المنبرالحر

شمس العراق.. مستقبل واعد لإنتاج الكهرباء / المهندس لطيف عبد سالم

يمكن القول إنَّ رغبةَ أغلب حُكُومات العالم الارتقاء بمستوى واقع الطَّاقَة فِي بلدانِها عبر الركون إلى خيارِ إدخالِ الطَّاقَة البَدِيلة أو المُتَجَدِّدة (Renewable energy) فِي برامجِها الخاصَّة بإِنْتَاجِ الكَهْرَباء، تعود إلى عاملينِ أساسيين، أولهما اقْتِصَادِيَّ يتعلق بالخشيةِ مِنْ نفادِ الاحتياطات النَّفْطُية، وَالَّتِي بدأت ملامح نضوبها تخيم عَلَى أحاديثِ البَاحِثٌين والمُتَخَصِّصين فِي المجالِ الاقْتِصَادِيَّ، فضلاً عَنْ ارتفاعِ أسعارِ النَّفْط المستخدم كوقودٍ في محطاتِ توليد الطَّاقَة الكَهْرَبائِيّة. أما العامل الآخر فِي هَذَا المنحى، فإنَّ دعامته ذات جنبة بيْئَية متأتية مِنْ أثرِ الوَقُود الأُحفُوريّ المستخدم فِي صِّنَاعَةِ الكَهْرَباء فِي تفعيلِ العوامل المساهمة في نشوءِ ظاهرة الاِحْتِباس الحَرارِيّ (Global Warming)، بالإضافةِ إلَى التَلَوَّثِ البيْئَي الناجم عَنْ الوقود التَقْليديّ، وَالَّذِي أصبح هائلاً عَلَى مستوى العَالم.
لا رَيْبَ فِي تنامى القلق بأروقةِ الْمُجْتَمَع الدَوْليّ بفعلِ الْهَوَاجِسِ مِنْ خطورةِ التداعيات المترتبة عَلَى تَلَوَّثِ بيْئَةِ الحَياة المتأتية مِنْ تَعدُّدِ حوادث انفجار المحطات النَّوويّة وَالأمطار الحَمْضِيَّة (Acid rain ) ، فضلاً عَنْ تسربِ النَّفْط وَالأنْشِطَةِ البَشَريَّة الأخرى المساهمة في ارتفاعِ درجة حَرَارة الأَرْض، ولاسيَّما الفعالياتِ اليومية المؤدية إلى طرحِ حجوم كبيرة مِنْ غَازِ ثاني أوكسيد الكَرْبُون. وهو الأمر الَّذِي حَفَزَ الإدارات المعنية عَلَى السعي إلى إيجادِ بدائلٍ عَنْ الفحمِ وَالنَّفْط وَالطَّاقَة النَّوويّة، فكانت الطَّاقَة المُتَجَدِّدة تشكل أفضل الخيارات آمنة الاستخدام المطروحة عَلَى طاولةِ البحث، مع العلم أنَّ مصادرَ الطَّاقَة البَدِيلة ليست خالية تماماً مِنْ مُشْكِلةِ التَلَوَّث البيْئَي، إلا أنَّ هناك مجالاً واسعاً مِنْ الخياراتِ الَّتِي تفضي إلى جعلِ ضررها البيْئَي أقل بكثيرٍ عَنْ ما تحدثه مصادر الطَّاقَة التَقْليديّة.
