المنبرالحر

نحو ديمقراطية حقيقية / حمزة علي

شغلت الديمقراطية على مر العصور حيزا واسعا من الاهتمامات الفلسفية والاجتماعية والسياسية وظلت محور الفكر السياسي والانساني منذ القدم وحتى مرحلتنا الحاضرة حيث شهد العالم في نهاية القرن العشرين اهتماما واسعا بقضية الديمقراطية.
لكن السؤال الذي يبرز هو: ما هو مفهوم الديمقراطية؟ وما هي المعايير التي تحكم من خلالها على الديمقراطية فشلا او نجاحا؟ الجواب لا يتحدد من خلال التنظير وحسب وانما عبر التراكمات التاريخية والانساق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلى الرغم من ذلك لم تعرف الديمقراطية بمفهوم واحد جامع للأمم والشعوب وبقيت تحت رأي واحد وهو انها تعني حكم الشعب للشعب.
ولكي تحكم على الديمقراطية بالفشل او النجاح فان الممارسة هي المعيار للحكم على الديمقراطية، فهي تكون ناجحة وهادفة عندما يتوافر شرطان اساسيان: الاول هو وعي الجماهير بالديمقراطية واسسها بحيث يكون الشعب على معرفة بماذا يفعل ومن يختار عبر الديمقراطية وان لا يكون كما عرفه هيجل بقوله: ان الشعب هو ذلك الجزء الذي لا يعرف ماذا يريد. والشرط الثاني هو وجود نخب سياسية منتخبة تحمل برنامجاً واضحا وتسير وفق السياقات الديمقراطية والقانونية وتعمل من اجل تحقيق طموحات الجماهير.
في العراق شكل سقوط نظام حزب البعث 1968- 2003 حدثا مهما في المنطقة العربية والاقليمية ولا تكمن اهميته في اسقاط نظام دكتاتوري مستبد وتحرير شعبه وانما في الآفاق التي فتحت امام العراقيين لاختيار نموذج الحكم الجديد. وكان العراقيون يتصورون ويأملون انهم سينتقلون الى العالم المتحضر ويعيشون الحرية والتطور، الا ان معاناتهم لم تنته بعد سقوط النظام السابق. واذا كان سبب معاناة الشعب العراقي في زمن النظام البعثي يرجع الى انتهاج حكامه سياسة التعسف والجور والتغييب فان المعاناة لم تنته بعد سقوطه وذلك بسبب المحاصصة السياسية التي تولدت من الديمقراطية التوافقية وعلى الرغم من ذلك فان العيب ليس في نموذج الديمقراطية التوافقية، فالتوافق هنا هو غاية المجموع المرجوة ويقصد به الوصول والتوافق على رأي مشروع هادف يخدم الصالح العام. وهذا هو ما نطمح اليه، لكن ما هو العيب الذي يعتري الديمقراطية التوافقية؟ العيب الحقيقي يكمن في التطبيق حيث اخذ القائمون على هذا النموذج من الديمقراطية بالمساوئ لهذا النموذج الا وهو توافق جميع اطياف الشعب للوصول الى الاهداف التي يرومون تحقيقها وتحقيق الخير العام.
من ذلك نستنتج ان ما تقدم ينطبق على الحالة العراقية اي ان المعيار هو الاساس في الحكم على الديمقراطية وليس العيب في الديمقراطية.
ولكي تكون هناك ديمقراطية حقيقية وهادفة لا بد ان يتوفر نصيب عادل من التمثيل السياسي لكل الاطياف الاجتماعية والسياسية وتوزيع متكافئ للسلطة ومشروع وطني عقلاني يستمد شرعيته من اجماع الشعب وبلورة معارضة حقيقية مقومه للعمل الحكومي وضرورة الابتعاد عن دائرة المحاصصة السياسية الضيقة وتوعية الجماهير وتثقيفهم بالديمقراطية واطرها لكي يتم اختيار الأكفأ والاصلح من اجل الوصول الى الهدف البعيد، اي تحقيق الديمقراطية.