المنبرالحر

الثامن من شباط 1963 م .. يوم أسود وكارثة أنسانية في حياة العراق وشعبه ج1 / صادق محمد عبد الكريم الدبش

قبل ان نتناول الأحداث التي سبقت أنقلاب شباط المشؤوم !.. لابد لنا أن نمر وبنظرة سريعة عن هذا البلد العظيم بتأريخه .. وموقعه .. وتنوعه ، والغني بثرواته !.
معظم المنطقة التي تسمى بالعراق حاليًا كانت تسمى قديماً بلاد ما بين النهرين، و(بيث نهرين بالآرامية)، ويونانية: Μ-;-ε-;-σ-;-ο-;-π-;-ο-;-τ-;-α-;-μ-;-ί-;-α-;-، حوى على أولى المراكز الحضارية في العالم التي كانت تشمل المساحة الواقعة بين نهري دجلة والفرات وهي حضارة سومر، وامتدت حدود هذه الحضارة التي شغلتها بلاد ما بين النهرين إلى سوريا وفارس وإلى منطقة جنوب شرق الأناضول تركيا حالياً، كما وجدت آثار سومرية في دولة الكويت الحالية.. والبحرين، والأحواز بإيران. كان لبلاد الرافدين انفتاح واتصال بالحضارات القديمة في مصر والهند.
وتعاقب على حكم العراق دول وحضارات كثيرة من أهمها السومرية، والبابلية، والكلدانية، والآشورية، والميديون، والسلوقيون، والإمبراطورية البارثية، والإمبراطورية الرومانية، والساسانيون، والمناذرة، والخلافة الراشدة، والدولة الأموية، والدولة العباسية، والمغول، والدولة الصفوية، والدولة الأفشارية، والدولة العثمانية، ثم الإنتداب البريطاني، ومن ثم المملكة العراقية، ثم الجمهورية، فسلطة الإئتلاف المؤقتة، فالحكومة العراقية المؤقتة، ثم الجمهورية البرلمانية الإتحادية في العراق.
والعراق هو بلد ميلاد النبي إبراهيم، وأرض لكثير من الأنبياء مثال ذلك الأنبياء: يونس وحزقيل ودانيال والعزير وناحوم وحنينة (حنين بالعربية) وآدم ونوح وهود، وصالح، وذو الكفل، وسليمان، وأيوب (وذلك كله بوجود مراقد فعلية في العراق، أو حسب الروايات الإسلامية والمسيحية واليهودية)، ولكثير من أئمة المسلمين سنة وشيعة كالإمام علي، والإمام الحسين، وأخيه العباس، والإمامين الكاظمين، والإمامين العسكريين، والإمام المهدي، والإمام عبدالقادر الجيلاني، والإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان، وكثير من مراقد ومقامات أولاد الأئمة عند الشيعة. والصحابة مثال ذلك سلمان الفارسي، والتابعين. المصدر : ويكيبيديا / الموسوعة الحرة / العراق .
في البداية !.. لابد لنا أن نبين سبب قدرة الأنقلابيين من النجاح في أسقاط ثورة تموز وتصفية قادتها ومكتسبات الثورة على حد سواء :
الراحل وأول ضحايا ردة شباط الفاشية هو الزعيم عبد الكريم قاسم ، كان قد مهد لأسقاط الثورة !.. نتيجة للعديد من الأجراءات التي أتخذها ، والتي تصب في صالح الأنقلابيين ومنها على سبيل المثال لا الحصر :
أولاً ـ حل المقاومة الشعبية:
كان أول ما فكر به عبد الكريم قاسم لتحجيم الحزب الشيوعي العراقي ، هو تجريده من أقوى سلاح يمتلكه، المتمثل بهيمنته على قوات المقاومة الشعبية، فقد بدا واضحاً، وبشكل خاص، بعد وقوع انقلاب العقيد الشواف الفاشل في الموصل، أن المقاومة الشعبية فرضت سيطرتها على الشارع العراقي، وفي كافة المدن العراقية، وكان واضحاً أيضاً أن الهيمنة الحقيقية على تلك القوات كانت بيد الشيوعيين، وأصدقائهم، وعلى ذلك أقدم عبد الكريم قاسم على الخطوة الأولى المتمثلة في سحب السلاح من قوات المقاومة الشعبية.
