المنبرالحر

المقامة الخمرية في القوانين القرقوشية / مؤيد عبد الستار

ديباجة
روى لي صديق شاعر - لا أذكر اسمه كي لا ينال عقوبة من محكمة او نائب في البرلمان - قال وهو الشاعر النجفي الذي ينظم القوافي كما ينظم الخراز عقد اللؤلؤ ، له أجمل الاشعار في رثاء الامام ، وله الفية من الابيات التي تنهل من مآثر اهل البيت الطيبين الكرام ، قال وكان صادقا في حديثه انه كان يشرب ابنة العنقود ، ولما كان لا يستطيع الحصول عليها في النجف حيث يعمل ، كان عليه ان ياتي بها من بغداد ، وقد ابتكر حيلة يحتال بها على نقطة التفتيش التي تفتش حقائب المسافرين وامتعتهم - كانت نقاط التفتيش منتشرة في مداخل المدن ومخارجها منذ استيلاء الطغمة البعثية على الحكم -
وكان وهو المعمم يجلب قنينتين من العرق المستكي من بغداد ، يضعهما في علبة احذية باتا ، يخفيهما في حقيبة للتمويه ، ويضعها تحت قدميه حيث يجلس في السيارة بين الركاب .
وفي أحد الايام فتش الجندي المكلف بتفتيش السيارة التي كان يستقلها مع الركاب وفتح الحقيبة ثم فتح علبة الاحذية فوجد فيها قنينتي العرق المستكي ، فقال لمن هذه الحقيبة ، يقول شاعرنا : نظرت اليه بثبات وقلت له ، انها لي .. نرجوك لاتفضحنا .. فضحك الجندي لما رآني معمما بعمامة سوداء .
اغلق الحقيبة ولم يفتش امتعة الركاب الاخرين وسمح لنا بالمغادرة دون ان يتخذ اي اجراء .
رواية اخرى رواها لي أديب نجفي معروف في ستوكهولم ، قال انه كان مديرا ببغداد ، وفي أحد الايام كان عائدا الى البيت فـمـر في شارع المتنبي ليشتري بعض الكتب ، اذ كان من عادته ان يـمـر على المكتبات الشهيرة في الشارع ويلتقي اصحابها المعروفين يومذاك .
يقول ، صادف مروري امام دكان بائع العرق الذي في راس الشارع من جهة شارع الرشيد ، وهو محل معروف لبيع المشروبات الروحية في شارع المتنبي .
يقول شاهدت عمامة سوداء على رف من رفوف دكان العرق ، فلفـتـت انتباهي ، كوني نجفيا واعرف قدر تلك العمامة ، فتوجهت الى صاحب الدكان وعرفته بنفسي وسألته عن سبب وجود هذه العمامة السوداء فوق رفوف دكانه ، لان وجودها غير مناسب ، فقال لي انها للسيد الفلاني ، وانه رهنها عندي مقابل قنينة عرق .
يقول الاديب الراحل : اعطيته دينارا ، وهو سعر بطل العرق يوم ذاك ، واخذت العمامة منه واعدتها الى صاحبها الذي اعرفه حق المعرفة .
هذا السيد الذي رهن عمامته من عائلة نجفية معروفة ، لابنائها اليوم مراكز مرموقة في السلطة ، وهم يعرفون جيدا انه كان يتعاطى المستكي والزحلاوي في حله وترحاله .
وبما ان العرق اصبح محرما بقانون برلماني وقاض لا يعرف من يتناول الكحول من الناس ظنا منه ان العلمانيين هم الذين يعبونه عبا فقط ، اتيت على ذكر هذه الاحداث التي حدثت في السبعينات من القرن الماضي ، وما زال بعض شخوصها احياء ، وهناك منها الكثير .
بعد هذه الحقائق دعونا نحلق في دنيا المقامات الخيالية عسى ان تشفي الصدور النيابية بدلا من الخمور التي لم يحرمها الله وانما دعانا لتجنبها فقط ، ولكن الحاكم بامره بطيحان ابن هيجان حرمها ظلما وعدوانا في تفسير منه وتأويل ناسيا ان الامام التقي كان يقول ان القرآن حمال اوجه .
بعد ان هدأت النفوس وغابت شمس النهار ، اجتمع رهط الندامى في شارع ابي نؤاس ، وهات يا نادل المزة وتعالي يا هند بالكاس ، فطارت الرؤوس في سماء مزينة باللؤلؤ والمرجان ، وخامرت الارواح نشوة الهمس والحنان ، ورقصت هيفاء البان على اعذب الالحان التي عزفها امهر المطربين ودق لها الدنبك و الدف اصحاب الحان .
ومن بين سجف الحانة اندلع شبح عضو البرلمان ، بـطيحان ابـن هـيـجان، واذا به يقذف المجلس بقانون البهتان ، ليحطم الاقداح ويخرب الخوان الذي اجتمع حوله الجلاس والاخوان .
أطلق قانونه القرقوشي ، ليحرم العرق الزحلاوي والمستكي ، وما يتبعه من فودكا و من ويسكي، و مشروبات ما لها مثيل تجعل الصاحي سكرانا ، وتنسي العاشق المتبول أشجانه، وتجعله يحلق في دنيا العشاق يلهو ويطوف في حدائق الجنان ويطير في سماء العشق ولهانا ، ويغني :
اذني لبعض الحي عاشقة // والاذن تعشق قبل العين احيانا
لقد ظن البرلماني بطيحان ابن هيجان انه بهذا القانون يحارب اهل العلم والصولجان ، ويسرق منهم جمهورهم ويؤلب عليهم رجال الدين والمواطنين ، ظنا منه انهم اهل سكر ونزوات ، وما درى انهم اهل علم ومعرفة وعرفان ، فالعلمانيون يا بطيحان ، يحاربون الفساد ويتظاهرون ضد اللصوص ، يفضحونهم سواء أكانوا من الانس او من الجان، اللصوص الذين يمهرون جباههم بمحروق البطاطا والباذنجان ، كي يَـسموا وجوههم بسيماء اهل التقوى زورا وبهتانا وما هم باهلٍ لتقوى وايمان .
كانوا من قبل يمارسون الشعوذة وياكلون السحت الحرام وياخذون الربا ، يسرقون المواطن ، يخدعون ابناء الريف والمدينة والنساء والصبيان ، واليوم امتدت ايديهم الى كنوز الدولة ، فسرقوا ما استطاعوا من ثروات البلاد من نفط وغاز وخام وطعام ، واجهزوا على ثروات ما كان لها ان تسرق ولا كان لها ان تختفي تحت جبة او عمامة او في جيب سارق ملعون في الدنيا والاخرة الى يوم يبعثون ، وسيقلع ابناء العراق قلعا كل محتال دجال من ارض الرافدين المعطاء وان غدا لناظره قريب ، وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون .
كتبت في العشرة الاواخر من محرم الحرام 1438 هجرية