بالاستنادِ إلى النتائجِ المتحصلة مِنْ الدراساتِ الَّتِي أجرتها المراكز البحثية، وجد أنَّ أفضلَ التِقْنِيَّات الواعدة فِي مجالِ صِّنَاعَة الكَهْرَباء بواسطةِ المتاح مِنْ أنواعِ الطَّاقَة المُتَجَدِّدة تتمحور حَوْلَ الآلية الَّتِي بوسعِها تسخير طَّاقَة الشَمْس لهَذَا الغرض, إذ أنَّ التحويلَ الحَرارِيّ المباشر للإشعاعات الشَمْسية إلى طَّاقَةٍ كَهْرَبائِيّة عبر الخلايا الشَمْسية يُعَد بحسبِ المُتَخَصِّصين صِّنَاعَةُ اِستراتيجيّة؛ كونها إحدى مصادر الطَّاقَة المستقبلية، وَالَّتِي ينظر إليها بوصفِها تِقْنِيَّة جديدة وَمتطورة مِنْ شأنِها التأثير بشكلٍ إيجابي فِي المحافظة عَلَى مصادرِ الطَّاقَة التَقْليديّة؛ لتميزها نسبياً عَنْ التِقْنِيَّاتِ المستخدمة فِي مصادرِ الطَّاقَة الأخرى ببساطةِ تِقْنِيَّتها وعدم تعقيد آلياتها، بالإضافةِ إلَى المساهمةِ في توفيرِ عامل الأمان البيْئَي؛ لاعتباراتٍ تتعلق بكونِها طَّاقَة مجانية نظيفة غير ناضبة، لا تخلف آلياتها نفايات أو مخلفات ملوثة للبيْئَة، الأمر الَّذِي أكسبها وضعاً خاصاً فِي ميدانِ إِنْتَاج الكَهْرَباء.
ومِنْ نافلةِ القولِ إنَّ الشَمْسَ تُعَد المصدر الرئيس للطَّاقَةِ عَلَى كوكبنِا، إذ منها توزعت الطَّاقَة وَتحولت إلى مصادرٍ أخرى، سواء ما كان مِنها مخزوناً فِي طَّاقَة حَرارة باطن الأَرْض، طَّاقَة الرَيَّاح، طَّاقَة المَساقِط المائيَّة، طَّاقَة الكُتْلة الحَيَويَّة، طَّاقَة حَرَكة الأَمْوَاج وَغيرها مِنْ أنواعِ الطَّاقَة. إذ تعرف الطَّاقَةِ الشَمْسِيَّة (Solar Energy ) بوصفِها الحرارة والضوء القادمان مِنْ الشَمْس، واللذان سخّرهما الإنسان منذ القدم فِي خدمتِه عبر الاهتداء لاستخدامِ بعض الوسائل التَقْليديّة، إلى جانبِ استمرار مثابرته فِي تطويرِ الطرائق التِقْنِيَّة الَّتِي بوسعِها تلبية متطلبات ما تباين مِنْ فعالياتِه.
جدير بالإشارةِ إنَّ الطَّاقَةَ الشَمْسِيَّة ينظر إليها بوصفِها المصدر الأساس لجميعِ أنواعِ الطَّاقَة المُتَجَدِّدة الأخرى الموجودة عَلَى سطحِ الأرض باستثناءِ طَّاقَتي المَدّ والجَزَر، وَحَرارة باطن الأَرْض. وَهو الأمر الَّذِي حفز الإدارات الصِّنَاعِية لاسْتِثْمارها بقصدِ استخدامها فِي مختلفِ الأنْشِطَة البَشَريَّة مِنْ خلالِ اعتمادِ عمليات التسخين المباشر أو عبر استخدام الطرق المِيكانِيكِيَّة وَ الضَّوْئيَّة، وَالَّتِي بمقدورِ آلياتها تحويل طَّاقَة الشَمْس إلى طَّاقَةٍ كَهْرَبائِيّة بواسطةِ ألواح تحوي خلايا ضَوئِيَّة، مع العرضِ أنَّ هَذَا التوجهَ بإمكانِه المساهمة فِي حلِ الكثير مِنْ مُشْكِلاتِ الطَّاقَة حول العالم. وَمِنْ المهمِ الإشارة هنا إلى أنَّ التعاملَ مع طَّاقَةِ الشَمْس يقتصر فِي الغالبِ عَلَى ساعاتِ النهار، الأمر الَّذِي ألزم الجهات المصنعة بإيجادِ الوسائل الكفيلة بتجميعِها، بالإضافةِ إلَى المتاحِ مِنْ أساليبِ تخزينها، حيث يجري الاحتفاظ بها عَلَى هيأةِ حَرَارة باستخدامِ أَجْهِزةٍ تعتمد آليات عملها عَلَى عددٍ من التقنياتِ الَّتِي تقوم بمُهِمّةِ حفظها فِي مستودعاتِ تخزين الطَّاقَة الحراريَّة لاستخدامها لاحقًا بقصدِ معادلة الطلب عَلَى الطَّاقَة ما بين الليل وَالنهار، ولاسيَّما الآليات الَّتِي تدخل فِي مراحلِ عملها موادٍ طَبيعيَّة لها قدرة عَالية عَلَى الاحتفاظِ بالطَّاقَةِ الحراريَّة لمدةٍ طويلة، مثل الأحجار، الماء وَالأملاح المنصهرة، حيث تُجمع الطَّاقَة الحراريَّة لأجلِ استخدامها لاحقًا فِي مختلفِ التطبيقاتِ، مثل أَجْهِزة التَدْفِئة أو التَدْفِئة المَنْزِلية أو فِي سخاناتِ تَدْفِئة المياه.
