المنبرالحر

سوريا: حظر الأسلحة الكيماوية، خطوة على الطريق الصحيح ..! / باقر الفضلي

مهما كانت ردود الفعل على الإتفاق الروسي _ الأمريكي حول حظر الأسلحة الكيماوية في سوريا والمعلن عنه في 14/9/2013، فإن الإتفاق المذكور والذي أقرته سوريا، يعتبر من حيث المبدأ، ومن جهة السلم والأمن الدولي، خطوة على الطريق الصحيح، لتجنيب سوريا أرضاً وشعبا؛ الضربة العسكرية، ونزع فتيل الحرب، ودرء كارثة الخراب والتدمير لدولة سوريا تحت ذريعة إستخدام الأسلحة الكيماوية، وإبعاد المنطقة والعالم تداعيات مثل تلك الحروب..!؟
هذا في وقت كان يمكن معه القول؛ إذا ما أخذ المرء بعين الإعتبار، وجهة النظر السورية، التي ترى بأن سلاحها الكيماوي كان مجرد سلاح ردع في مواجهة الترسانة النووية الإسرائيلية؛ بأن قبول دولة سوريا بالموافقة على الإنضمام الى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية الدولية، وفي هذا الوقت بالذات، والإنخراط في عداد دول العالم التي تنبذ حيازة وإستخدام الأسلحة الكيماوية وأسلحة الدمار الشامل، إنما هو من الناحية الإستراتيجية، يمثل موقفاً إيجابياً من أجل السلام؛ هذا في وقت ستجد فيه دولة مثل إسرائيل المجاورة، نفسها، الوحيدة بين دول المنطقة، من يمتلك الترسانة النووية ناهيك عن الكيمياوية، وبأنها الدولة الثانية من مجموع دول العالم، التي لم تصادق ولم تتضم الى إتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية، وبالنتيجة فهي تعتبر في عداد الدول غير الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية. وهذا بحد ذاته، سيكون كافياً لأن يشكل وضعاً سلبياً ومهدداً بالنسبة للسلم والأمن الدولي في المنطقة والعالم، الأمر الذي يصبح معه، من الأهمية بمكان، ومن الأمور العاجلة، التي ينبغي أن تدفع بضرورة أن تأخذ الأمم المتحدة بالإعتبار، تفعيل مقترح إعتبار منطقة الشرق الاوسط من المناطق الخالية من الأسلحة الكيمياوية، وفي ذلك ما يخدم مصالح جميع دول المنطقة بما فيها دولة إسرائيل..!؟
ومن هنا يصبح من المسلمات المنطقية، أن تعتبر الخطوة السورية بالموافقة على المبادرة الروسية الأمريكية، وكذلك في المبادرة للإنضمام الى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية الدولية، بمثابة مساهمة جادة في طريق حل الأزمة السورية، من خلال اللجوء الى الطريق السلمي، وبالذهاب الى مؤتمر جنيف/2، المدعوم من قبل الأمم المتحدة، ليعبر ذلك عن موقف موضوعي من حل الأزمة السورية، بإختيار الطريق السياسي..!
فالمبادرة الروسية نفسها، والتي تبلورت في النهاية بإتفاقية جنيف بين الطرفين الروسي والأمريكي، للتخلص من الاسلحة الكيماوية في سوريا، إنما كانت في الحقيقة، أمر لا بد منه، وبأن لا مناص في هذه الحال، من اللجوء الى الحل السلمي، بعدما آلت اليه أحداث الأزمة السورية من خراب ودمار لا يوصفان، وبعد أن أصبح إستمرار تلك الأزمة في وضعها الحالي يشكل: [[ " اكبر خطر يهدد السلم والامن فى العالم , كما أن الاحداث الاخيرة والحديث عن امكانية استخدام للاسلحة الكيماوية يؤكد خطر هذة المشكلة ويدعو الجميع الى العمل لانهاء هذه الحرب وهذه الازمة" .]]
يجري هذا بعد أن أدركت الأطراف الرئيسة في ذلك الصراع، وخاصة الأطراف الدولية منها؛ بأن لا سبيل لحل تلك الأزمة الطاحنة، والتخلص من تداعياتها الكارثية على كافة الأصعدة، وتجنيب العالم أخطار حرب مدمرة، إلا بالتوجه الى الحل السلمي ومن خلال المسار السياسي، والعمل عن طريق الأمم المتحدة بضرورة إنعقاد المؤتمر الدولي/ جنيف/2 حول سوريا..!
