المنبرالحر

الاستبداد النفطي في العراق ومعركة الشعب المقبلة / لفتة عبد النبي الخزرجي

المقالة التي وردت في مجلة " الثقافة الجديدة " لشهر تموز 2015، والتي كانت بقلم الدكتور سليم علي الوردي* بعنوان " المفكرون بين الاصطفافين : السياسي والمعرفي "، تكاد تكون نقطة تحول كبيرة في إطار إنارة الطريق، ومنعطفا معرفيا له دلالات سياسية. لقد تنبأ الكاتب الراحل بمستقبل منظومة الاستبداد النفطي التي باتت تشكل " تراكبا طبقيا " تشمخ عناقيد ترفه، وتزداد وتتوسع وسائل بذخه، وتتمدد اذرعه وتطول في نهب المال العام. وقد استند في أفكاره التي طرحها في مقالته، إلى سؤال جوهري ومهم جدا وهو (ماذا عن احتراب عصابات المافيا وعصابات النهب، والسلب اهو صراع طبقي ؟ وأخيرا ماذا عن الطغمة التي تتطاول على المال العام. وتستأثر بنصيب وافر من عوائد النفط.. أهي طبقة؟). إن التغيير الذي حصل في بلادنا بعد 2003 وسقوط نظام العنف والمقابر الجماعية والشمولية والديكتاتورية، قد نقل العراق من نظام قائم على التفرد والتسلط والاستبداد، إلى نظام المحاصصة والطائفية والتوافق على مبدأ اقتسام الغنائم والفساد ونهب المال العام.وان (كل ما فعله الاحتلال الأجنبي هو تحريك البركة السياسية الراكدة للمجتمع العراقي، لتطفو على السطح. وتحت تأثير الإعصار الذي عصف بالبركة، تلاطمت أمواجها وكثر زبدها. ولم يكن بمقدور القوى السياسية المنشغلة بترتيب شؤون بيتها أن تتعالى على الزبد الذي راحت ترمي به الأحداث)1 إن هذا الشرخ الواسع في منظومة المجتمع العراقي، وظهور شريحة جديدة منتفعة، متخمة، متسلطة، متنفذة، سيقود حتما إلى حراك اجتماعي تقوده القوى الوطنية الحريصة على المال العام وسمعة البلاد وتاريخها العريق، وسيتسع زخم هذا الاستقطاب الجماهيري، ليشمل حلقات واسعة من جماهير شعبنا. وقد تتسع دائرة المطالبة الشعبية وتتحول إلى جبهة وطنية واسعة، يكون شعار عملها ودستور نشاطها، دولة مدنية ديمقراطية بمؤسسات دستورية، لحماية ثروات بلادنا ووضع حد لعملية الاستبداد المالي، وتبديد وهدر المال العام0 بعد مرور اثني عشر عاما على سقوط الصنم.
وما شهدته بلادنا من تكالب القوى المتنفذة، وسياسيي الصدفة والمنتفعين وأرباب المصالح، وتزاحمهم على كراسي السلطة، إنما يشير بوضوح إلى (أن التصدي لمنظومة الاستبداد النفطي بات معركة وطنية بامتياز، وهي اخطر من مقارعة العراقيين لاحتكارات النفط الأجنبية)، فقد كشفت هذه السنوات الاثنتا عشرة مدى تمسك هذه القوى التي جاءت مع المحتل الأجنبي، بزمام السلطة، وعدم فسح المجال أمام الأدوات الديمقراطية والدستورية، لتؤدي دورها،وأمام العراقيين المخلصين والوطنيين المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والمهنية، ليأخذوا فرصتهم في خدمة بلدهم، والسير به إلى جادة السلام والاستقرار والبناء والأعمار.إن هذا الإخفاق في المسيرة نحو صيغ سليمة في البناء الديمقراطي للدولة العراقية، وانحراف خط سير العملية باتجاه تكريس المحاصصة المقيتة والتوافق غير الدستوري وتقسيم كعكة السلطة بين الأحزاب المتنفذة، وممارسة سياسة عقيمة كانت وما زالت سببا في (فشل القوى السياسية المتنفذة في وضع البلد على السكة الصحيحة التي تنتشله من انقساماته وتؤمن تطوره وازدهاره)3.
