- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأربعاء, 21 أيلول/سبتمبر 2016 18:49

بمزيد من الاهتمام طالعت محتويات هذه الوثيقة الاولية المصطلح على تسميتها: مسودة الموضوعات السياسية المقدمة الى المؤتمر العاشر. وأبهجني اول ما أبهجني من حيث المبدأ انها مطروحة على الرأي العام وهذا بحد ذاته دليل عافية وهو امر ليس بالمدهش وحسب، بل انها لا شك تمثل كوة ضوء في قبو مظلم. وهذا وان كان مبهجاً ويذكرنا بان الحزب الشيوعي ما زال وفيا لقيمه وايمانه الذي لا ينضب بقدرات وارادة هذا الشعب الا ان المأزق الكارثي الذي يكبل هذا الشعب الصامد يحتاج الى ما هو ابعد من القاء الضوء، لأن الوقوف على الحقيقة وتوصيفها توصيفاً دقيقاً امر مطلوب لكنه ليس دائما امرا كافياً، واحياناً قد لا يكون هو المجدي، ومعرفة حقيقة قد لا ينفي ما عداها. كما ان الحقيقة المطلوب الوقوف عليها فيما نحن فيه هي الحقيقة المفيدة، اي التي تتم من خلالها معرفة الطريق المفضي الى الحل الممكن ونستطيع ان نصفها بذلك القطار الموصل الى محطة الهدف وليس كل قطارات الارصفة هي دائما كذلك ان الوصف التقويمي للازمة البنيوية التي تطحن ببلادنا المفتوحة على الاحتمالات كافة (الفقرة 3) حقيقة مطلوبة لانها تشخص ما هو حاصل شأنها شأن الكشف المستعجل الذي يقرر واقع الحال كما هو بدقة وهذا حسن انما المطلوب وبإلحاح الآن من اين نبدأ؟ نبدأ لا بالنتائج التي نحن فيها الآن والتي اشارت اليها المسودة وشخصت مواطن الخلل وفي أكثر من مكان وبلفتات نبيهة وواعية، ام ان الامر يشير الى ان هناك زراً قد زر خطأ اولاً فجاءت جميع الازرة اللاحقة في غير مكانها الصحيح فحصل كل هذا الذي هو حاصل الآن ومنذ عام 2003، ونبدأ من حيث زر الزرار الخطأ فينصب النضال السلمي المجدي على التركيز على الزرار الاول كي يصح الصحيح وعلى التوالي.
بصراحة اكثر ان الذي حصل عام 2003 ليس فقط اسقاط النظام المتهرء انما اسقاط الدولة العراقية وما لم تتم اعادة بناء الدولة على اسس دستورية صحيحة وسليمة يكون الخلاص مما نحن فيه ضرب من ضروب التمني المشروع على افضل التقديرات، لاننا اذا كانت تجارب السنوات الماضية وهي ليست بالقصيرة لا تكفي لكي نكتشف اننا في القطار الخطأ، وكل لحظة تمر علينا والقطار يسير بنا عكس الاتجاه نبتعد فيها عن الهدف لا محالة فإننا طال الزمن ام قصر في قادم الأيام سنكتشف في النهاية اننا كمن يطارد خياله؛ لان سقوط الدولة ليست بفعل الغزو وتهديم البنية المادية، بل بالفعل الممنهج وصور من صورة نص المادة (3) من دستور 2005، فالخلاص من المحاصصة الطائفية والاثنية والتوجه نحو بناء الدولة المدنية والديمقراطية (الفقرة 61). امر غير ممكن والمادة المذكورة تنص صراحة (العراق بلد متعدد القوميات والاديان). اي مكونات وليس كيان وان الفقرة الاخيرة من ديباجة الدستور تقول: (ان الالتزام بهذا الدستور يحفظ للعراق اتحاده الحر شعباً وارضاً ودستورا). فلا ذكر للمواطن ابداً انما الحديث يجري عن مكونات حسب المادة (3). وحسب الديباجة الدستور هو صانع هذا الخليط غير المتجانس وهو الحافظ لهذا التجمع الهجين وليست الدولة اذ لا وجود للدولة، واذا كان الامر الطبيعي ان الامم الناهضة هي من تصنع دساتيرها الا في العراق ان الدستور هو الصانع لهذا الكيان الهلامي فما لم يتم التأكيد على اعادة الصياغة والتركيز على ان (العراق كيان وطني وليس مكونات.. والمكونات شأنها شأن اعضاء الجسم الانساني الحي فمهما علا شأنها وتسامى مقامها فهي مثل القلب والكليتين والرئتين و.. الخ لا قيمة لها دون وجود الجلد والجلد هنا هو الوطن فان تمزق تبعثرت كل هذه الاعضاء شذر مذر). والوطن يعني المواطن اولا وليس المكون بمعنى آخر – نريدها دولة عراقية ترعى الطوائف والمكونات لا دولة تحكمها الطوائف والمكونات، دولة مؤسسات لا سلطات متحاصصة كما هو الآن حاصل: الغاء دور المواطن ليحل بديلاً عنه المكون- هذا عملياً معناه (سقوط الدولة) لان الدولة التي يسقط ركن من اركانها وهو الشعب دولة باطلة، والباطل باطل وهذا ايضا ما نعنيه بقولنا ان لا اصلاح بدون دولة ولا خلاص من المحاصصة بوجود دولة يلحقها البطلان ولا امل بالقضاء على الفساد ومحاسبة الفاسدين مع وجود سلطة المكونات وامامك عافاك الله وانظر لما هو حاصل، فشعار ارباب المكونات (حكلي وحكلك)، وان مظلة الكيان توفر بحد ذاتها معامل الامان لكل فاسد وفاسدة وتعطيل القانون سمة هذا الزمان وفلسفة الفساد محمية بقانون التوازن السلبي لانه ليس كتوازن الرعب بل هو توازن الصمت المتبادل عند فرسان الكيانات والتلويح بالملفات ما هو الا نمط من انماط الرسائل المشفرة التي مفادها (اسكت عني واسكت عنك)، اما الحالمين بالديمقراطية في ظل سطوة الكيانات فعليهم ان ينتظروا كثيرا واكثر مما هو متوقع.
اما لماذا؟ فبعض الجواب نجده في الفقرتين (108 و 109) وفي ما هو كامن في ترسيخ مفهوم الكيانات عوضا عن ارادة الجماهير صاحبة المصلحة في الديمقراطية وفي التغيير وبما ان الشعب في حومة المحاصصات تقلص دوره باعتباره مصدر السلطات حتى اختزل تماما بجعله لا يختلف عن دور ذكور النحل في الخلية لا يتعدى تلقيح الملكة، وما ان تتم عملية التلقيح حتى يصبح شعب الذكور فائضا عن الحاجة، كذلك على ارض الواقع تنتهي مهمة الشعب الناخب بانتهاء تلقيح ملوك الطوائف والمكونات في ذلك اليوم الذي اصطلحوا على تسميته بالعرس الانتخابي على حد وصفهم فيصبح الشعب الناخب برمته (فائضا عن الحاجة) عدا جوقة المكون لان من الظلم القول بانهم المكون او انهم الممثلون الشرعيون عن المكون والقول انهم منتخبون في انتخابات نزيهة وحرة فان صحت مقولتهم بنزاهة الانتخابات الحرة، لان النزيه يعني تلك الانتخابات التي لم تشبها شائبة التزوير، اما الحرة فلا وجود لها بوجود سطوة جوقة المكونات وغياب وشيوع ثقافة المكونات عبر القهر ان لم ينفع الاقناع.
والقهر لا يعني حصراً القهر المادي بل هناك صنوف كثيرة من القهر المعنوي من الضغوط غير المشروعة قانوناً لكنها سائدة عرفاً. هذا بشأن طريقة وصول ممثل الشعب المفترض الى مجلس الشعب المفترض ايضا افتراضا لان اعضاءه البرلمانيين يمثلون الشعب وينوبون عنه، لكن الواقع المعاش ينافي المفروض ويعارضه، اما الامر الآخر وهو الادهى والامر هو صورية هذا البرلمان حتى بعد تأدية اعضائه اليمين القانونية هم رهينة بشرية بيد ارباب المكونات. وهذا ما يراه الجميع وهذه الصورية معناها العملي والفعلي الغاء الدور الشعبي الذي يعني اخراج دور الشعب مما يعني الغاء وجود الدولة كما اسلفنا والقول بصورية البرلمان ليس مجرد رأي يقال، انما هو رأي كاشف، والرأي الكاشف باختصار غير الرأي السياسي المنشأ، لهذا نحن نميز بين صنفين من الآراء: رأي منشأ وهو رأي اجتهادي مستنبط بعد النظر والتأمل الا انه قابل للخطأ والصواب، اما الرأي الكاشف فهو رأي راصد للوقائع كما هي او هو شبيه بعدسة الكاميرا ويصور الواقع كما هو ونضرب لهذا مثلا تجده في الجلسة البرلمانية في الدورة الحالية لانتخاب رئيس الجمهورية، حيث كان للأخوة الاكراد مرشحان اذ تعذر على الكيان حسم الامر باختيار احدهما فقرر البرلمان حسم الامر واجراء التصويت حصرا بهما استناداً الى العرف وليس الى الدستور اذ ليس في الدستور هذا التخصيص للرئاسات الثلاث حتى هذا الدور البائس حرم البرلمان الصوري من ادائه ورفعت الجلسة الى يوم آخر حتى يقرر المكون الكردي اختيار من يكون رئيسا لجمهورية العراق من هاتين الشخصيتين المحترمتين وليس للبرلمان ان يختار، الا يعني ان الشعب وممثليه المفترضين اصبح وفقا لهذا المثال صفرا الى جهة الشمال؟ ولكي لا نظلم الاخوة الاكراد نقول ان (الجلال الايزدي) او الفيض البركاني المنبعث من المادة (3) يغمر جميع المكونات الاخرى.
