المنبرالحر

المرحلة الانتقالية ظروفها والعوامل المؤثرة فيها / محمد النهر

ورد في الفقرة 197 من مشروع الموضوعات السياسية للمؤتمر العاشر ( وإذا كان توصيف البناء السياسي للدولة بالانتقالي موضع جدل ، فإن الطبيعة الانتقالية للنظام الاقتصادي ليست موضع اعتراض ، وإن اختلفت المنطلقات الفكرية والسياسية في التقييم ) .
ومهما يكن وضع المرحلة الانتقالية فإن علاقاتها متشابكة مع القديم لوجود أشخاص وطبقات وفئات إجتماعية مشدودة بحكم مصالحها إلى الماضي ، وهي تقاوم لتكريس ما يوفر مصالحها وما يعرقل كل ما هو جديد يخدم مصالح الكادحين وجماهير الشعب ومصالح الوطن . وفي الوقت نفسه تسعى قوى التقدم والديمقراطية إلى مد جسور وخلق ظروف جديدة للوصول بالمرحلة الانتقالية إلى بر الأمان الدولة المدنية الديمقراطية . وهنا بين جبهتي الصراع يحسم اتجاه المرحلة الانتقالية على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وسيكون نصيب الكفة الراجحة في ظروفنا الحالية إلى القوى التي تؤثر وتكسب الوسط الجماهيري وخاصة المتردد . ولكن القوى المحافظة وقوى التخلف لا تقتصر على القديم فقط ، بل إن الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية الجديدة ستوجد فئات وجماعات وأحزاب وإن كانت معارضة للنظام السابق ، تلتقي مصالحها الجديدة مع مصالح القديم في الجوهر بالرغم من الشعارات التي ترفعها . كما إن الجديد سيكسب في الوقت نفسه قوى جديدة نتيجة للنشاط السياسي والحريات الديمقراطية ومعاناة الناس ووعيهم لما يدور حولهم .
هذا الواقع خبرته جيدا القوى الرأسمالية وخاصة الولايات المتحدة الامريكية ، وبما ان التحول في العراق وإسقاط النظام السابق جرى عن طريق قوى الاحتلال ، فإن العامل المؤثر في رسم وجهة العراق اللاحقة كان بيد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها خاصة إن الكثير من العوامل الإقليمية تساعد على ذلك بالرغم من مقاومة القوى الديمقراطية والوطنية في الداخل ونضالها من أجل الدولة المدنية الديمقراطية . لقد تحكمت استراتيجية الاحتلال في وجهة المرحلة الانتقالية بالرغم من مقاومة القوى الديمقراطية والوطنية ، وما زالت مرتكزات هذه الاستراتيجية فاعلة ، لقد اكتسبت هذه الاستراتيجية خبرة كبيرة في مختلف بلدان العالم وخاصة على أنقاض دول الاتحاد السوفيتي سابقا ودول اوروبا الشرقية ( الاشتراكية ) .
فبعد سقوط هذه الأنظمة جرى تحطيم مقومات هذه الدول من قبل المافيات المختلفة واستولت هذه المافيات على الاقتصاد والمؤسسات السياسية وخلقت طبقة سياسية استولت على السلطة . جرى ذلك أمام أنظار وتشجيع وإسناد الولايات المتحدة والعالم الرأسمالي التي كانت تزعق طيلة حياة الدول الاشتراكية عن الديمقراطية وحقوق الإنسان . فالمطلوب هو تحطيم هذه الدول وظهور طبقة رأسمالية مهما كان منشؤها عدا التطور الطبيعي للبرجوازية الوطنية ، ترتبط بالرأسمال العالمي وتؤمن مصالحه ، وهكذا كان حال روسيا حتى نهاية حكم الرئيس يلتيسين . وبالنتيجة فإن رأسمالية هذه الدول هي نتاج لعدة عوامل ليس لها علاقة بالتطور الاقتصادي والاجتماعي الطبيعي الحر للرأسمالية أو نشوء وتطور برجوازية وطنية وانعكاسات ذلك الإجتماعية والسياسية .