فِي وقتٍ تتواصل فِيه محاولات خبراء الطَّاقَةَ الشَمْسِيَّة ومجموعة مِنْ الباحثين لتطويرِ ألواحها، بغية جعلها أكثر فاعليه بقصدِ تجميعِ أكبر قدر ممكن مِنْ أشعةِ الشَمْسِ الساقطة عليها، فضلاً عَنْ تقليلِ كلفة عملية تصنيعها، كان مِنْ الضروري أَنْ تحدثَ طفرة فِي طرقِ تخزين هذه الطَّاقَةِ لأطولِ فترة زمنية ممكنة لتلافي غيابها فِي فتراتِ غياب الشَمْسِ، إذ ما يَزال البحث عَنْ طرائقٍ حديثة لتخزينِ الطَّاقَةِ الشَمْسية جارياً عَلَى قدمٍ وساق، حيث أفرزت التجارب بعض الأساليب الممكن اعتمادها فِي هَذَا المسارِ العلمي، ولعلَّ مِنْ أبرزِها بطاريات السريان المعدنية ( flow batteries )، وَالَّتِي تُعَد قيد الاستخدام منذ عام 1980 م، حيث تقوم فكرة هذه الآليةِ عَلَى استخدامِ آيونات الفناديوم لتخزينِ الطَّاقَةِ الكَهْرَبائِيّة ثم أعادة استخدامها بوصفِها قابلة للشحن، إلا أنَّ الجانبَ السلبي فِي هَذَا المنحى يتجسد بغلاءِ ثمن عنصرَ الفناديوم، الأمر الَّذِي دفع العلماء إلى اللجوء إلى خيارٍ آخر تجسد بعرضِ فكرة جديدة مستوحاة مِنْ خلايا الوقود (fuel Cells) المستخدمة فِي مدِ المَرْكَبَات الفَضَائِيَّة بالطَّاقَة، وَالَّتِي تقوم فلسفتها بالأساسِ عَلَى الاستفادةِ مِنْ التفاعلاتِ الجارية فِي المركَّباتِ العُضْوِيَّة مثل الميثانول لأجلِ تحويل الطَّاقَة الكِيمْيَائيّة الكامنة فِيها إلى كَهْرَباء. وَمِنْ المناسب التنويه هنا إلى أنَّ هَذَا التوجه الَّذِي بدأ فِي التطورِ منذ عام 2013 م ، وَما يَزال جارياً حتى الآن حقق نجاحاً مذهلاً بفعلِ رخص أثمان المركَّبات العُضْوِيَّة، وَالَّذِي مِنْ شأنِه المساهمة فِي الحصولِ عَلَى قدرةِ تخزينٍ عالية بتكلفةٍ أقل، إذ أنَّ كلفةَ الكيلو واط / ساعة أصبحت أقل مِنْ ربعِ سنت، بالإضافةِ إلَى أنَّ هَذَا النوعِ مِنْ البطارياتِ بوسعه القيام بأكثرِ مِنْ ( 5000 ) دورة تفريغ عميقة. وَفي عام 2015 م تكللت جهود المطورين باستخدامِ مواد غير سامة فِي آليةِ عمل هذه البطارياتِ. وَفِي بدايةِ عام 2014 م جرى الإعلان فِي جامعةِ نورث كارولينا عَنْ طريقةٍ أخرى لتخزينِ الطَّاقَةِ الشَمْسية عَلَى شكلِ هيدروجين بدلاً مِنْ الكَهْرَباء. وَتقوم آلية هَذَا الإجراء، وَالَّذِي لا يَزال فِي مرحلةِ البحث والتجربة عَلَى تفكيكِ الروابط ما بين عناصر الماء لغرضِ الحصول عَلَى عنصرِ الهيدروجين تمهيداً لوضعِه فِي خزاناتٍ خاصة قبل حرقه بقصدِ الحصول عَلَى الطَّاقَة. وَيَبْدُو أنَّ الطموحَ لم يتوقف عند هَذَا الحد، إذ تجري محاولات جادة لتقليلِ الاِنبِعاثات الكَرْبُونية فِي الهَوَاءِ باعتماد آلية تخزينِ الطَّاقَة فِي غاز ثَاني أوكسيد الكَرْبُون عَنْ طريقِ تحويله إلَى ميثانول، ومن ثم حرق الميثانول كوقودٍ للحصولِ عَلَى الطَّاقَةِ منه قبل تحويل ثاني أوكسيد الكَرْبُون الناتج من عمليةِ الاحتراق إلى ميثانول مرة أخرى فِي عمليةٍ مغلقة, شريطة أَنْ تتم عملية التحويل إلى الميثانول بواسطةِ استخدامِ الطَّاقَةِ الشَمْسية. وَمعَ تواصل الجهود البحثية، لا تَزال طريقة تخزين الطَّاقَة الحراريَّة فِي خزاناتٍ حراريَّة شائعة الاستخدام، حيث جرى تنفيذها فِي عددٍ مِنْ محطاتِ الطَّاقَةِ الشَمْسية. وَالْمُلْفِتُ أَنَّ الوسطَ المعتمد فِي هذه الوسيلةِ يتجسد باستخدامِ الأملاح المنصهرة، وَالَّتِي تستطيع أَنْ تخزن كميات طَّاقَةِ حراريَّة كبيرة مِنْ دُونِ أَنْ تتعرض إلى تغييرٍ فِي حالتِها.
لا يخامرنا شك فِي أنَّ ما أعلنته مؤخراً إحدى الشركات الأمريكية حَوْلَ قيامها بتطويرِ نظامٍ جديدٍ لتوليد الطَّاقَةِ بعد غروب الشَمْس، يُعَد فِي حال ظهوره إلى أرض الواقع نقلة نوعية فِي تِكْنُولُوجيا الطَّاقَة الشَمْسِيَّة، حيث أكدت إدارة الشركة عَلَى أنَّ هذه التِقْنِيَّةِ الحديثة قد تقود فِي المستقبلِ القريب إلى خفضِ كلفة الطَّاقَة الشَمْسِيَّة، فضلاً عَنْ زيادة مبررات الاعتماد عَلَيها، وجعلها منافساً قوياً لمصادرِ الطَّاقَة الكَهْرَبائِيّة التَقْليديّة الأخرى.
