المنبرالحر

القضاء الخاص والهيئات التحقيقية الخاصة / المحامي هاتف الاعرجي

من صور القضاء الخاص ما تنص عليه المادة 35 من قانون التنظيم القضائي التي تخول وزير العدل سلطة تشكيل هيئة تحقيقية برئاسة احد القضاة للتحقيق في جريمة او جرائم معينة تكون لها سلطة قاضي تحقيق.
ومشرعنا العراقي في ذلك الحين بدل ان يعيد النظر في موقفه من هذه النصوص التي تشكل افتئاتاً وخروجاً على ولاية القضاء العادي اخذ يعمل على تعميقها وترسيخها بالنص عليها في مشروعات القوانين اللاحقة. فمشروع قانون الاجراءات الجزائية يتضمن نصاً مماثلاً لنص المادة (35/ 3) من قانون التنظيم القضائي، هو نص المادة 78 الذي يخول وزير العدل تشكيل هيئات تحقيقية خاصة للتحقيق في جريمة او جرائم معينة. واذا كان نص المادة (35/ 3) من قانون التنظيم القضائي يدخل العنصر القضائي في تشكيل هذه الهيئات وينيط رئاستها به. فان نص المادة 78 من المشروع جاء خلواً من ذلك. فيجوز بمقتضاه ان يشكل وزير العدل الهيئة التحقيقية من عناصر جميعها غير قضائية ومن الموظفين الممنوحين سلطات جزائية ومن غير القضاة – وذلك بمنحهم سلطة قاضي جنح – لغرض ممارسة السلطات الجزائية.
ومن صور القضاء الخاص في نظامنا القانوني ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 137 من قانون اصول المحاكمات الجزائية التي تخول وزير العدل منح الموظفين المدنيين من غير القضاة – سلطة قاضي جنح – لغرض ممارسة السلطات الجزائية التي تملكها جهات ادارية بموجب قرارات (لمجلس قيادة الثورة)(1)
وقد كان موضوع اسناد اختصاص قضائي الى جهات غير قضائية محل توصية مؤتمر لاغوس عام 1962 اذ جاء في التوصية للجنة الثالثة ما يلي: ( ان المتبع في بعض البلاد من اسناد اختصاص قضائي ولا سيما في مادة قانون العقوبات الى اشخاص ليس لهم ثقافة او خبرة قضائية او الى موظفين في الادارة، هذا الوضع لا تتوافر فيه الضمانات التي يتطلبها مبدأ اولوية الحق – والذي اشارت اليه مجلة الحق – في العدد 361 لسنة 1970 ص32.
القضاء الاستثنائي
ومن ابرز الامثلة على القضاء الاستثنائي في العراق محاكم امن الدولة. وهذه المحاكم مرهون قيامها باعلان حالة الطوارىء، فهي قضاء استثنائي ينشأ لمواجهة ظروف غير عادية. وقد نص قانون السلامة الوطنية رقم 4 لسنة 1965 على تشكيل هذه المحاكم واختصاصها واجراءات المحاكمة امامها.
تشكيل محاكم امن الدولة
تتألف محكمة امن الدولة من رئيس وعضوين وباقتراح من رئيس الوزراء يتم اختيارهم من موظفي الدولة عسكريين او مدنيين على ان لا تقل درجة الرئيس عن رتبة مقدم ولا تقل درجة المدنيين عن الصنف الثالث من صنوف القضاء ولا تقل درجة العسكريين عن رتبة رائد. ويجوز عند الاقتضاء تشكيل المحكمة من العسكريين فقط. وهذا يعني جواز تشكيل المحكمة من اعضاء لا تتوافر فيهم الصفة القضائية.
اختصاص محاكم أمن الدولة:
حددت المادة التاسعة من قانون السلامة الوطنية رقم 4 لسنة 1965 اختصاص محاكم أمن الدولة بالجرائم التالية:
1- الجرائم المنصوص عليها في الأوامر والبلاغات والبيانات والقرارت الصادرة من رئيس الوزراء أو من يخوله:
2- الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي والداخلي، المنصوص عليها في البابين الأول والثاني من قانون العقوبات.
3- الجرائم الأخرى المخلة بالأمن والتي يصدر بتعيينها أمر من رئيس الوزراء أو من يخوله.