إن التراكم البدائي في بداية تطور الرأسمالية وفر الأساس لانطلاقة الاقتصاد الرأسمالي والذي ترافق مع تطور قوى الإنتاج وانتشار المعامل والفبارك والذي رافقه مآس كبيرة شملت الفلاحين والشغيلة والإنتاج الحرفي بهدف عزلهم عن أدوات إنتاجهم البسيطة واضطرارهم إلى العمل عند الرأسماليين ، واستعمار الشعوب وتجارة الرقيق وغيرها ، كلها مهدت لنشوء طبقة رأسمالية استطاعت فيما بعد أن تزيح الإقطاعيين عن السلطة أو تتفق معهم بالشراكة بالحكم . إن هذا التطور الكلاسيكي للرأسمالية لم يشهد له مثيلا في العراق ، فقد نمت البرجوازية في العراق في اتجاهين ، اتجاه البرجوازية التجارية وهو الغالب والتي ارتبطت مصالحها مع الرأسمال الأجنبي لأنها تحتاج بضائعهم وكذلك لتضمن لهم السوق الداخلي العراقي ، ولذا نرى موالاة هذه البرجوازية للدول الاستعمارية وللحكم الموالي لهم في العراق ، والاتجاه الثاني هو البرجوازية الوطنية التي اعتمدت على الإنتاج الوطني وعانت من محاربة الإقطاع والمزاحمة من المنتج الأجنبي ، وتميزت هذه البرجوازية بحس وطني بالرغم من تصادم مصالحها في أحيان كثيرة مع الطبقة العاملة العراقية ومصالح الكادحين والفلاحين ، وقد تشوه تطور هذه البرجوازية وتراجع بسبب الدكتاتوريات التي حكمت العراق والحروب التي شنها النظام السابق . وعندما احتلت الولايات المتحدة وحلفاؤها العراق لم تكن لها قاعدة إجتماعية واقتصادية حليفة لها ، فعمدت إلى سياستها المعهودة مع ملاءمتها لظروف العراق الجديدة ، والتي تتلخص في ايجاد فئات وقوى اقتصادية واجتماعية مواليه لها في وقت قياسي سريع وتجنب الطريق الطويل والصعب للتراكم البدائي أو التطور البرجوازي الكلاسيكي . ولهذا اعتمدت سياسة نهب الدولة بعد تدمير مرتكزاتها من قبل القوى التي كانت تقاوم النظام السابق نفسها. إن الفرهود الذي حدث في أول يوم لسقوط النظام من قبل عامة الناس واستمر عدة أيام والذي طال مؤسسات الدولة وممتلكات البعث الحاكم ورموزه ، لم يتوقف إلا ظاهريا ، وأخذ شكلا آخرا يقوم به أشخاص وجماعات يرتدون البدلات الأنيقة و ربطات العنق وبعضهم العمامة ومن ثم سيارات مدرعة وحماية كبيرة ويتحدثون بالقانون والدستور والديمقراطية ، سرقوا البلد وكل خيراته طيلة هذه السنين باسم القانون والعملية السياسية والمحاصصة والطائفية وشعارات الإسلام السياسي إلى غير ذلك وما اشاعوه من فساد في كل مفاصل الدولة والمجتمع .
لقد انفصلت هذه الأحزاب والجماعات والأشخاص عن واقعها القديم وبدلا
من نضالها ضد الدكتاتورية السابقة نصبت نفسها وصية على الشعب العراقي وخيراته وموارده . إن حديث وانتقاد بريمر "الحاكم المدني للعراق أثناء الاحتلال" السياسيين العراقيين وفسادهم في مذكراته، فيه الكثير من المغالطة فهو يتجاهل حقيقة سياسة أمريكا وبريمر نفسه الهادفة إلى خلق ظروف جديدة فاسدة لهؤلاء السياسيين وإفسادهم .
ومن الملاحظ ان هذه القوى والأحزاب والجماعات لا تخلو من عناصر أو كتل مازالت مع الهم الوطني وتتأثر بمصالح الجماهير وضغطها .
إن هذا الوضع الحالي يتطلب منا دراسة وضع القوى السياسية العراقية وما يميزها والتمايزات فيما بينها ، وكذلك تدقيق بعض مقولاتنا القديمة الراسخة عن الحركة القومية الكردية بانها جزء لا يتجزأ من الحركة الديمقراطية للشعب العراقي ، في وقت تتبلور الحركة القومية الكردية على شكل دولة وتظهر بشكل واضح للعلن التمايزات والصراعات الطبقية داخل المجتمع الكردي ، وتغليب مصالح بعض الأحزاب والجماعات على مصالح الشعب الكردي والشعب العراقي . وكذلك دراسة وضع الحركات والأحزاب التي تدعي تمثيل القوميات والأقليات والتي اعتمدت على الدعم الإقليمي في عملها .
إن دفع اتجاه المرحلة الانتقالية باتجاه الدولة المدنية الديمقراطية يعتمد بالأساس على تطوير الحراك الجماهيري وأن يكون فعلا حركة جماهيرية واسعة ومؤثرة وفق ما تتطلبه المرحلة ومكافحة الإرهاب والفساد والمليشيات ومعالجة السلاح خارج الدولة ومكافحة انفلات الصراعات العشائرية ، بالإضافة إلى العمل من أجل تعديل الدستور والقوانين التي تشجع وتوفر الأرضية للمسؤولين بغية الاستمرار في فسادهم وبقائهم .