إنَّ تزايدَ معدلات الطلب عَلَى الطَّاقَةِ فِي ظلِ اعتماد الإنْسَان بشكلٍ رئيس عَلَى مصادرٍ غير مُتَجَدِّدة لتغطيةِ متطلبات ديمومة معيشته، وَالَّتِي أفضى استخدامها إلى الأضرارِ ببيْئَةِ الحياة، يُعَد مِنْ بين أبرز وَأهم العوامل المحفزة للبحثِ عَنْ مصادرٍ أخرى، فكان الاتجاه صوب اِسْتِغلال مصادر الطَّاقَة المُتَجَدِّدة، ولاسيَّما الطَّاقَةَ الشَمْسِيَّة بكافةِ الطرق المتاحة؛ لاستدامةِ هذه المصادر وَنظافتها. وَهو الأمر الَّذِي ألزم بعضِ البلدان فِي محيطِ العراق الإقليمي بالسعي عبر خطوات حثيثة إلى إقامةِ مَشروعَاتٍ تقوم مقاصدها عَلَى اسْتِثْمارِ طَّاقَةِ الشَمْس، انعكاساً لبرامجِ سياساتها الرامية إلى التخلي عَنْ استخدامِ الوقود السائل لأجلِ توفيره للأغراضِ الخاصَّة بوسائلِ النَّقْل، وَوضعها مواعيد محددة لإتمامِ إنجازِ برامجها المتعلقة بتوليدِ الكَهْرَباء مِنْ طَّاقَةِ الشَمْس، فيما العراق الَّذِي يتمتع بوفرةٍ كبيرة مِنْ هذه الطَّاقَةِ الَّتِي تزخر بها أجواؤه فِي أغلبِ أشهر السنة، لا يَزال يعتمد بشكلٍ رئيس عَلَى الوقودِ السَائل فِي مُهِمّةِ تأمين إمدادات الطَّاقَة الكَهْرَبائِيّة للمستهلكين. إذ بالإمكانِ اِسْتِغلال الشَمْس الَّتِي تسطع فِي سماءِ العراق بشكلٍ دائم لأجلِ توظيفها فِي مجالاتٍ عدة، مِنْ بينها استخدام الواح الطَّاقَة الشَمْسِيَّة لتوليدِ الكَهْرَباء بقصدِ إضافتها إلى الناتجِ المحلي المستخدم فِي المنازلِ وَالمكاتب وَالأسواق وَالمصانع وغيرها مِنْ أنْشِطَة الحياة اليومية، بالإضافةِ إلَى تجهيزِ القرى وَالمناطق الريفية والقصبات النائية والحدودية بإمداداتِ الكَهْرَباء، بالإضافةِ إلَى أنَّ الحاجةَ ما تَزال قائمة لإنارةِ الشوارع الرئيسة وَبقية الطرق فِي مدنِنا، إلَى جانبِ تشغيل الإشارات الضوئية الخاصة بالنظامِ المروري باستخدامِ موارد الطَّاقَة الشَمْسِيَّة.
وَ قد بات مِنْ الضروري، أمام تحديات النقص الشديد بإمداداتِ الطَّاقَةِ الكَهْرَبائِيّة الركون إلى آليةِ توظيف طَّاقَة الشَمْس فِي مُهِمّةِ تلبيةِ بعض احتياجات القِطاع الزَّرَّاعي بقصدِ المساهمة فِي إنْمَاءِ اقْتِصَادِ البِلاَد وَإِنْعَاشه وَتَطْوِيره، ولعلَّ فِي المُقدِّمةِ مِنْ هذه الإجراءاتِ استخدامها فِي توليدِ الكَهْرَباء لأغراضِ تطوير الرَيّ الحقلي للأراضي الزَّرَّاعية، بغية توفير نسبة لا يستهان بها مِنْ ميَاه الرَيّ لِزرَاعةِ بعض المناطق المشمولة بالخطةِ الزَّرَّاعية. وَيضاف إلى ما تقدم إمكانية استخدام الطَّاقَة الشَمْسِيَّة بمُهِمّةِ رفع ميَاه الآبار فِي مَشْروعاتِ استصلاح الأراضي الزَّرَّاعية؛، لأجلِ توفير نسبة مِنْ إمداداتِ الطَّاقَة الكَهْرَبائِيّة، فضلاً عَنْ الحفاظِ عَلَى خزَانِ المَاء الجوفي مِنْ الاستنزافِ وَالهدر. ويمكن القول إنَّ الاهتداءَ إلى اعتمادِ الطَّاقَة الشَمْسِيَّة فِي الأنْشِطَةِ الزَّرَّاعية، يفضي فِي نهايةِ المطاف إلى ترشيدِ استخدام الكَهْرَباء، وَتوفيرِها لفعالياتٍ بَشَريَّة أخرى، بالإضافةِ إلَى فاعليتِها فِي الحدِ مِنْ التلوثِ الناتج عَنْ التعاملِ مع الوَقُودِ الأُحفُوريّ. وَأَدْهَى مِنْ ذلك الإيرادات الْمَالِيَّة المتحققة للمزارعين خلال فترات توقف الزَّرَّاعة جراء بيع الكَهْرَباء الفائضة إلى الشَبَكةِ الوَطَنيّة.
