المنبرالحر

مشاريع الاسلام السياسي لن تحصد سوى الفشل (1) / فلاح علي

هنالك مقولة دارجة في السياسة مفادها لكي تكون قارئا سياسيا جيدا عليك ان تكون قارئا ا في التاريخ، وهذه الحقيقة يؤكدها علم السياسة والواقع والتجارب التأريخية ، حيث ان المعرفة بدراسة تأريخ الشعوب وتجاربها وحركاتها السياسية والثورية، تعطي قدرة على فهم المتغيرات ورؤية ومعرفة وتجربة ومعطيات غنية وتختصر المسافات والعمل للمستقبل بواقعية تصاعدية تفاؤلية وتجنب الانكسارات، ما اكدته تجربة حكم احزاب الاسلام السياسي في منطقة الشرق الاوسط، ان كل مشاريعها قد فشلت وتعرضت للعزلة المجتمعية والتراجع . وتؤكد التجربة ان هنالك قوى اقليمية ودولية مكنتها من الوصول الى السلطة باسم الديمقراطية لكنها خذلت شعوبها وفشلت في بناء الاوطان وتطوير المجتمعات ففشلت كل مشاريعها وفقدت السلطة واصبحت في وضع من الانكسار والعزلة والتراجع لا يحسد علية . وعلى صعيد بلدنا العراق لو درسنا بتمعن طبيعة النظام السياسي فيه والدولة القائمة ، وتوقفنا عند ظاهرة تخلف المجتمع وتمزيق النسيج الاجتماعي واضعاف للوحدة الوطنية والمآسي والحرمان الذي تعرض له الشعب وانتهاك الحقوق والحريات ...... الخ . لتوصلنا الى استنتاج ان طبيعة النظام السياسي يتحمل المسؤولية الاولى وبهذا لا بد من طرح السؤاليين التاليين :
السؤال الاول : ماهي الاسباب الجوهرية اوعوامل التراجع الخطيرة للمجتمع العراقي وتنامي وتعقد الازمات فيه في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية والتعليمية والصحية والامنية والبيئية ؟ مع العلم ان ( الاسباب القانونية والتشريعية تحظى بأولوية في الظرف الراهن وهل هي حقاً لصالح المجتمع والوطن ام انها تخدم اجندات لتجار السياسة والمتحاصصون طائفياً) .
السؤال الثاني : ماهي اسباب هذا الانغلاق او الانسداد في الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والقانوني والامني وحتى البيئي ؟
اني ارى من وجهة نظري ان المنطلق الاساس في الاجابة على هذين السؤالين تكمن في تحديد طبيعة النظام السياسي القائم في البلد. بلا شك ان طبيعة النظام السياسي في بلدنا قائم على اساس المحاصصة الطائفية والاثنية ويتصدر هذه المحاصصة قوى الاسلام السياسي . هذا اولاُ وثانياً ان قوى الاسلام السياسي الحاكمة ليس لديها مشروع وطني .
اذن ان احد اهم اسباب فشل مشاريع الاسلام السياسي :
هو غياب المشروع الوطني وبالذات المشروع الوطني الديمقراطي حيث به تبنى الاوطان وتقام دولة العدل الدولة المدنية التي يشرع فيها دستور ديمقراطي وبه تتطور المجتمعات ويضمن حقوق المواطنة ومصالح الشعوب . ان كل احزاب الاسلام السياسي سواء في العراق او في المنطقة تناصب العداء للمشروع الوطني الديمقراطي ، لهذا نجد ان كل تجارب ومشاريع الاسلام السياسي في المنطقة قد فشلت والاسلام السياسي في العراق في طريقة الى الفشل .
اذن ما هو جوهر مشروع الاسلام السياسي في مجال التشريع وسن القوانين :
ان مشاريع احزاب الاسلام السياسي تتركز حول سن قوانين وتشريعات تغيب مبدأ المواطنة وتنتهك الحقوق والحريات وتنتهك حقوق المرأة هذا اولاً، وثانياً تنتهك حقوق الاقليات الدينية والقومية، وثالثاً انها تناصب العداء لدستور ديمقراطي وان ادعت اعلامياً بدستور ديمقراطي ولكن انها تريدة ذات طبيعة مزدوجة تفسر موادة بما يلبي مصالحها واجنداتها المدمرة للمجتمع والوطن .
