المنبرالحر

للمسيرة بداية.. ولكن ليس لها نهاية / خالد العبيدي

مسيرة طويلة تخللتها الكثير من المواقف والتعقيدات مفعمة بالكفاح والتضحية بدأت في مطلع الثلاثينات من القرن الماضي واستمرت في سيرها الحثيث حتى يومنا هذا، وسوف تمضي ولن تتوقف مهما طال الزمن او قصر رغم ما تعرضت إليه من هجمات وضغوط ونكسات سقط منها من لم يستطع المواصلة لأي سبب كان واستمر فيها المناضلون المؤمنون بقضيتهم العادلة تلك هي مسيرة الحزب الشيوعي العراقي الذي ترك فيها بصماته وتوج فيها نضالاته وتضحياته وصارع فيها اعداءه من الخونة واعوان الاستعمار.
كان الحزب يواصل عمله ونشاطه بكل جرأة وشجاعة دفاعا عن حقوق الشغيلة والمظلومين الذين كانت حياتهم جحيما لا يطاق على يد الجلاوزة والخونة والمارقين الذين ارتبطت مصالحهم بمصالح اسيادهم واصبحوا ادوات مسخرة بأيديهم ينفذون ما يطلب منهم تنفيذه وتوجهت انظارهم إلى محاربة فكر الحزب وايديولوجيته وانصب غضبهم على مناضليه وملاحقتهم وملء السجون والمعتقلات بهم، ووصل بهم الحقد والكراهية الى ازهاق ارواح الكثيرين منهم وفي مقدمتهم الرفيق فهد ورفاقه الخالدون وهم اول الركب في قافلة الشهداء والمضحين الذين استرخصوا الغالي والنفيس من اجل شعبهم ووطنهم وقدموا حياتهم وهي اعلى درجات التضحية والفداء قربانا على مذبح الحرية ودفاعا عن العمال والفلاحين والكسبة والكادحين وفقراء الشعب والمحرومين لاثبات قوة وعظمة ايمانهم وصلابة عزيمتهم وارادتهم وصواب خطواتهم وتوجهاتهم ولم تتمكن قوى الظلام الشرسة من ان تطفئ شعلة نضالهم او توقف عجلة كفاحهم، بل على العكس من ذلك فكلما امعنوا في اضطهادهم وتوجيه اجهزتهم القمعية إلى ملاحقتهم ومحاربتهم كلما زادتهم ايماناً وتمسكاً بمبادئهم وتزيد من همتهم ضد اساليبهم القمعية.
كانت ثورة 14 تموز عام 1958 على حق حينما سحقت هؤلاء الجلاوزة وجعلتهم اضحوكة للأجيال والتاريخ وعبرة لمن كان يستهزئ بقدرات الشعب ويسرق رغيف الخبز من افواه ابنائه، ويستهين بشجاعة جيشه الذي لم يفارقه ولم يتخل عنه في اصعب الظروف وانتصرت ارادة الخيرين وفتحت امامهم ابواب المستقبل والحياة وازاحت عن طريقهم كل المعوقات والعراقيل لتعلن للعالم كله ان زمن الطغاة قد ولى الى غير رجعة ، وان جميع الحقوق ستعود إلى اصحابها الشرعيين.
وهكذا تحولت المسيرة من نضال سري الى نضال علني وتوجهت الانظار إلى البناء والتعمير واسناد الثورة وحماية منجزاتها ضد اعدائها الحقيقيين الذين كانوا يتربصون بها الدوائر ويحاولون ان يجدوا ثغرة حتى ولو كانت صغيرة ليتسربوا من خلالها لاجهاض الثورة وتصفية قيادتها ومن ثم التوجه إلى ضرب الحزب وبعثرة تنظيماته باعتباره الركيزة الاساسية الحامية لها والمحافظة على سلامتها. ومن الطبيعي ان هذه القوى التي يجمعها هدف مشترك تضم بين اروقتها البعثيين وبعض القومجية وعملاء الاستعمار والاقطاع والرجعية تحت رعاية ومباركة المخابرات الانجلو امريكية لم تتوقف لحظة واحدة عن ممارسة نشاطاتها لغرض تحقيق اهدافها بترويض الحصان الجامح واعادته الى حضيرته من جديد. هذا ما كان يصف به السفير البريطاني الثورة ورجالها الابرار وما لعبته من دور ريادي في المنطقة وفي العالم اجمع ونالت من خلاله حب وتقدير البشرية والدعم والتأييد.
كان يوم الثامن من شباط عام 1963 يوماً اسود في تاريخ العراق ونذير شؤم نزل على صدور العراقيين دفع الشعب والحزب ثمنا باهظا من الدماء والارواح والمكتسبات والحقوق بسببه، ومارس المجرمون الذين تفننوا في جرائمهم الوحشية كل اساليب الغدر والخيانة والبطش والتنكيل بحق مناضلي الحزب وكوادره التنظيمية. ومرة اخرى قدم الحزب كوكبة جديدة من الشهداء امثال سلام عادل ومحمد حسين ابو العيس وعبد الجبار وهبي ومحمد صالح العبلي وحمزة سلمان ومتي الشيخ وحسن عوينة وغيرهم.
ان التضحيات الجسيمة والارواح الطاهرة التي قدمها الحزب في مسيرته الطويلة منذ بداية تأسيسه لا تعد ولا تحصى وكلها تشير الى صدق توجهاته. واليوم في هذا الوقت بالذات والعراق يواجه تحديات عديدة سواء كانت على المستوى السياسي او الاقتصادي او الامني فان الحزب لم يتوقف عن اداء واجباته تجاه شعبه ووطنه، فنراه متواصلا في عطائه ومهماته وتشخيصه نقاط الضعف والخلل والطرق الواجب اتباعها لمعالجتها، واسهامه الريادي مع بقية القوى التي يهمها امر العراق في المطالبة بالتغيير والاصلاحات وحلحلة المشاكل وتجاوز الازمات التي حصلت نتيجة سوء الادارة وقلة الخدمات وتفشي الفساد في كل اجهزة الدولة وعطل كل مفاصل الحياة، ومن اجل الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية وبناء الدولة المدنية وتطهير وتحسين اداء القضاء والحفاظ على حقوق المواطنين والمال العام، وذلك عن طريق الضغط الجماهيري والاعلامي وبكل الوسائل والطرق السلمية والعقلانية التي لا تخرج عن المألوف، وستستمر المسيرة في دربها الذي اختارته ولن تتوقف حتى لو حققت اهدافها، إلا بالوطن الحر والشعب السعيد.