لا رَيْبَ أَنَّ إدارةَ الكَهْرَباء فِي العراق ملزمة بالبحثِ عَنْ الاستراتيجياتِ الَّتِي تفضي إلى استغلالِ مصادر الطَّاقَةُ المُتَجَدِّدة مثل الشَمْس، الرَيّاح، وَالمصادرِ المائية المتاحة فِي البلاد؛ باعتبارها مصادر طَبيعيَّة يمكن اسْتِثْمارها مِنْ قبلِ إدارة الطَّاقَة فِي إقامةِ مَشْروعاتٍ لتوليدِ الكَهْرَباء، دعامتها الرئيسة تِقْنِيَّات جديدة لأجلِ تحقيق الأهداف الاِستراتيجيّة المفترضة لهَذَا القِطاعِ الحيوي، وَالمتمثلة بإضافةِ قدرات توليدية متنوعة المصادر بقصدِ المساهمة فِي تأمينِ إمدادات الطَّاقَةُ الكَهْرَبائِيّة للمستهلكين، وَالمعاونةِ في تغطيةِ متطلبات التَّنْمِيَة بالبلاد، بالإضافةِ إلَى الحدِ مِنْ انبعاثِ غاز ثاني أوكسيد الكَرْبُون وَالمساهمة فِي توفيرِ ملايين الأطنان مِنْ النَّفْط.
غَنِيٌّ عَنِ البَيَانِ أَنَّ العراقَ يتمتع بثراء كبير فِي مجالِ طَّاقَة الشَمْس، الأمر الَّذِي يفرض عَلَى إدارةِ الطَّاقَة فِي البلادِ أَنْ لا تدخر جهداً فِي الاتجاه صوب استغلالِ هَذَا الثراءِ وَتسخيره لُمهِمّةِ توليد الكَهْرَباء عبر توجه فعال فِي إطارِ استراتيجية التَّنْمِيَة الوَطَنيّة، يلزم إدارةِ قِطاع الطَّاقَة الشروعِ فِي إعدادِ خطَّةِ عمل طويلة الأمد، فلسفتها ترتكز عَلَى دعمِ وَتشجيع المَشْروعات الخاصَّة باستخدامِ تكنولوجيا الطَّاقَةُ الشَمْسِيَّة فِي تأمينِ إمدادات الكَهْرَباء، وَالوصول بمشاركتِها إلى نسبةٍ مؤثرة مِنْ إجمالي الإِنْتَاج المَحَلِّيَّ فِي ظلِ تنامي التحذيرات حَوْلَ نضوب مصادر الطَّاقَة الأُحفُوريّة، لأن التِكْنُولُوجيا النظيفة المتمثلة بالطَّاقَةِ المُتَجَدِّدة تُعَد بوصفِها المسار التِقْنِيّ الضامن للكثيرِ مِنْ الإيجابيات، ولاسيَّما المساهمة فِي تحسينِ البيْئَة، وَخفض غازات الاِحْتِباس الحَرارِيّ، فضلاً عَنْ التغلبِ عَلَى نُضُوبِ الموارد الطَبيعيَّة للإنتاجِ التَقْليديّ للطَّاقَة.
لَعَلَّنا لا نبعد عَنْ الواقعِ أو نبالغ إذا قُلْنَا إنَّ مستقبلَ مَشْروعات الطَّاقَةُ الشَمْسِيَّة فِي العراق سيخطو خطى سريعة فِي حالِ توفر الدعم الحُكُومي لمَشْروعاته، وَالَّتِي يمكن أَنْ تحظى بتمويلٍ مِنْ بعضِ الجهات العالمية مثلما هو حاصل فِي بعضِ دول المنطقة، وَالَّتِي استفادت مِنْ دعمِ الاتحاد الأُورُبِيّ الَّذِي يتبنى ما يعرف بـ (مَشْروعات الشَمْس المتوسطية) الرامية إلى اِسْتِغلالِ منطقة المتوسط فِي توليدِ الكَهْرَباء لأجلِ تصديرها إلى دولِ الشمال، ولعلَّ مِنْ المناسبِ الإشارة هنا إلى الاهتمامِ الكبير الَّذِي أولته مؤخراً الحُكُومة المصرية لاستخدامِ تِكْنُولُوجيا الطَّاقَة الشَمْسِيَّة فِي صناعةِ الكَهْرَباء، إذ قامت بالتعاونِ مع البنكِ الدولي وَبنك التعمير الألماني والمفوضية الأُورُبِيَّة بتنفيذِ مجموعة مِنْ المحطاتِ الشَمْسِيَّة؛ أملاً فِي الدخولِ مستقبلاً ضمن مَشْروعات الربط الكَهْرَبائِي إلى أوروبا بواسطةِ قابلوات بحرية تمر عبر مجموعة الجزر اليونانية.
