المنبرالحر

الذكرى السنوية لصدور قانون الاحوال الشخصية والإشكالية الإرثية للذكر مثل حظ الانثى / هادي عزيز علي

في الثلاثين من كانون الاول تمر الذكرى السنوية لصدور قانون الاحوال الشخصية المرقم (188) لسنة 1959 المنشور في جريدة الوقائع العراقية العدد 280 المؤرخ 30 \ كانون الاول \ 1959 , والذي جاء بمبادئ واحكام جديدة تصب في مصلحة المجتمع والاسرة والمرأة على وجه الخصوص , والذي بز بنصوصه كل القوانين المناظرة في محيطنا الاقليمي, اذ اجتهد المشرع العراقي حينئذ في انتقاء القواعد الشرعية الافضل ومن مختلف المذاهب الاسلامية حتى المندرسة منها- ومن دون التقيد بأي مذهب - ليسكبها على شكل قواعد قانونية كانت محل رضا وقبول الغالبية من العراقيين, وهذا ما يفسر ديمومته في التطبيق لدى محاكم الاحوال الشخصية لمدة تزيد على النصف قرن. فضلا عن كونه جاء بأحكام قانونية جديدة خلافا لما استقرت عليه بعض الاحكام الفقهية , فعلى سبيل المثال – ان الفقهاء المسلمين يجمعون على تعريف عقد الزواج بأنه : (عقد استمتاع), خلافا للحكمة من الزواج الواردة في الآية 21 من سورة الروم : ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة في حين جاء القانون بتعريف يبتعد كثيرا عن عقد الاستمتاع عندما نص: ( الزواج بين رجل وامرأة تحل له شرعا غايته انشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل ) المادة الثالثة , وسواه من الاحكام الاخرى ومنها موضوع المواريث .
في هذا القانون حاول المشرع جاهدا تفعيل النصوص التشريعية النازعة نحو المساواة بين المواطنين وذلك اتباعا لما رسمه الدستور المؤقت الصادر في 27 / تموز / 1958 وعلى وجه الخصوص المادة التاسعة منه التي اعتبرت المواطنين سواسية امام القانون في الحقوق والواجبات العامة ولا يجوز التمييز بينهم بسبب الجنس او الاصل او اللغة او الدين او العقيدة . وتلبية لمبدأ المساواة الدستوري فقد رسم المشرع احكام المواريث في قانون الاحوال الشخصية بنص قانوني جديد, ومن دون الخروج على ما تتطلبه النصوص التشريعية النافذة, وما كاد ذلك النص من القانون يرى النور حتى شن خصوم الثورة حملة عاصفة تكيل التهم إلى الثورة والقوى السياسية الساندة لها, وشخص الراحل عبد الكريم قاسم . وقد حاول الخصوم تلخيص هجمتهم العاصفة تلك: بخروج المشرع العراقي عن الدين الاسلامي واحكام الشريعة الاسلامي عندما ساوى بين الذكر والانثى في الميراث , خلافا لما تضمنته الآية (11) من سورة النساء : يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين , من اجل تأليب الناس واستثارة عقائدهم وقناعاتهم الدينية ضد الثورة , وبالفعل تمكنوا من ايصال خطابهم الى فئات عديدة من المجتمع العراقي .
لا شك ان هذا الموضوع تعرض إلى كثير من التشويه, وابتعد في العديد من مفاصله عن الحقيقة , ووظفت الحملة اياها لأهداف السياسة بامتياز ولم يكن الدافع الغيرة على الدين الاسلامي واحكامه الشرعية . ولا بد بعد هذه السنين من الوقوف على حقيقة هذا الامر. فما الذي حصل فعلا ؟, اي هل ان القانون قد نص فعلا بأن ( للذكر مثل حظ الانثى) ؟ واذا كان الامر كذلك ففي اي باب واي فصل واية مادة ذكر ذلك ؟ وبغية الاجابة المطلوبة على تلك الاسئلة, لا بد من الاطلاع على اصل الوقائع العراقية المنشور فيها القانون, والذي يمكن لأي متتبع ان يطلع على صورتها المحفوظة في قاعدة التشريعات العراقية التابعة للسلطة القضائية وعلى موقع السلطة القضائية .