إن المفكر الدكتور سليم علي الوردي، وهو يضع يده على الجرح النازف في جسد الدولة العراقية، يؤكد في مقالته آنفة الذكر (أن الخروج من منظومة الاستبداد النفطي التي قادت العراق إلى الويلات وسلمته لقمة سائغة للاحتلال الأجنبي، وتمثل اليوم حاضنة مثالية للفساد المالي، ينبغي أن يتحول اليوم إلى محور نضال القوى الوطنية المخلصة. وان لا تكتفي بإدانة الفساد المالي والتعامل مع مفرداته بوصفها حالات فردية لمسؤولين فاسدين، فهذا سيعني وحده تبرئة ذمة منظومة الاستبداد النفطي من جريمة الفساد المالي.)4 إن هذا بحد ذاته توصيف زائد لا يمكن الاستغناء عنه في تحليل ظاهرة الفساد المالي وما تؤشره من انزياحات خطيرة على مسار الإمساك بتلابيب هذه الظاهرة المتفشية في مفاصل الدولة العراقية ومحاولة الحد من تأثيراتها الكبيرة على مستقبل العملية السياسية من جانب، ومستقبل البلاد من الجانب الآخر، كما أن الفساد لا يمكن النظر إليه على انه تصرفات أفراد أو سلوك خارج إطار المنظومة المترابطة للاستبداد النفطي0 إن البلاد تعيش الآن أزمة أمنية خطيرة تهدد مستقبل شعبنا وامن واستقرار وطننا، و تستقطب اهتمام العراقيين جميعا بمختلف انتماءاتهم ومشاربهم، وتستلب راحتهم وتكرس معاناتهم وتعمل على إجهاض مشاريعهم وإفشال خططهم في البناء والاعمار. وهذا يضعنا أمام آفتين تستنزفان طاقاتنا،وثرواتنا، أولهما آفة الفساد المالي والتي تحرمنا من خيرات بلادنا وتستنزف قدراتنا المادية، وترهن ارادتنا الوطنية للأجنبي من خلال الاقتراض المشروط والمكبل. والآفة الثانية محرقة الحرب التي تكرس الخراب والدمار وتلتهم طاقاتنا البشرية وتعوم مشاريعنا وتؤخر مستقبل بلادنا. ولا يخفى على القارئ الكريم ان آفة الفساد كانت وما تزال، السبب الأول في كل هذا الخراب الذي يفعل فعله في حياتنا وينغص علينا أمننا واستقرارنا ويضع العصي في مسيرتنا ويعرقل التعايش بين أبناء شعبنا ويكرس فقدان الثقة بين الشعب من جهة وبين من انتخبهم وأسكنهم في قلاع المنطقة الخضراء، من الجهة الأخرى. كما لا يخفى على القارئ الكريم أيضا، ان نظام المحاصصة والتوافق وتقاسم الكعكة العراقية الشهية، كان وما زال يشكل عامل تقويض وإجهاض لأي مشروع يحاول أن يخرج البلاد من عنق الزجاجة، لان استمرار الحال على ما هو عليه، يعني مزيدا من النهب والسلب والثراء والتخمة على حساب الشعب المحروم. وهذا ما دفع رئيس هيئة النزاهة الأسبق القاضي رحيم العكيلي إلى التصريح (أن تكالب القوى السياسية على المناصب الوزارية هو بسبب الغنائم التي توفرها تلك المناصب في التجاوز على المال العام.) كما انه في تصريح آخر قال (إن بعض عائدات الفساد المالي تستخدم لتمويل عدد من الأحزاب السياسية ودعم أنشطتها.)5 إن هذه المعطيات تؤشر إلى مستقبل غير واضح المعالم، (فالصراع في منظومة الاستبداد النفطي وربيبه الفساد المالي