المنبرالحر

البيان رقم 13 / عبد الكناني

لعل الكثير يتذكر تلك الايام السود التي مرت بها البلاد العام 1963 ابتداء من الانقلاب الدموي في الثامن من شباط الذي شهد ابشع المجازر في تاريخ العراق المعاصر ليس على يد قوة محتلة اومستعمرة، وانما على يد مجرمي حزب البعث وتشكيله العسكري سيئ الصيت «الحرس القومي»، واستمر في الاشهر اللاحقة.
فقبل (53) عاما قامت مجاميع الحرس القومي التي هي امتداد للقوة العسكرية «حنين» الذراع العسكرية لحزب البعث بترويع الناس باعتقالات عشوائية وانتهاكات للاعراض انتقاما من الخصوم السياسيين من الاحزاب والحركات السياسية وابرزها «الحزب الشيوعي» واقتحامات للبيوت دون رحمة او وازع من ضمير او رادع اخلاقي او ديني.
وصدر حينها عن القيادة العامة للحرس القومي البيان رقم13 المشؤوم، الذي اباح للمنخرطين بالحرس القومي استخدام القسوة مع المنتمين للحركات الوطنية، والذي اذيع بصوت هناء العمري زوجة علي صالح السعدي امين سرقيادة حزب البعث من الاذاعة، وعرف عنها القاؤها المتشنج وتحريضها على قتل الناس تحت توصيفات متعددة وممن اسمتهم الخصوم والخونة والمتآمرين، تخللته الاناشيد والموسيقى الحماسية.
وكان فحوى البيان حث الناس على قتل الشيوعيين وكذلك اعطاء الضوء الأخضر لقطعان (ح.ق) بابادة الخصوم الاخرين! حيث زود عناصر الحرس القومي وجلهم من الحاقدين والمنبوذين في المجتمع والحمقى، الذين وضعوا على ايديهم اليسرى قطعة قماش بيضاء كتب عليها «ح.ق» اي الحرس القومي، وحملوا غدارات «بور سعيد» وكانوا في سعادة غامرة وبدوا متباهين بتلك القطعة البيضاء على البدلة العسكرية. وقد زودوا بنسخ من البيان وقوائم باسماء المنتمين للحزب الشيوعي العراقي.
وعلى اثر ذلك داهموا البيوت وتمركزوا في بعض المدارس ومراكز الشرطة و الساحات والشوارع للبحث عن الشيوعيين وقطع الطريق على هروبهم واختفائهم. وقتلت اعداد من الشيوعيين اثناء المطاردات، واعتقل الكثيرون وشمل الآعتقال حتى من كان يقرأ المطبوعات التي تروج للفكر الماركسي بدافع الاطلاع والغرض الثقافي، باعتراف قيادة البعث التي اكدت اعتقال المئات من الضباط والطيارين وآلاف الشيوعيين والناس الابرياء.
وابيدت اسر كاملة وأعدم الكثيرون بسبب الوشايات والاتهامات الباطلة الناتجة عن العداوات والاحقاد الشخصية وجرت تصفيات كثيرة لعناصر ابرياء تخلص منفذوها من التبعات القانونية بادعاء ان المجنى عليهم والمقتولين هم «شيوعيون» وبناء على ذلك البيان. واتيح لنا ان نشاهد اولئك القتلة كيف كانوا يتبخترون ويرعبون الناس من خلال سيطرات ونقاط تفتيش في الطرقات، او بتجولهم في المناطق الشعبية وجلوسهم في المقاهي واعتداءاتهم على اعراض الكثير ممن وجهت لهم تهم ظالمة. وكانت تلك الآشهر كابوسأ مرعبا جثم على صدور الناس.
حقا كانت اياما كالحة للعراقيين، امتدت اشهرا من الثامن من شباط حتى انقلاب عبد السلام عارف، الذي نجح وقادة الجيش الكبار من اعضاء الاتحاد الاشتراكي العربي «الناصري» في العراق واعضاء في تنظيم الضباط الاحراروشخصيات سياسية عروبية، في اقصاء حزب البعث من السلطة في مثل هذه الايام قبل ثلاثة وخمسين عاما.