المنبرالحر

مؤتمرنا العاشر/ ياسين النصير

بشيء من العاطفة المبدئية أقول مؤتمر”نا” العاشر، وكل كتابة تخلو من “نا” الجماعة يمكنها أن تكون حيادية، وهو امر مهم ومطلوب إذا شعر المرء أنه خارج وعي الجماعة المعنية بتطوير العراق. هذا من جهة، ومن جهة أخرى شعرنا نحن العراقيين منذ أن بدأ الحزب وجودا، قائما في مجتمع متعدد القوميات والطبقات، أنه ينطق بالمطلق العراقي تحديدا لنموذج في بلدان متغيرة وغير مستقرة، لذلك تكون طروحاته معتمدة على أساسين: نظري أشبه ما يكون بالثوابت الفكرية وهي الماركسية في حركيتها التاريخية الجدلية، وعملي هو التصور للكيفية التي يعمل بها الحزب مرحليا ضمن ضوابط وشروط موضوعية يمكن تعميقها والغاء ما لا يتطور منها للمرحلة المقبلة، بمعنى ثمة حركية ممنهجة للتغيير من خلال العمل.
قراءة البرنامج وحدها لا تكفي لوضع تصور دقيق للتشخيص المنهجي لما يمر العراق به من مشكلات، هذه المشكلات، ما كانت موجودة في مرحلة سابقة، ولا في مراحل قديمة، ولكن كانت رؤية الحزب للعراق ليست رؤية لحجم المشكلات، إنَّما رؤية للطريقة التي تبرز فيها في مرحلة ما ؛ قوى اجتماعية لها تصورات مختلفة عن القوى الاجتماعية السابقة، ولذلك ثمة مشكلات جديدة وكأنها ولدت من رحم هذه المرحلة، في حين أنها كانت نوى في فكر وممارسات المراحل السابقة، وهذا يعني أن تراكم المشكلات ليس سببه المشكلات التي لا تحل، إنَّما وجود فئات اجتماعية لا تختلف في تفكيرها عن الفئات الإجتماعية الاسبق منها إلا بدرجات قليلة، ومعظم هذه الدرجات، تكون مع الأسف متخلفة وإلى الوراء، بالرغم من أن البلد يتقدم، والعالم يتقدم، والتعليم يتقدم، والعقل العراقي يتقدم، وكأن ثمة قدرة إلاهية، طبيعية تتحكم بالقيادات كي تبقى تدور في حلقات القوميات والأديان والطوائف والعشائر دون احتساب المسافة التي قطعها العالم في تغيير مثل هذه الأفكار والممارسات.
من هنا أعود إلى ضمير المتكلمين ”نا” واشعر أن المسؤول عن تطور هذه البلاد هو الحزب الشيوعي العراقي، بالطبع لا انفي مثل هذه المهمة عن الكثير من الشخصيات الوطنية والفئات الاجتماعية المهتمة بشؤون التغيير، ولكن كحزب شيوعي ،تقع عليه مسؤولية تاريخية في تنوير وتثقيف ليس أعضائه وكوادره واصدقائه فحسب إنما الشعب العراقي عامة. ومن هذه النقطة، لم اجد فقرة تعني بمثل هذه الثقافة الاجتماعية العامة، وهي مسؤولية ليست هينة ولا هي مرحلية، إنَّما هي من صلب النضال الوطني، فالثقافة في مرحلة ما يمكنها أن تعوض عن ضمور وتشتت الطبقات الاجتماعية الأخرى، خاصة العمال عندما يقعون تحت تأثير قوى دينية واجتماعية مالية ووجاهية، فالوعي ليس دائمًا بمستوى المسؤولية الوطنية العليا.