الذي يعيشه المجتمع العراقي منذ عقود هو : بين جماهير الشعب العراقي المالك – بموجب الدستور – لثروات النفط والغاز من جهة، والطغمة الحاكمة الضالعة في الفساد المالي والتطاول على المال العام، استئثارا وتبديدا، من جهة أخرى)6 ونحن نعتقد أن الانتخابات النيابية القادمة ستكون معركة حقيقية بين الشعب المكتوي بنار الطائفية والاحتراب السياسي والبطالة والعوز والحرمان، من جهة، وبين الكتل السياسية المتنفذة والتي كرست الفساد والنهب للمال العام وتركت البلاد لقمة سائغة للعصابات الإرهابية، لتعيث فسادا وتشرد أبناء شعبنا وتنتهك الحرمات وتغتصب النساء وتقتل الأطفال وتنشر فكرها الظلامي التكفيري. وحيث ان بلادنا تعيش الآن حالة حرب ضروس مفروضة على شعبنا، بسبب احتلال بعض المحافظات من قبل داعش والعصابات الإرهابية، التي دنست ترابنا الوطني المقدس، فإنه (يصعب الحديث اليوم، ليس فقط عن إلحاق الهزيمة بالإرهاب والإرهابيين، بل كذلك عن الاعمار والتنمية الاقتصادية الناجحين، من دون مواجهة حازمة مع ظاهرة الفساد المتفشية في البلاد بدرجة مخيفة.)7 إن شعبنا يدرك تماما ويعي (ان الهم الأول والأخير للكتل الحاكمة المتنفذة هو الحفاظ على مصالحها، وخوض الصراعات على السلطة، وتقاسم المغانم فيما بينها، من دون الاكتراث بالمواطن الذي يئن تحت وطأة البطالة، وسوء الخدمات، والمحسوبية، والمحاصصة، وتفشي الفساد.)8 وفي رأي الدكتور الباحث، إن المعركة مع هذا الاستبداد النفطي، هي معركة وطنية، ووطنية خالصة، لأنها تتصدى ل "عدو مموه ويضع على وجهه القبيح مختلف الأقنعة. لهذا يعد التصدي لمنظومة الاستبداد النفطي في العراق، أشرس معركة وطنية خاضها العراقيون في تاريخهم المعاصر "، ولأنها معركة من طراز خاص، ومعركة الوطن ضد سالبيه ثروته وحقه في التقدم والبناء والاعمار0 ولهذا فهي " معركة مع غيلان تأخذك من حيث لا تحتسب وتهلكك، تستدرجك إلى فخاخها " وفيها من الخطورة الكثير، لأنك " تقاتل عدوا قد تغلغلت ثقافته وضلالاته في نسيج وعيك، فصار يسوغ لك دروب الضلالة وكأنها الطريق القويم0 " وفي ختام بحثه القيم يشير الدكتور سليم الوردي الى" ان المعركة مع الاستبداد النفطي في العراق، هي معركة وطنية فكرية بالدرجة الأولى، ولا تحمل طابعا طبقيا، ولهذا فلا خوف على المفكرين من الانحياز إلى جانب الاستبداد النفطي، وربيبه الفساد المالي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*توفي الدكتور سليم الوردي بعد نشر المقالة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
" 1،2، 3، 4، 5، 6، 7 الثقافة الجديدة / 374 – 375 / تموز 2015. ا0د سليم علي الوردي / المفكرون بين الاصطفافين : السياسي والمعرفي. 7
بلاغ صادر عن الاجتماع الاعتيادي للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في 20 آيار 2011
8 نفس المصدر أعلاه.