4- الجرائم التي ترتبط بالجرائم الماسة بأمن الدولة أو بالجرائم المخلة بالأمن التي يحددها رئيس الوزراء، ارتباطاً لا يقبل التجزئة.
الاشراف القضائي: وتمارس الاشراف القضائي على احكام وقرارات محاكم أمن الدولة – محكمة تمييز أمن الدولة التي تُشكل من خمسة اعضاء يكون ثلاثة منهم من قضاة محكمة تمييز العراق، واثنان من ضباط الجيش من رتبة عقيد على الأقل، تقوم بتدقيق الاحكام والقرارات الصادرة من محاكم أمن الدولة، ويكون لها جميع سلطات محكمة تمييز العراق المقررة في قانون أصول المحاكمات الجزائية. وبناءً على ذلك – يجوز للمتهم الطعن لدى محكمة تمييز أمن الدولة في القرارات الماسة بالحرية الشخصية اذا كانت مخالفة للقانون(1). كما يجوز لمحكمة تمييز أمن الدولة أن تطلب أية دعوى لتدقيق ما صدر فيها من أحكام وقرارات – من تلقاء نفسها – ويكون لها في هذه الحالة السلطات التمييزية المنصوص عليها في قانون اصول المحاكمات الجزائية لمحكمة تمييز العراق.
واذا كانت محاكم أمن الدولة هي محاكم الضرورة والظروف الاستثنائية فانها مع ذلك كانت محل اهتمام الفقه الجنائي في محافله الدولية والاقليمية، فالحلقة الدراسية للبحوث القانونية المنعقدة في الرباط عام 1976 أصدرت ما يلي (تسري احكام قانون الاجراءات الجنائية وضماناته في ظل الأحكام العرفية او حالة الطوارئ على المتهمين في الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات والقوانين المكملة له).
وفيما يتعلق بالجرائم الظرفية، جاءت توصية هذه الحلقة بما يلي: (حرصاً على التوفيق بين المصلحة العامة التي تقضي بالاسراع في الفصل في الجرائم الظرفية وبين مصلحة المتهمين في هذه الجرائم في تأمين حقهم في الدفاع يراعى ما يأتي:
أ – تشكل المحاكم التي تنظر في الجرائم الظرفية من قضاة المحاكم العادية دون غيرهم طبقاً للقواعد المقررة لتشكيل هذه المحاكم. ومن الجائز ان تكون من درجة واحدة، على ان يراعى في تشكيلها الوجه المقرر لمحاكم الجنايات او المحاكم الأخرى.
ب – تراعى القواعد العامة للمحاكمات من حيث علنية الجلسة وحضور المتهم وشفوية المرافعة، والتقيد بالتهمة، وتدوين ما يجري في الجلسة. ولا يجوز بأي حال الاخلال بحق المتهم في الاستعانة بمحام او اكثر. وبوجوب تعيين محام لمن لم يستعن بمحام، فيما لو كانت الدعوى تنظر على درجة واحدة.
جـ - ومع عدم الاخلال بحق رئيس الدولة في العفو عن العقوبة او تخفيفها، وضماناً لاستقلال القضاء، لا يكون للسلطة التنفيذية أية رقابة على الاحكام التي تصدرها المحاكم. ويجب ان يجاز الطعن في هذه الاحكام أمام محكمة النقض أو المحكمة العليا التي تقوم مقامها طبقاً للأوضاع المقررة في قانون الاجراءات الجنائية.
وجاء في توصيات الحلقة العلمية التاسعة والتي نظمها المركز العربي للدراسات الامنية والتدريب في الرياض – المملكة العربية السعودية بأن (تختص المحاكم العادية دون غيرها – بالنظر في الجرائم العادية والجرائم الظرفية، ولا يجوز أن يترتب على اعلان حالة الطوارئ الانتقاص من الضمانات المقررة للمتهمين طبقاً لقانون الاجراءات الجنائية).