مهمة الأحزاب الشيوعية ومن ضمنها الحزب الشيوعي العراقي مركبة، وليست أحادية أو مقننة بوجهة نظر لا تتحرك، كنت قد ارسلت رسالة سابقة إلى الحزب بينت فيها ضرورة عقد لقاء للأحزاب الشيوعية العربية في الاقل لدراسة ظاهرة الفئات التكفيرية مثل القاعدة وداعش وغيرها، وهي ظاهرة اجتماعية نشأت ضمن منطق البنى الاجتماعية والدينية والثقافية المختلفة، ولذا فهي لم تنزل من السماء دون أرضية. هذه الظاهرة وحدها تؤشر إلى كيفية معالجة بقية القضايا، وان تكون المعالجة عمودية وليست أفقية، فالسطح الاجتماعي العام تظهر عليه كل القوى والافكار، ولكن على شكل اعمال مباشرة، تتطلب معالجتها آنيا، في حين أن هذه الأفكار والقوى هي من نتاج القوى الاجتماعية التي بنت علاقتها وافكارها على تأسيسات لا تظهر على سطح الحياة الاجتماعية، إنها هناك، في العمق الفكري والتكويني لثقافة إلغاء الآخر، هنا، ومن هذه الرؤية، لا يمكن معالجة ما يظهر على السطح ونكتفي بها فقط، إنما دراسة الاساس التكويني والمنهجي لظاهرة الإرهاب. الأمر نفسه عندما ننظر إلى التشوه الاقتصادي الذي ينتشر ممارسة واقتصادا في مجتمعنا، وترك الطفيليات الاجتماعية محمية من قبل أحزاب سياسية وفكرية بمنحها حرية الممارسة، وقد ادت الأمور إلى افلاس البلاد وتعطيل نموها وقدراتها، الأمر الذي يتطلب دراسة جذور الفساد وليست مظاهره الفردية المعلنة على السطح، وهي ظاهرة متأصلة في الافكار القومية والدينية والطائفية خاصة اذا اصابها حيف تاريخي ومظلومية وحروب. دون أغفال دور بعض دول الجوار في تنظيم سياسة الفساد وبنية الاقتصاد المشوه، الرؤية العمودية لمعالجة ظواهر الفساد بكل مستوياتها هو ما نحتاجه فكريا وعمليا كي يبرز كخط منهجي في المؤتمر العاشر، ولا نكتفي بعرض المشكلات وحلول سطحها الظاهري.
اشياء منطقية كثيرة شخصتها وثيقة المؤتمر المقترحة، منها ما يخص القضية الكردية، اقليما وممارسة، فالحزب الشيوعي عرّاب هذه الظاهرة وسادنها التاريخي، ولذلك لا يقف منها إلا كظاهرة جمعية وليست فئوية ومناطقية وحزبية، قضية الشعب الكردي اكبر من طروحات الاحزاب الكردية، لأنها قضية شعب وليست قضية قبيلة واقطاع وتاريخ جزئي، ومن هنا تظهر ضرورة النظرة المنهجية العميقة للعلاقة بين المركز والاقليم، مع مراعاة التبدلات لدى قوى الاقليم وقوى المركز وتبعا للتغييرات الدراماتيكية التي فرضتها ظروف العراق بدخول داعش والقوى العالمية والخليجية، تصبح القضية الكردية واحدة من القضايا الاساسية، ولكنها تتعمق بالإهمال والصمت، ان رؤية الحزب رؤية جمعية وليست رؤية فئوية او مناطقية، رؤية تخص العراق كله، وليست رؤية تخص أحزابا أو قومية بمعزل عن الأرضية المشتركة، وهذا ما يفرض على الاخوة الكرد فهم آلية تشكل الوعي الجمعي إزاء قضية معقدة مثل القضية الكردية تاريخيا وممارساتيا.
