المنبرالحر

الموازنة.. أول الفسادات / علي علي

ليس جديدا الحديث عن الموازنة وإرباكات قراءاتها وخلافات التصويت عليها تحت قبة برلماننا، او فلنقل في حلبة برلماننا من باب التوصيف الدقيق والتشبيه الأصوب. فبتقليب أوراق السنوات القليلة الماضية، يبرز واضحا ومسموعا حديث التلاعب بموازناتها، ولعلي أفلح إن شبهته بالحديث عن سبايكر، ووجه الشبه هذا يكمن في جوانب عدة؛ أولها أن الإثنين جريمتان، والإثنان أيضا يمسان المواطن بالدرجة الأولى والأخيرة، وكذلك الإثنان يشكلان وصمة معيبة لاتشرف أية حكومة او دولة او حتى فرد، أن تحسب عليه او عليها. وثانيها أسلوب التمييع والتسويف في إدارة ملفيهما، وثالثها الشرخ الكبير الذي يتسببان به بين المسؤولين عن كل منهما وبين المواطن.. فالأخير وصل إلى قناعة مريرة بواقع أكثر مرارة، هي أن حقوقه ومستقبله على كف عفريت. إذ اتضح لديه ان ثروات بلده يتلاعب بها "سراق" محصنون.. مدعومون.. منزهون.. مزكَون، بإمكانهم شفط أموال البلد بطرق خفية على الحاكم والرقيب، وكذلك غير قابلة للكشف من قبل "نزاهة" او "مساءلة" أو أية جهة رقابية أخرى.
ولو عدنا بالزمن والأحداث الى الوراء قليلا، فإن المركز العلمي للدراسات التنموية في العاصمة البريطانية لندن، دعا حينها الحكومة العراقية إلى إعادة صياغة موازنة 2014 بشكل كامل بما يتناسب مع ظروف العراق وأوضاعه الاقتصادية الصعبة. فالعجز المالي في هذه الموازنة كان يشكل نصفها، وتجاوزت قيمته 75 مليار دولار ما يعني أن العراق في وضع مالي صعب جداً. يضاف إلى ذلك أعباء الحرب التي يخوضها العراق والتي تزيد تكلفتها على إيرادات العراق المالية. فالتكلفة العالية للملف الأمني والإنفاق على القوات المسلحة، إضافة إلى عبء إيواء النازحين الذين وصل تعدادهم رقما مخيفا، شكل ضغطاً كبيراً على هذه الموازنة، ما دفع إلى مناقلة أموال من الموازنة الاستثمارية لتمويل هذه النفقات، وهذا لعمري تجسيد لمثلنا القائل؛ (يغطي الشمس بالمنخل). يضاف إلى ذلك مبالغ عالية من السلف والقروض التي زادت من قيمة العجز، إذ تم تمويل العديد من النفقات من خلال السلف التي تجاوزت 60 مليار دولار، و8 مليار دولار سحب على المكشوف، في حين اضطرت بعض الوزارات للاقتراض من القطاع الخاص لتمويل بعض المشاريع، وهذا عين العجز والإفلاس الذي يخيب ظن المواطن بحكومته وببرلمانه الراعي لحقوقه وثرواته. وأذكر تقريرا حذر فيه المركز ذاته من تجاوز العجز مبلغ الـ50 مليار دولار، فحينذاك سيكون العراق عرضة لخطر الإفلاس في العام 2017، وسيكون العراق عاجزاً عن دفع رواتب موظفيه.
اليوم ونحن على أعتاب العام 2017 أي أن موازنة العام الجديد من المفترض أن تقر الآن، نلاحظ أن مجلس نوابنا يتقاذف إقرارها كتقاذف كرة الركبي، مع مواصلة المناكفات والاحتدامات بين النواب، وقطعا ليس من أجل الإسراع في إقرار الموازنة والتصويت عليها، بل هي صراعات لاتتعدى المصالح الشخصية والمآرب الفئوية والحزبية، فهم -جميعا- لم يصلوا حد الشبع من المكاسب والمغانم التي عبأوا بها حقائبهم وجيوبهم طيلة اعتلائهم مناصبهم، ولا أظن المسميات التي يبتدعونها بين الحين والآخر، ليطلقوها على كتلة يشكلونها، أو "جبهة" يستحدثونها إلا تمويها ومواراة لخفايا لاتخرج عن إطار الفساد بشكليه المالي والإدراي، ومن يعلم؟ فلعل شكلا ثالثا او رابعا او عاشرا، لفسادات يمارسونها تحت جنح ليل طال على العراقيين، من دون أمل لفجر يبزغ ويزيح عنهم عتمات مايخلفه ساستهم طيلة السنين الماضية.