وان كان من مثال بهذا الخصوص :
هوتشريع الجعفري للاحوال الشخصية الذي يبيح زواج القاصرات وقانون الهوية الوطنية الذي ثبتت فيه المادة 26 بأنتهاك حقوق المواطنين من الاديان الاخرى وغيرها من القوانين، واخيراً وليس آخراً التشريع الاخير منع بيع وتداول المشروبات الكحولية. ان هذه المشاريع وغيرها عارضها الشعب ولم تجن غير الفشل، كما ستفشل المادة 14 الواردة في قانون واردات البلديات التي تمنع بيع وتداول المشروبات الكحولية لأنه كسابقاته من التشريعات المعادية لحقوق المواطن وحرياته الشخصية وحقوق الاقليات .
هنالك اسباب كثيرة ستعجل في نقضه وعدم تمريره، من هذه الاسباب :
1- انتهك الدستور وشرع بشكل مخالف للمادة الثانية من الدستور وبالذات الفقرة (ب لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية . والفقرة ج لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور .)
2- تم ادخال الفقرة الخاصة بمنع تداول وتناول المشروبات في الفقرة 14 لاحقاً اي بطريقة لا تخلو من الاحتيال .
3- القرار يخلق اضرارا اجتماعية واقتصادية للمجتمع والدولة على الصعيد الاجتماعي. ستنشط تجارة المخدرات وتنتشر الجريمة كما سيروج بيع المشروبات بأسعار عالية في السوق السوداء ، وعلى الصعيد الاقتصادي ستحرم خزينة الدولة من ايرادات الضرائب التي تفرض على بيع المشروبات الكحولية وستحرم عوائل من العيش لأنها تفقد فرص ما تعتاش عليه وهذا اضرار بالصالح العام للمجتمع والدولة .
4- عارضه السيد رئيس الجمهورية وتهيأ برلمانيون للطعن فيه لدى المحكمة الاتحادية وهناك معارضة شعبية واسعة له اتخذت ابعادا جماهيرية واعلامية وسياسية اضافة لوجود معارضة من شخصيات ملتزمة دينياً.
5- كما ان رئيس البرلمان الذي اسهم في تمرير اتخاذ القرار عاد وتراجع تحت هذا الضغط الواسع وقال انه لم يدرس من الجانب الاجتماعي والاقتصادي وسيتم الطعن فيه . لهذه الاسباب وغيرها سيتم نقض هذا التشريع وسيفشل وسيحصد مشرعوه الفشل والخيبة ولعنة الشعب لهم .
الاستنتاجات :
يعد هذا التشريع بمنع المشروبات الكحولية سابقة تأريخية خطيرة لم تحصل في المجتمع العراقي منذ عدة قرون . وقد تم تمريره في غفلة عن العديد من اعضاء البرلمان واللجنة القانونية، ولأجل وضع حد لأنتهاك الحقوق والحريات وانتهاك الدستور والتحايل علية لا بد من المعاقبة القانونية لكل من شرع ومرر هذه الفقرة المثبتة في قانون واردات البلديات .
1-ان يسارع النواب الحريصون على الدستور من الاسهام في رفع الحصانه عن القاضي الذي شرع ومرر الفقرة في القانون ومن مكنه من تمرير هذا المشروع . واحالتهم للقضاء وتجريمهم لأنهم زوروا وانتهكوا الدستور . لا سيما انه بقرارهم هذا ساهموا بانفلات الامن والامان واشاعوا الخوف في المجتمع واسهم قرارهم هذا بأرتكاب جريمة قتل يوم اول امس في البصرة في منطقة العشار حيث قتل رمياً بالرصاي مواطن صاحب محل بيع مشروبات كحولية . على الدولة ان تعوض عائلته مالياً وتعاقب الجناة بقسوة لأنها ستكرر هذه الجرائم في اماكن اخرى من قبل المافيات التي شرع القانون لصالحها .
2- انه قرار ملغوم وراءه مئارب أخرى وانه يمثل بالون اختبار في حالة نجاح تمريرة سيمررون قوانين أخرى جائرة ظالمة ذات اتجاهيين الاول تجاري نفعي يخدم مصالح فئوية والثاني ظلامي ينتهك ما تبقى من حقوق وحريات ويهيئ لبناء دولة اسلامية وكلا الاتجاهيين مدمران للمجتمع والوطن .
