهيمنة ويفتت تكريس شخصية البطل وينمي دور الشخصيات الفاعلة.
سلبياته:
• يسهل عملية الرشوة الانتخابية.
• يكون انتخاب المرشح وفقا لشخصه وليس لبرنامجه الانتخابي.
• يشتت اصوات الكتل والقوائم الصغيرة التي تنتشر اصواتها على عموم المحافظة.
• يكرس الوساطة والقرابة كمفهوم اجتماعي فضلا عن دعم العشائرية في القرى والنواحي. وتعمل المحسوبية والمنسوبية بأعلى مستوياتها.
مقترح للمزاوجة بين الدائرة الواحدة وتعدد الدوائر في انتخابات مجلس النواب
يقوم هذا المقترح على وجود قائمة واحدة يستطيع الكيان السياسي ان يرشح بها في كل العراق, لكن عليه ان يفصل بين مرشحي كل محافظة, اي ان تنزل اسماء محددة في كل محافظة, ويتم التنافس في داخل المحافظة, وتجمع اصوات القائمة في كل المحافظات التي لم تحصل على مقعد او التي فاضت بعد الحصول على مقاعد, وتحسب للقائمة وتمنح لمن هم اعلى اصواتا في القائمة من المحافظات جميعا التي شارك بها الكيان.
وهنالك خياران في كيفية احتساب هذه الاصوات للحصول على مقعد:
اولا: يحسب عدد الاصوات بحسب قيمة المقعد في المحافظة التي فيها المرشح الاعلى اصواتا, وفي حال ان هذا المرشح لم يحصل على العدد المطلوب في محافظته, يتم استبداله بمرشح جاء بالمرتبة الثانية في عدد الاصوات ومن محافظة اخرى، على ان يحصل على قيمة المقعد في محافظته. وهكذا
ثانيا: تحسب الاصوات التي جمعت من كل المحافظات باعلى الاصوات التي احتاجها اعلى مقعد في المحافظات غير المرتبطة باقليم, ثم تمنح للمرشح الاعلى اصواتا في قوائم المحافظات.
من خلال هذه المزاوجة نحقق احتراما لصوت الناخب وللبرنامج الانتخابي, فضلا عن كسب مشاركة كبيرة في الانتخابات سيما من جانب المواطنين الذين يشعرون بان توجهاتهم او ممثليهم لا يستطيعون الفوز ويعزفون عن الادلاء باصواتهم.