ولكن، وفي عين الوقت الذي يبدو فيه الإتفاق الروسي الامريكي، بشأن التخلص من الأسلحة الكيماوية السورية، وكأنه مفتاح الإنفراج لحل الأزمة السورية، إلا أن موقف التحالف الأمريكي _ الغربي، وعلى وجه الخصوص موقف المثلث الأمريكي الفرنسي البريطاني من الأزمة السورية، رغم الترحيب والتأييد الدوليين بالإتفاق المذكور، ورغم دعم الأمم المتحدة، ومباركة أطراف المثلث المذكور نفسه بالإتفاق، ما زال ذلك الموقف مأزوما، وما زالت دول ذلك التحالف، تفسر الإتفاق بين روسيا وأمريكا، وفقاً لما سبق وقد خططت له وتبنته كخطط في وارد التنفيذ بالنسبة لسوريا، وكأن عجلة التأريخ قد توقفت عند توجيه الضربة العسكرية، وكأنها أمر مفروغ منه؛ كما ولن يبدو الإتفاق الروسي _ الأمريكي بنظرها، إلا مجرد فترة لإلتقاط الأنفاس، خاصة بعد التغيرات الحاصلة في ميزان القوى على الصعيد الميداني، فما كان منها إلا البدء بمرحلة جديدة من التحذير والتهديد، فتبدو في موقعها الجديد، وكأنها تريد أن تجعل من الإتفاق الروسي _ الأمريكي نفسه، مجرد ذريعة جديدة، وحجة يمكن ركوبها في التهيئة لعدوان جديد ضد سوريا، لإفشال كل المحاولات التي تبذلها الأمم المتحدة ومن خلال مندوبها الأممي السيد الأخضرالإبراهيمي في الذهاب الى مؤتمر جنيف/2، فعادت وكالسابق، [[ تحذر سوريا بعواقب "خطيرة " إن لم تلتزم بالإتفاق الروسي الأمريكي..!؟؟]]
هذا وفي نفس السياق، ورغم ترحيبه في وقت سابق بالإتفاق الروسي _ الأمريكي ؛ لن بخفي السيد أوباما أهداف الولايات المتحدة الأمريكية من وراء إستخدامها لذريعة السلاح الكيماوي، والتي حتى اليوم، لم يشر تقرير الخبراء الدوليين، الى الجهة التي إستخدمت ذلك السلاح في سوريا؛ فطبقاً لمقابلة أجرتها معه قناة تلموندو الناطقة بالإسبانية قال الرئيس باراك أوباما: [[إنه لا يستطيع تصور نهاية للحرب الأهلية في سوريا مع بقاء الأسد في السلطة، وأكد أن الهدف الاستراتيجي هو إبعاد الإسد عن السلطة مع تأمين حملية الأقليات الدينية والتأكد من أن المتشددين الإسلاميين لا يعززون سلطاتهم في البلد.]]
إن خيبة الأمل التي أصيب بها أطراف التحالف الأمريكي _ الغربي، وبالخصوص أطراف الثلاثي أعلاه، وتوابعه في المنطقة وفي مقدمتهم دولة إسرائيل وتركيا، وبعض من الدول العربية الأخرى، نتيجة لموافقة دولة سوريا على الإتفاق الروسي _ الأمريكي حول التخلي عن ترسانة السلاح الكيماوي وتدميره، تلك الموافقة التي أصابت تلك الأطراف بالذهول والدهشة، حيث كان في تصورها، بل جل ما كانت تتمناه؛ هو أن ترفض دولة سوريا لذلك الإتفاق، وبذلك ستحل عليها اللعنة، ويصبح إنزال "الضربة العسكرية" بها وكأنه فرض عين، مما ستتحقق بموجبها الأهداف التي أجمع عليها أطراف التحالف المذكور؛ فما كان منهم إلا بالعودة الى متاهة المربع الأول بتوجيه الإتهامات والتحذيرات والتهديد بالعقاب وبالويل والثبور، و[[ بأن خيار تنفيذ ضربة عسكرية أو عملية مماثلة في سوريا يجب أن يظل مطروحا باعتباره سبيلا للتعامل مع الأزمة السورية...!؟؟]]
ولعل من مفارقات التحالف نفسه، هو إن أبرز أطرافه هم أعضاء دائميون في مجلس الأمن، وطبقاً لميثاق الأمم المتحدة، الذي يؤكد على واجب الإعتراف ب (مبدأ السيادة)، وبالتالي فهم كما غيرهم من أعضاء هيئة الأمم المتحدة، متساوون في السيادة مع جميع اعضاء الهيئة الآخرين، وذلك وفقاً للفقرة (1) من المادة الثانية من الفصل الاول من الميثاق / في مقاصد الهيئة ومبادئها، وهنا يبدو من الغرابة بمكان، أن ينفرد أطراف التحالف المذكور أو بعضهم، ومن وراء ظهر هيئة الأمم المتحدة، وعلى خلاف ما يقرره ميثاقها، في محاولة منهم لتقرير إراداتهم وفرضها على شعوب الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مثل دولة سوريا، فتراهم وعن طريق الإملاء والتهديد، التدخل في شؤونها الداخلية، بما يمس سيادتها، ويعرض إستقلالها للإهتزاز والتصدع؛ في وقت وحده فيه الشعب السوري، من يقرر وبإرادته المطلقة، لمن يمنح الثقة بتمثيله، ومن ينوب عنه في إدارة شؤونه..!
فالى أى مدى سيتجاهل أطراف التحالف الأمريكي _الغربي وتوابعهم، تلك الحقيقة البدهية، وهم قبل غيرهم إعلم بكل ظواهرها وبواطنها، حيث أن كل الدلائل، وبعد ما يزيد على عامين ونصف عام، تشير وبالملموس؛ أن لا طريق لإستباب السلم والأمن الدولي في المنطقة، لا يمكن الوصول اليه، إلا من خلال البحث عن الحلول السلمية للأزمة السورية، عبر الطريق الى مؤتمر جنيف/2، وأن أي إستخدام للقوة والتهديد بها خارج نطاق القانون الدولي، خروج على الشرعية الدولية بكل ما يعنيه ذلك الخروج من دلالات العدوان؛ فقد حان الوقت الآن وعبر الأمم المتحدة، ولوج هذا الطريق، وإحترام إرادة الشعوب في تقرير مصيرها..!!؟