حركة الاصلاح
ولنستشهد ببعض بنود الوثيقة (المسودة) مرة اخرى نشير الى ما يمكن ان نسميه فقاعات الصابون من خلال (ما آل اليه الحال وليس من خلال عمق الايمان الراسخ بشعب المعجزات الجسام، شعب العراق العظيم صانع الامجاد ورب الحكمة من ايام أنكي – مرورا بالعصر الذهبي لبغداد في عهدها الاسلامي الزاهر وظهور العدليين من المعتزلة والشيعة العدليين وليس الشيعة الاخباريين الى ظهور مدرسة الرأي التي اقترن اسمها بالعراق دون سواه ومن ايام (أور كاجينا) كما كان يقرأ اسمه خطأ هذا المصلح الذي اسمه الصحيح هو (اوراينكمينا) هو اول مصلح قاد اول حركة تطالب بالاصلاح، وكان العراقيون اول شعب عرف عنه انه تواق للاصلاح ومقتدر وما يثير الزهو والاعجاب ان وثيقة الاصلاح الاولى في التاريخ والتي يعود تاريخها الى (2355 ق.م) تبرز اهميتها من كون محتوياتها تنادي بصراحة على اهمية حقوق الانسان وتأكيد حريته ورفضها كل ما يتناقض وذلك وان كلمة – امارجي – اي حرية التي هي الآن امنية جميع الشعوب ظهرت لاول مرة في التاريخ المعروف في هذه الحركة العراقية الاصلاحية المعروفة وفي هذه الوثيقة وقد نادى العرقيون الاوائل بهذه المبادئ.
ومن ايام اوتو حكيال اول بطل تحرير في التاريخ قاد اول حركة استقلال وطني ضد الكوتيين المتخلفين حضاريا وصولا الى المثنى بن حارثة الشيباني مؤسس وقائد جيش تحرير العراق من الفرس الساسانيين مرورا بمعركة ذي قار التي قادها العراقيون العرب مسلمون اوائل ومسيحيون، وكان شعار العراقيين العرب فيها يا محمد يا منصور، في حين كان عرب البوادي وحتى قريش عشيرته تناصبه العداء وتضطهد اتباعه من المسلمين المستضعفين لان قيم الاسلام الحضارية لا تلائم قيم المكونات القبلية، وفي جميع الاحوال فان لم تشأ عزيزي القارئ قبولك لوصف الفقاعات فلا تثريب عليك وتعال نتفق على تسميتها مسرحيات بدأت بوزارات (المظروف المغلق) المشار اليها في الفقرة 13 والتي تم الرد عليها في اجتماع الـ (11) وصدور ما سمي بميثاق الاصلاح المشار اليه في الفقرة (14) المعلن فيه صراحة التمسك بقانون المحاصصة اللا مكتوب الذي يسمونه سلطة الامر الواقع. الذي استحال الى عرف دستوري شأنه شأن عرف الرئاسات الثلاث بما يعني ان الشعب اصبح في مواجهة اعراف دستورية راسخة لا سند لها في الدستور وما زال الحبل على الجرار، بالله عليك عافاك الله دلني على جدوى الضغط وما نجم عن الحراك الشعبي الجبار، وأصفه بالجبار، لكن قلاع الجبابرة في ظل ما هو سائد من اوضاع عصية على الاقتلاع ما دام منهج الاولويات غير واضح.
الرهان على النخب الوطنية
ومرة اخرى فاننا في ظل ما جرى لا اشكك بقدرات شعبي فانا من المؤمنين به والاكثر تفاؤلا بقدراته ان توحده كلمة النخب الوطنية اقول الوطنية اذ لا غير الوطنية بمقدورها ان تقود الى الحل ان احسنت الاختيار وميزت بين المجدي من الخيارات وبين اللا مفضي الى تحقيق الاهداف لهذا تراني اؤمن اشد الايمان بالرهان على النخب الوطنية لان الوطني الصادق الايمان بوطنه العراق هو في ملتي واعتقادي شجرة مثمرة اصلها متجذر في تربة الوطن، اما سواه فهو رمح مغروس في القاع سهل الاقتلاع قلق موزع الولاءات سهل الشراء رخيص الثمن غالبا ما يكون معروضا للبيع.