وعند تصفح ذلك العدد من الوقائع العراقية نجد ان النصوص القانونية المتعلقة بالمواريث في قانون الاحوال الشخصية انحصرت في مادة واحدة فقط في حينه , هي المادة الرابعة والسبعين من القانون والتي نصت على: ( تسري الاحكام الواردة في المواد 1187 – 1199 من القانون المدني في تعيين الورثة وتحديد انصبتهم في التركة من عقارات ومنقولات ). هكذا جاءت هذه المادة من دون زيادة او نقصان , وهذا النص هو كل ما تضمنه القانون من احكام تخص المواريث. وهذا يعني ان المشرع قد احال احكام المواريث على نصوص قانونية قائمة ونافذة في القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 وتحت عنوان (الانتقال ), والتي لم تزل قائمة حتى يومنا هذا وهي محل تطبيق يومي الان في المحاكم المختصة , اذ تنص الفقرة (1) من المادة 1188 من القانون المدني على: ( 1 – الدرجة الاولى من اصحاب حق الانتقال هم فروع الميت من اولاد واحفاد للذكر مثل حظ الانثى ) .
هذا النص موضوع من قبل اشخاص لجنة مشروع القانون المدني الذي لا يطال الشك اسلامهم وتمسكهم باحكامه منهم الدكتور عبد الرزاق السنهوري صاحب كتاب الوسيط في شرح القانون المدني وكتاب مصادر الحق في الفقه الاسلامي, ومنير القاضي, العقلية القانونية الرصينة وصاحب كتاب ملتقى البحرين وعميد كلية الحقوق آنذاك, وحسن سامي تاتار وزير العدلية سنة تشريع القانون المدني سنة 1951, والمحامي نشأت السنوي, وكامل السامرائي الذي يطلق عليه : الموسوعة الارشيفية للتشريعات العراقية, فضلا عن لجنة المراجعة المتمثلة عبد الجبار التكرلي عضو محكمة التمييز والمحامي حسين جميل والمحامي داود السعدي والمحامي حسن عبد الرحمن، وغيرهم. فمن تحت عباءة هذه النخبة المتمرسة بالقانون والشريعة الاسلامية خرج النص: (للذكر مثل حظ الانثى), وكل ما قام به مشرع قانون الاحوال الشخصية هو احالته المواريث إلى احكام القانون المدني, اي انه احال هذا الموضوع إلى قانون نافذ ومحل تطبيق الى يومنا هذا, واذا كان ثمة لوم او عتب او اتهام على القانون فيجب تحويله إلى احكام القانون المدني الذي ينص على: (للذكر مثل حظ الانثى) والقائمين على تشريعه آنذاك وليس على مشرع قانون الا حوال الشخصية الذي اتبع قانونا نافذا .
خاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار عدم وجود اية جهة دينية او سياسية او من اي انتماء قامت بالطعن بالنص القانوني الذي اورده القانون المدني او صرحت بان احكامه مخالفة لأحكام الشريعة الاسلامية او اعلنت الشكوى منه وطيلة الحقبة الملكية التي شرعت القانون المذكور خلالها , وما اعقب ذلك في العهد الجمهوري وطيلة العقود السبعة الماضية التي وضع فيها القانون قيد التطبيق , ولكن الملموس من خلال مراجعة الناس المحاكم المعنية بتطبيقه, ان ثمة رضا وقبول لذلك النص.
معلوم ان انقلاب 8 / شباط / 1963 قد الغى نص المادة الرابعة والسبعين من قانون الاحوال الشخصية والخاصة بالمواريث واعادها الى الوضع الذي كانت عليه قبل التشريع المذكور بموجب القانون رقم 11 الصادر بتاريخ 21 / 3 / 1963.