المنبرالحر

الحزب الشيوعي العراقي شموخ دائم وتحد لا نضير له / جواد وادي

مرة أخرى يستنهض الشيوعيون هممهم من جديد رغم قسوة الضربات التي تلقوها عبر حقبة البعث الفاشي وما قبلها، لم تكن تكلك الضربات الحاقدة بنت وقتها، بل سبقتها طعنات غادرة وتحت يافطات عديدة، كلها كانت تستهدف الخطر المحدق الذي تشم رائحته قوى الظلام والتخلف من الشوفينيين والحاقدين والطارئين وغيرهم.
كانت مراهناتهم يأن تلك الضربات ستكون القاصمة لتنهي ذلك الأرق الدائم والخوف من وجود حزب لا كباقي الأحزاب والكتل التي مرت وتمر ولعلها ستبقى تتناسل في أقبية الكذب والرياء، بمراهنات يقينا ستكون كسابقاتها من الاستهدافات التي أحبطتها صخرة الحزب التي جبلت من تراب العراق لتصبح أصلب وأجلد مما يتصور الحاقدون. إنه حزب من طراز خاص لم يألفه القتلة، ولم يفقهوا سر صموده.
كم كانت فرحتي في تلك اللحظات الآسرة التي كان يغمرها الفرح والمسرات وهي تستحضر تاريخ الحزب الذي عشناه بكل تفاصيله منذ أن وعينا على أبجديات العمل السياسي، وترعرعنا على مبادئ مغايرة للسائد آنذاك لأننا وجدنا، رغم يفاعتنا السياسية وبداية إعجابنا برجال ونساء عاصرناهم، بأننا أمام عراقيين يختلفون بالمطلق عن الراهن السياسي آنذاك وما كان عليه سياسيو تلك المرحلة من ترهل فكري وسطحية في الوعي وقصور في الفهم الحقيقي للنضال الطبقي الذي تجسد وبوضوح في حجم التضحيات التي كان يقدمها أولئك الرفاق لتشكل دروسا حقيقية في الوطنية، عزز موقفنا وتعلقنا بأفكار الشيوعيين، ذلك الحماس والتوجه المدروس في ضرورة التزود بالمعرفة والتحصيل الثقافي والفكري الذي كان يشكل حجر الزاوية والأساس الذي يشكل شخصية الرفيق ويمنحه وعيا متميزا كفيلا بأن يكون أكثر صلابة ودفاعا وتضحية، انطلاقا من كون الثقافة العتبات الأولى للانتماء لذلك الحزب الذي يزاوج بين النضال وقوة الشكيمة والإيمان العارف بقدسية الفكر، وبين ما للوعي الحزبي والثقافي والفكري والاستشراف على ثقافات ومفاهيم وأفكار توفر للرفيق الحصانة الفكرية الحقيقية والبناء الصلب للشخصية الشيوعية. وما نحن فيه الآن مرده الوعي الذي تربينا عليه والتوجه الفكري الذي كان ولا زال مرجعية المناضل الحقيقي.
هذا التوصيف لما كان عليه الشيوعيون لم يكن عابرا أو مؤقتا أو ابن لحظته، بل كان من أساسيات الانتماء لهذا الفصيل السياسي العراقي الشامخ، من هنا عرفنا سر بقاء الحزب بهذا الصمود المذهل، رغم ما عاناه من قمع وقتل وتصفيات واعدامات وملاحقات وتهجير ومحاولات شراء الذمم وغيرها من الممارسات التي كان يراهن عليها القتلة، تصورا منهم بأن تلك الضربة ستكون نهاية هذا العملاق المخيف.
وها نحن اليوم بعد مرور من يناهز 82 عاما من الحضور النضالي المتفاوت، ضمن فترات رخاء نسبي، وعمل سري وملاحقات مجرمة، نجد الحزب يخرج من جديد ويقف بشموخ وبحضور جماهيري لافت وحب يمنحه العراقيون له، رغم كل محاولات القتلة والحاقدين وما قدمه الحزب من جيوش وقوافل من العسير عدها، من الشهداء والمغيبين والمناضلين الأشاوس الذي نذروا حياتهم من أجل المبادئ النبيلة وما تربوا عليه من شكيمة وصمود مذهلين أدهشت الطغاة، فبقى الحزب صامدا ليجدد حضوره ويبدأ مرحلة جديدة من النضال اليوم تواصلا مع ما مر من تضحيات، فلا غرو أن نقارنه بطائر العنقاء الذي يجدد رغم حرائقه، وجوده من رماد تلك الحرائق، ومثلما ذلك الطائر الخالد كذلك، متميزا بالجمال والقوة.
تحية اكبار واجلال لحزبنا الشيوعي العراقي، بقوافل شهدائه ومناضليه، والأوفياء لمبادئه، من شيب وشباب، نساء ورجالا، وكل من انتمى وينتمي لهذا الحزب المقدام وبقي وفيا لتاريخه النضالي الحافل بالعطاء، من رفاق الأمس، وشباب اليوم الطالعين مثل نخل العراق بسموقه وتحديه ومقاومته لكل الأعاصير.
نبارك لحزبنا المقدام مؤتمره العاشر، وكلنا آمال جسام ما خبت يوما ولا هدأت جذوتها، بتحقيق إنجازات قادمة على الصعيد الوطني والتنظيمي، والسعي لبناء الدولة المدنية طريق الخلاص مما يعيشه العراق اليوم من اشتباكات سياسية، اختلط فيها الحابل بالنابل، لمحاربة الفساد والتفرد السياسي، مكررين ذات أخطاء النظام البعثي المندحر، والوقوف بوجه تيارات الظلام والتخلف لتغييب الحرية الشخصية وهدر كرامة الانسان العراقي، التي ينبغي أن تكون أثمن شيء في الوجود، وتصحيح المسار الأهوج الذي تسير عليه العملية السياسية والقضاء على المحاصصة والطائفية المقيتة، وصولا لبناء الانسان والوطن.
وهي الأهداف الأسمى والاقدس من محاولات طمسها، لتغليب المنافع الحزبية الضيقة التي لوثّت وتلوثّ الوضع برمته بسياسات خرقاء، ستحرق أصحابها قبل معارضيها.
لكم رفاقي داخل وخارج الوطن الغالي كل الود والتقدير والاعتزاز
ستبقون مفخرة لنا ورفعة رأس ما انحنى ولن ينحني أبدا، ما دام حزبنا بذات الشموخ والاباء.