أَمْرٌ مُسَلَّمٌ بِهِ أنَّ الطلبَ يتنامى فِي العراق عَلَى الطَّاقَةِ الكَهْرَبائِيّة فِي ظلِ النقص الشديد في إمداداتِها عَلَى الرغم مِنْ ضخامةِ الأموال الَّتِي بددت بدعوى إعادة البَنِيَّة التَّحْتِيَّة إلى هذا القِطاعِ الرائد، بالإضافةِ إلى ما يفترض مِنْ إجراءاتٍ لتطويرِ موجوداته، ما أدى إلى مواجهةِ الحُكُومة وَإدارة قِطاع الكَهْرَباء بشكلٍ خاص مُشْكِلةٍ متداخلة العوامل. وَمِنْ البديهي أَنْ يفضي هَذَا الواقع إلى زيادةِ مساحة المطالبات الشعبية بضرورةِ ركون إدارة الكَهْرَباء إلى أساليبِ الإدارة الحديثة وَالبحث العلمي مِنْ أجلِ الارتقاء بأداءِ قِطاع الكَهْرَباء فِي البلاد، ولعلَّ مِنْ بينِ محاور المعالجات الْمَوْضُوعية الخاصة بمواجهةِ هذه الأَزْمَة الخانقة هو التوسع فِي مَشْروعات صناعة الكَهْرَباء باستخدامِ تِكْنُولُوجيا الطَّاقَة الشَمْسِيَّة، بوصفِها طَّاقَة نظيفة وصديقة للبيْئَة، فضلاٍ عَنْ قدرتِها عَلَى المساهمةِ فِي الحفاظِ عَلَى فاعليةِ الشبكة الكَهْرَبائِيّة الوَطَنيّة مِنْ خلالِ التوجه إلى تنويعِ مصادر التوليد؛ تحسباً لنضوبِ بعضِها.
عَلَى الرغمِ مِنْ توجه أمريكا وَالدول الأُورُبِيَّة، فضلاً عَنْ بلدانٍ أخرى مُتَقَدِّمة صوب اِسْتِغلال الطَّاقَة الشَمْسِيَّة، إلا إنها أخفقت فِي تحقيقِ استفادة قصوى مِنْ إمكانيةِ توظيف هذه الطَّاقَةِ النظيفة الواعدة بفعالياتٍ مؤثرة فِي مُهِمّةِ تَّنْمِيَة اقْتِصَاداتها وَتحسين بيْئَة الحياة عَلَى كوكبِنا؛ بالنظرِ إلى قلةِ الفترات الزمنية لسطوعِ الشَمْسِ فِي أغلبِ مناطقها. وَهو الأمر الَّذِي يضعنا أمام سؤال محوري تتمحور مضامينه حَوْلَ صواب استمرار مراهنة إدارة الطَّاقَة فِي بلادِنا عَلَى الوَقُودِ الأُحفُوريّ مصدراً أساسياً لصناعةِ الكَهْرَباء عَلَى الرغمِ مِنْ التحولاتِ الكبيرة فِي مجالِ اسْتِثْمار الطَّاقَة المُتَجَدِّدة، وَالَّتِي ستفضي مِنْ دُونِ أدنى شك إلى تعزيزِ الاقْتِصاد الوَطَنِيّ وتحسين الواقع البيْئَي؟.