المنبرالحر

التنمية البشرية والفساد / محمد شريف أبو ميسم

يتفق عموم المعنيين بالشأن الاقتصادي ، ان حاجة البلاد لتنمية بشرية أمر متلازم وضاغط مع حاجتها لتنمية اقتصادية شاملة ، لأن هذه الأخيرة لايمكن أن تتحقق ما لم يكن هنالك برنامج للتنمية البشرية يتم بموجبه تطوير أهم عنصر من عناصر التنمية الشاملة ألا وهو الانسان ، بوصفه الركيزة الأساسية لجميع عناصر التنمية الأخرى ، من خلال توفير فرص ملائمة للتعليم وزيادة الخبرات باتجاه توسيع القدرات ورفع مستوى الإنتاج والدخل وبالتالي تطوير الجوانب الحياتية التي تضمن حياة كريمة أطول .
ولم تعرف الأمم مفهوم التنمية البشرية الا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وخروج البلدان التي شاركت في الحرب مصدومة من الدمار البشري والاقتصادي الهائل وخاصة الدول الخاسرة.. اذ بدأ بعدها تطور مفهوم التنمية الاقتصادية وواكبها ظهور التنمية البشرية من اجل سرعة إنجاز التنمية ومن ثم سرعة الخروج من النفق المظلم والدمار الشامل الذي لحق بتلك البلدان بسبب الحروب.. ومن المعروف ان التنمية البشرية لا تؤدي مهامها دون أن يكون هناك نمو اقتصادي مصاحب.. وبناء عليه فان العراق وبعد عشر سنوات من رحيل الدكتاتورية وهو يغادر سنين الحروب والدمار ويبحث عن مداخيل للتنمية الاقتصادية الشاملة متعكزا على عناصرها المتمثلة بالموارد المالية (المتحققة عبر تطوير القطاع النفطي، والتي تشكل أهم عنصر فيما لو وظفت بالاتجاه الصحيح) والموارد البشرية ( التي وسمت العراق بوصفه من بين أربعة بلدان عالمية فتية تتمتع بثروة بشرية هائلة في عمر الانتاج ) كان يمكن أن يشرع ببرنامج وطني للتنمية البشرية بهدف استثمار هذه الثروة الشبابية الهائلة التي ما زال القسم الكبير منها مركوناً على مسطبة البطالة. والجزء الآخر الذي تمكن من الحصول على وظائف في جهاز الدولة التنفيذي يمارس دورا أقل ما يقال عنه انه دور سلبي ( يتخطى مفهوم العمالة الناقصة أو البطالة المقنعة ) جراء تدريب هذا الجيل على يد ( جهابذة الفساد) الذين ترعرعوا في كنف المدرسة الدكتاتورية ورضعوا من الفساد والبيروقراطية واللا أبالية على مدار عقود. فكانوا خير عون لجيل الشباب الحالي في الحصول على الوظائف عبر ( المحسوبيات والرشى) وخير مدربين لهم في الحصول على ( العطايا والهدايا ) ، وخير اساتذة في توظيف البيروقراطية في الابتزاز ونهب المال العام .
وبدلا من أن نشهد نمو ثقافة الإنجاز وترسيخ مفاهيم الشرف في العمل وتطوير مهارات الاداء المهني ، نشهد في عموم مؤسسات الجهاز التنفيذي تدريب الشباب ( وبسرعة استيعابية هائلة ) على أساليب الفساد المقترنة بأخس وأحط مفرداته، بهدف جر هذا الجيل لثقافة أفراد تجدهم متنفذين في مؤسسات الدولة لضمان وضع الحصانات لهم وللرواد من أمثالهم خوفا من ولادة جيل يحمل الضمير ويعشق الانتماء لهذا البلد فيتصدى لهم ولمن يقف خلفهم .