وبعد إن تم تجريد المقاومة من سلاحها، أصبح من اليسير على قاسم أن يصدر قرار حلها، وهذا ما تم بالفعل، وخلال فترة وجيزة.
رضخ الحزب الشيوعي للقرار، فقد كان الحزب قد اتخذ سياسة التراجع، حرصاً منه ـ كما كان يظن ـ على العلاقة مع عبد الكريم قاسم، لكن تلك السياسة لم تجلب للحزب نفعاً، فبقدر ما كان الحزب يتراجع، بقدر ما كان عبد الكريم قاسم يندفع في إجراءاته ضده.
لكن الخسارة الحقيقية الكبرى الناجمة عن إجراءات قاسم كانت ليس للحزب الشيوعي وحده، وإنما للثورة، ولقاسم نفسه، والذي دفع حياته ثمناً لتلك الأخطاء، فلو لم يلجأ قاسم إلى حل المقاومة الشعبية، ومحاربة الحزب الشيوعي، لما استطاع انقلابيو 8 شباط تنفيذ جريمتهم بحق الشعب والوطن عام 1963 .
والمسألة الأخرى هي : تصفية قيادات المنظمات، والاتحادات، والنقابات الوطنية .
كانت خطوة عبد الكريم قاسم التالية، بعد حل المقاومة الشعبية، تمثلت بسحب كافة المنظمات الجماهيرية، واتحاد النقابات، واتحاد الجمعيات الفلاحية، واتحاد الطلبة وكافة النقابات المهنية، كنقابة المعلمين، والمهندسين، والأطباء، والمحامين، وسائر المنظمات الأخرى، من أيدي الشيوعيين، لكي يجرد الحزب الشيوعي من جماهيريته في تلك المنظمات والاتحادات والنقابات ذات التأثير الكبير على سير الأحداث.
لم يكن عبد الكريم قاسم، ولا البرجوازية الوطنية، المتمثلة بالحزب الوطني الديمقراطي، بقادرين على استقطاب تلك المنظمات والاتحادات، والنقابات، والسيطرة عليها، فكانت النتيجة أنْ وقعت جميعها تحت سيطرة أعداء الثورة، والمتربصين بعبد الكريم قاسم نفسه، وبالحزب الشيوعي، سند الثورة العنيد والقوي.
لقد فسح عبد الكريم قاسم المجال واسعاً أمام تلك القوى، من بعثيين، ومدعي القومية من الرجعيين، وأذناب الاستعمار، لكي يسيطروا سيطرة كاملة على تلك المنظمات والاتحادات والنقابات بأسلوب من العنف والجريمة لم تعرف له البلاد مثيلاً من قبل.
كانت العصابات البعثية والقومية، وقد لفّت حولها كل العناصر الرجعية، تترصد لكل من يبغي الوصول إلى صناديق الاقتراع لانتخاب قيادات تلك المنظمات والاتحادات والنقابات بأسلحتها النارية، وسكاكينها، وعصيها، وحجارتها لدرجة أصبح معها من المتعذر حتى للمرشحين الديمقراطيين والشيوعيين الوصول إلى صناديق الاقتراع، والإدلاء بأصواتهم، أليست هذه هي الديمقراطية التي أرادها عبد الكريم قاسم؟
أن قاسم، شاء أم أبى، قد وضع السلاح بأيدي أعداء الثورة والشعب، لكي يتم نحر الجميع يوم الثامن من شباط 1963.
تصفية القيادات الوطنية في الجيش، والجهازين الإداري والأمني.