3- ان قيادات احزاب الاسلام السياسي وحاشيتهم في العراق لا هم رجال دين ولا هم رجال سياسة انهم بحق في حالة تحجر فكري وضعف معرفي وضعف في الكفاءة السياسية والعملية ولديهم قراءة خاطئة في كيفية التعاطي مع الواقع العراقي .بلا شك انهم تجار سياسة واصحاب مصالح ذاتية فئوية واصحاب اجندات اقليمية ضارة بمصالح الوطن والشعب ، هم يتقاتلون من اجل السلطة باسم الديمقراطية ويفصلون القوانين واللوائح والتشريعات حسب مقاساتهم لديمومة استبدادهم وهيمنتهم واستئثارهم .
4- ان احزاب الاسلام السياسي غالبيتها من كلا الطائفتين تشكل بيئة ملائمة وحاضنة ومفرخة للأرهاب بكافة انواعه ، لأن فكرها متحجر متطرف وخطابها طائفي مفرق ممزق للنسيج الاجتماعي ومدمر للوحدة الوطنية .
5- ان علماء الدين والمرجعيات الدينية جميعها معنية اليوم قبل الغد لطرح مبادرات لأصلاح الفكر الديني وجعله فكرا دينيا منفتحا يتقبل الآخر يؤمن بالحقوق والحريات ، ومبادئ الدين الاسلامي قائمة على العدل والتسامح والوقوف مع الحقوق والحريات، لكن الفكر الديني المتطرف الذي يتمثل في فكر الاسلام السياسي هو من اساء الى الدين قبل ان يسيئ للمجتمع والوطن والدولة والدستور .
6- لمبدأ المواطنة حقوق ذات ابعاد قانونية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتعليمية وبيئية ، الاسلام السياسي ينتهك هذه الحقوق والحريات بما فيها الحريات الشخصية . ان مبدأ المواطنة لا يستقيم الا بالدولة المدنية الديمقراطية التي فيها يصبح جميع المواطنين دون تمييز لا سيما المرأة التي تحصل على حقوقها كاملة اسوة بالرجل والمشاركة في اتخاذ القرارات الجماعية من منطلق ان الشعب يكون مصدر السلطات وليس كتلتين طائفيتين وكتلة قومية هم مصدر السلطات ويحتكرون القرار بالمحاصصة وتلغى وتهمش بقية التيارات السياسية والكيانات القومية والدينية ومنظمات المجتمع المدني .
7- ما اكدتة تجربة العراق منذ 2003 الى اليوم ان الاقليات الدينية هي اكثر وطنية ولديها طموح وطني لبناء دولة المواطنة وهذه السمة الوطنية و الانسانية والقانونية العادلة والرفيعة مفقودة لدى احزاب الاسلام السياسي، من هذا ان جميع الاقليات ومعهم الغالبية من ابناء الشعب العراقي هم مع الدولة المدنية الديمقراطية ويرفضون ويقاومون حلول ومشاريع الاسلام السياسي .
8- احزاب الاسلام السياسي تخلق مؤسسات خاصة بها وتوجد تداخل بين هذه المؤسسات ومؤسسات الدولة والمجتمع المثال هو الميليشيات المسلحة والمافيات تستخدمها كأذرع مساندة وداعمة لنشاطها اللاديمقراطي لتمرير مشاريعها باستخدام القوة لتهديد كل كيان وطني ديمقراطي او اقلية دينية او اثنية وهم بهذا يسهمون في انفلات التنافس السياسي السلمي وابعاده عن الضوابط الوطنية ومبادئ الديمقراطية والدستور .
9- لهذا ما اكدته تجربة المنطقة و العراق ان من مخاطر مشاريع احزاب الاسلام السياسي انهم عملوا على عدم استقلالية الدولة كمؤسسة وطنية اي انها من خلال قانون الانتخابات اللاديمقراطي بعد ان قسموا العراق الى دوائر بدلاً من الدائرة الواحدة والطريقة النسبية وسرقوا اصوات الكتل الصغيرة وهيمنوا على الدولة والبرلمان وحولوا الدولة الى كيان تابع لهم وهذا مخالف ليس فقط للديمقراطية ومصلحة الوطن والشعب وانما مخالف للدين .
10- شعبنا ووطننا بحاجة الى علاقة جدلية وطنية ديمقراطية تضمن هذه العلاقة التعايش والتواصل الطبيعي القانوني بين المواطن والدولة والوطن . وتكون قائمة على اساس مشروع وطني ودستور ديمقراطي لا لنظام المحاصصة الطائفية ومشاريعه وحكمه الذي مزق النسيج الاجتماعي واضعف الوحدة الوطنية وعرض الوطن للتقسيم وللمشاريع والاجندات الاقليمية والدولية .
30-10-2016