المنبرالحر

تركيا أردوغان وسلوكها الإمبراطوري: إحياء الصراع المذهبي لتغطية المطامع / طلال سلمان

تشهد العلاقات العربية ـ التركية في الأعوام الأخيرة توتراً تزيد من حدّته النبرة الإمبراطورية في كلام الرئيس التركي رجب طيب اردوغان.
في البدء تدهورت العلاقات بين مصر وتركيا نتيجة الموقف الفاضح في انحيازه إلى حكم «الإخوان المسلمين» خلال الفترة القصيرة التي تمكنوا فيها من الوصول إلى السلطة في مصر، في العام 2012.
بعد ذلك توترت العلاقات بين تركيا وسوريا التي كانت قد وصلت مع رئاسة بشار الأسد إلى ذروة التعاون، سياسياً واقتصادياً (...)
الجديد والنافر في سلوك القيادة التركية مؤخراً إصرارها على أن يكون لها دور في معركة تحرير الموصل في العراق، وبذريعة مذهبية معلنة تُنصّب أنقرة مرجعية لأهل السنّة حيثما تواجدوا.
ولقد دخل هذه المعركة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان شخصياً، فرفض طلب السلطات العراقية سحب كتيبة من الجيش التركي دخلت شمال العراق قبل حين، بذريعة تدريب قوات البشمركة الكردية، مقرراً أنه يتوجب أن يكون «للسنّة» ممَثّلين بتركيا دور في تحرير هذه المدينة «السنية»، ومتذرعاً بأن له الحق بالتدخل في الشأن العراقي ليساند «أهل السنّة»، تماماً كما إيران التي تساند «الشيعة» فيه.
ومن أجل تدعيم هذا التوجه المذهبي الذي من شأنه إخراج الحرب في سوريا وعليها من طبيعتها السياسية وتحويلها إلى مشروع حرب طائفية في المنطقة، ظهر إلى العلن مشروع تحالف بين تركيا أردوغان والسعودية وقطر والإمارات، سرعان ما أعلن دعمه للمعارضة السورية المسلحة، ما أدى إلى إفشال مشروع الهدنة على جبهات الحرب في سوريا.
هكذا تتم تغطية المطامع السياسية بالمذهبية، في استعادة غير مبررة لصفحات سوداء من التاريخ الإسلامي، ما تزال قابلة للاستثمار (...).
على أي حال، نحن الآن أمام تركيا جديدة، ورئيسها الذي يعامل نفسه وكأنه خليفة المسلمين ويحلم باستعادة أمجاد «السلطنة العثمانية»، يعادي مصر ويقاتل في سوريا ويحتل مناطق من العراق ويعلن أنه «شريك» في معركة الموصل حتى لو رفضت الحكومة العراقية، ويتذرع بالوجود الإيراني في العراق ليطالب بحقه في حماية «السنّة»... ويندفع في اتجاه روسيا بعد الاختلال الذي طرأ على علاقة التحالف المكين مع الولايات المتحدة الأميركية وتطلع تركيا إلى الانتساب إلى الاتحاد الأوروبي. وهو مطلب عزيز المنال كما تدل مواقف الدول الأوروبية.
وبديهي أن تثير هذه الممارسات المتناقضة إشكالات عديدة «للسلطان» الجديد، لا يكفي لتغطيتها تحالف طارئ مع بعض الأنظمة العربية النفطية في مواجهة سوريا بالمشاركة في الحرب عليها، سواء تم تمويه هذه الحرب بالاعتراض على ممارسات النظام فيها (بينما حلفاؤه من العرب ملوكاً وأمراء ومشايخ لم يتعرفوا إلى الديموقراطية، ولا هم في وارد اعتمادها أساساً لأنظمتهم القبلية التي تحتكر الثروة والسلاح والسياسة). كما أنها لا تبرر هذا المسلك «الاستعماري» في العراق، بذريعة المشاركة في عملية تحرير الموصل على اعتبار أنها «مدينة سنية»، وكأن تركيا القرن الحادي والعشرين، وذات النظام العلماني (وإن كان الحكم راهنا «إخوانيّ» الشعار والممارسة) هي هي سلطنة بني عثمان والعصر عصرها.
وطالما استمرت الأنظمة العربية بعيدة عن شعوبها وغريبة عن عصرها، فمن البديهي أن تتسابق الدول (كبراها والمتوسطة) إلى استرهانها. وسلوك تركيا أردوغان يصب في هذا النهر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن «السفير» اللبنانية
19 تشرين الأول 2016