والخلاصة أن القضاء الخاص والاستثنائي لا يأتلف مع مبادئ اساسية مستقرة في الضمير الانساني العالمي، تؤكدها معظم تشريعات العالم، وينص عليها التشريع العراقي، فهو يتناقض ويتعارض مع مبدأ مساواة المواطنين امام القانون، والذي ينص عليه الدستور العراقي الحديث، ومع مبدأ (ان المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية، وان حق الدفاع مقدس في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة وفق احكام القانون.
واخيراً فان القضاء الخاص والاستثنائي ينتهك مبدأ استقلال القضاء الذي يعد أحد المبادئ الأساسية التي يرتكز عليها قانون التنظيم القضائي. وبناء على ما تقدم نرى الآتي:
1- قصر ولاية القضاء العسكري على الجرائم العسكرية البحتة – وهي تلك التي تقع بالمخالفة للنظام العسكري ولا يتصور وقوعها إلا من عسكري.
2- كان من المفروض تحديد اختصاص محكمة الثورة بجرائم أمن الدولة الداخلي والخارجي، والجرائم المنصوص عليها في قانون معاقبة عملاء المخابرات الأجنبية رقم (41) لسنة 1974 فقط، على أن تسري احكام أصول المحاكمات الجزائية وضماناته على المتهمين في الجرائم المذكورة، وتخضع الأحكام التي تصدرها الى الطعن بها أمام محكمة تمييز العراق – لكنها في تشكيلها واجراءاتها تفتقر الى ما يوصل الى الحق والعدالة.
3- وتفتقر محكمة الجزاء الدائمية في مديرية الأمن العامة الى العنصر القضائي في تشكيلها وان المتهم أمامها محروم من كل ضمانات القانون العام.
4- الغاء اي نص يخول وزير العدل سلطة تشكيل هيئات تحقيقية خاصة للتحقيق في جرائم معينة. اذ ان مثل هذا الامر يتعارض مع مبدأ استقلال القضاء وحياده.
5- الغاء اي نص يخول موظفي الادارة سلطات جزائية في مواجهة الافراد، لأن هؤلاء ليست لديهم الثقافة او الخبرة القانونية والقضائية التي تؤهلهم للنهوض بهذه المهمة، الى جانب ان ذلك لا يأتلف مع مبدأي استقلال القضاء وحياده.
6- اختصاص المحاكم العادية دون غيرها بالنظر في الجرائم العادية والجرائم الظرفية، ولا يجوز ان يترتب على حالة الطوارئ الانتقاص من الضمانات المقررة للمتهمين طبقاً لقانون الاصول الجزائية – والتي منها – ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته بقرار حكم عادل يعتمد مراعاة حقوق الانسان في محاكمة عادلة وامام قاضيه الطبيعي وبمشورة ومساعدة محاميه الذي يهدف الوصول الى الحق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر على سبيل المثال:
أ- قرار مجلس قيادة الثورة المنحل 1620 في 7/ 12/ 1981 الذي يخول رؤساء الوحدات الادارية سلطة قاضي الجنح من اجل ممارسة السلطات الجزائية المنصوص عليها في القوانين الخاصة التي تجيز منحهم ذلك.
ب- وقرار مجلس قيادة الثورة المنحل ( 463 في 22/ 7/ 1981) الذي يمنح رؤساء الوحدات الادارية سلطة قاضي جنح لغرض تطبيق العقوبات الواردة فيه.
ج- وقرار مجلس قيادة الثورة (705 في 27 / 5/ 1981) الذي يخول وزير الداخلية صلاحية فرض غرامة معينة وحجز السائق المخالف مدة لا تزيد على ثلاثة اشهر.
د- وقرار مجلس قيادة الثورة المنحل (848 في 7/ 11/ 1987) والذي يمنح مدير شرطة بغداد سلطة قاضي جنح لاغراض قانون التعليم الالزامي رقم 118 لسنة 1976 ضمن حدود مدينة بغداد.
هـ - وقرار مجلس قيادة الثورة المنحل (696 في 5 / 9/ 1987 الذي يخول امين بغداد سلطة قاضي جنح للنظر في الدعاوى الناشئة عن مخالفة احكام قانون استثمار المقالع رقم 135 لسنة 1981.
و- قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 37 في 14/ 1/ 1987 الذي يخول امين بغداد صلاحية فرض غرامة لا تزيد على ألف دينار عن حالات البناء بدون اجازة.