القضية الكردية إذا نوقشت علانية من قبل الحزب تفرغ من كونها قضية خاصة بالأكراد. مهمة اشاعة أي موضوع هو تجريدة من خصوصياته المتعلقة بهوية معينة، الفكرة الكردية، فكرة أتت مع تاريخ الشعب وشربت دماءه وامواله ورجاله، لذا فهي ليست قضية كردية بحتة، إنَّما هي قضية أشمل وأكثر سعة، ولأنها قضية معلنة، تكون مناقشتها شعبيا وفي برنامج دقيق، مما يعني امكانية مناقشة كل القضايا العراقية الأخرى، كالطائفية والمحاصصة والفساد والحزبية الدينية ودور دول الجوار وغيرها، لأن مشكلات العراق لا تعالج في دوائر ضيقة. على الحزب ان يُخرجها من دوائرها الضيقة التي تتحكم بالآراء وتحكم هي توجهاتها وكأن الشعب لا شأن له، يحتم الموقف على الحزب ان يشيع الحوار حول كل القضايا المختلف عليها، حتى لو كانت بحدود الآراء في الجريدة. إن أهمية شيوع ظاهرة الحوار ضرورية لتقريب مفهوم الحزب إلى قواعد شعبية أوسع، وكلنا يتذكر كيف كانت ممارسات الحزب بعد ثورة تموز 1958،وبعد الاتفاق على الجبهة الوطنية في بداية السبعينات، حيت اتسعت قواعد الحزب، وكان ثمة وضع نشأ بعد عام 2003، حيث تجمعت فئات اجتماعية كثيرة حول الحزب، لكن الحزب أدار ظهره إليها، مما سهل على القوى الدينية ان تمارس دورا في الهيمنة على هؤلاء بما فيها الاصدقاء التاريخيون للحزب الشيوعي مثل الفئات الديمقراطية والوطنية، وسيكون من نتائج هذه الممارسة أن يعمم أن الحزب ليس نظرية مرحلية طافية وفوقية ومحكومة بالضد من الدين والفكر والثقافة الأخرى، إنَّما هو كيان معرفي عراقي مسؤول عن القضايا كلها وله وجهات نظر متفقة ومختلفة، أن ملايين العراقيين لم يعرفوا افكار الحزب الشيوعي الميدانية، جلهم يكتفي بمعرفة اسمه وتاريخه، وشهدائه، فالممارسة أكثر غنى من الثقافة الورقية والنظرية.
في الوثيقة اراء وأفكار كثيرة، ما أردت قوله بايجاز، هو انها طرحت هكذا، ورقة خالية من مشروع تنفيذي لدراستها، وتركت عارية امام الأخرين ليبدوا آراءهم فيها، هذه طريقة تقليدية وغير ناجحة، فلنتصور لو لم يبد احد ما رأيه ماذا ستكون النتيجة؟ للطرح والمتابعة طرق ممنهجة فلسفيا، في ابسط حالاتها أن يكون ثمة تأسيس منهجي لدراسة فقرات البرنامج عبر مندوبين متخصصين لطرحها في ندوات تسعى الجهة الحزبية المعنية إلى مناقشتها واستجلاب الآراء لها، هنا في العراق، بكل مناطقة ومحافظاته، وهناك في بلدان الجاليات العراقية. ما يجعل آراء الحزب مشاعة وتستجلب آراء الشعب و طرحها بطرق علنية ومشاعة وبطريقة المشاركات الجماعية وندوات مناطقية وفي المحافظات ولمدة كافية لجمع الآراء لما يدور حولها، دون أن يفقد الحزب الفكري العمود الفقري لفكره، أن الطريقة التي نباشر بها آراءنا للآخرين تغيرت جملة وتفصيلا بفعل آليات الاتصال الحديثة واشاعة طرق الميديا، ولا تقتصر المهمات على طرح البرنامج في الجريدة فقط، وحتى لو افترضنا ان مشتري الجريدة خمسة آلاف فهذا العدد لا يناقش كله ثم ليسو كلهم منتمين، ما يجعل البرنامج شعبيا هو اعلانيته الشعبية وسعة الحوار وتعدد مندوبين مختصين وصرف وقت كاف لإشاعة الحوار الديمقراطي ممارسة وتوجها بين عموم فئات الشعب، والنتائج المستخلصة تخضع للتصفية والتدقيق واخد ما يفيد منها ، وحتى الذي لا يفيد لا يهمل، لأنه رأي ربما فيه ما هو مخفي كنص معلن للقراءة.
ما اردت قوله هو شيء غير مفيد لمن لا يقرأ آلية تشكل الوعي الجمعي للعراقيين وهم يتغيرون ويتغيرون، بينما تبقى طروحات الحزب على عظمة دقتها وتشخيصاتها ليست شعبية وبعيدة عن فهم العامة، لذا اقترح للمستقبل أن تكون ثمة وثيقتان للمناقشة: واحدة علمية تعالج الموضوعات بطرق علمية وفلسفية دقيقة وفقا للمنطق الماركسي، وواحدة شعبية فيها ما يجعل الأكثرية مشاركة في الرأي.
لحزبنا المناضل كل المجد، ولشهدائه كل الألق التاريخي، وللقائمين على المؤتمر كل النجاح والتوفيق، وللمندوبين كل التمني باختيار الصواب. و دائما وطن حر وشعب سعيد.