كانت الخطوة الثالثة لعبد الكريم قاسم تتمثل في تصفية نفوذ الحزب الشيوعي في الجيش، وفي الجهازين الإداري والأمني، فقد قام قاسم بحملة واسعة جرى خلالها إحالة أعداد كبيرة من العناصر الشيوعية، أو العناصر المؤيدة للحزب الشيوعي إلى التقاعد، وأحلّ محلهم عناصر إما أنها انتهازية، أو معادية للثورة، في صفوف الجيش، وجهازي الشرطة والأمن، والجهاز الإداري، كما أبعد أعداداً كثيرةً أخرى من المناصرين للحزب الشيوعي إلى وحدات غير فعالة، كدوائر التجنيد، والميرة، أو جرى تجميدهم في إمرة الإدارة، أو تم نقلهم إلى وظائف مدنية ثانوية، بالإضافة إلى اعتقال أعداد أخرى منهم.
ولم يكتفِ قاسم بكل ذلك، بل التفت إلى الكليات، والمدارس، ليزيح كل العناصر الشيوعية، ومناصريهم من مراكزهم الإدارية، وليعيد تسليمها إلى تلك العناصر الحاقدة على الثورة، والتي وقفت منذ اللحظة الأولى ضدها .
كان هناك في الحقيقة ثلاثة أحزاب تعمل بصورة علنية بعد انسحاب القوى القومية والبعثية من السلطة، ولجوئها إلى العمل السري، وهذه الأحزاب هي الحزب الشيوعي، والحزب الوطني الديمقراطي، والحزب الديمقراطي الكردستاني، وكان قصد عبد الكريم قاسم من طلبه ذاك حرمان الحزب الشيوعي من نشاطه العلني، بعد أن جرده من سلطانه على المنظمات المهنية والنقابات والاتحادات العمالية والفلاحية والطلبة.
واستغل عبد الكريم قاسم مناسبة عيد العمال العالمي في الأول من أيار ليلقي خطاباً يدعو فيه على وقف النشاط الحزبي في فترة الانتقال قائلا:
{إن التكتلات الضيقة والحزبية والأحزاب في هذا الوقت لا تفيد البلد وتجعله في مأزق حرج . إن القصد من ذلك هو تفريق الصفوف، وضرب الواحد منا بالآخر إننا في عهد انتقال، وقد صممنا أن نصون مكاسب ثورتنا مهما كلف الأمر] .
لكن الحزب الشيوعي العراقي تجاهل الطلب هذه المرة، وشن حملة واسعة في جملة من المقالات التي طلعت بها صحيفة الحزب [اتحاد الشعب]على ذلك الطلب، وعلى الجناح اليميني في الحزب الوطني الديمقراطي لقراره بتجميد نشاط الحزب، وأستمر الحزب الشيوعي على نشاطه، رافضاً أي تجميد.
أما الأستاذ [كامل الجادرجي ] زعيم الحزب فقد وجه نقداً شديداً للقيادة اليمينية للحزب، عند عودته من موسكو إلى بغداد، على قرارها بتجميد نشاط الحزب، وأدى ذلك الموقف إلى حدوث تصدع كبير في قيادة الحزب، وخاصة بعد ما طلب الأستاذ الجادرجي من عضوي الحزب في الوزارة [ محمد حديد] و[هديب الحاج حمود]، الاستقالة من الوزارة، ورفض الوزيران طلب زعيم الحزب، مما دفع الأستاذ الجادرجي إلى تقديم استقالته من رئاسة الحزب وعضويته، واحتجاب صحيفة الحزب [صدى الأهالي]، مما أدى إلى تعميق الأزمة السياسية في البلاد، واشتداد التناحر الحزبي.
أقدم عبد الكريم قاسم على إصدار قانون الأحزاب والجمعيات رقم ،1 والذي نشر في الوقائع العراقية في 2 كانون الثاني 1960، بدعوى تنظيم الحياة الحزبية في البلاد وتبين بعد ذلك أن الهدف من إصداره كان يرمي إلى حرمان الحزب الشيوعي من إجازة ممارسة النشاط السياسي بصورة قانونية.
فعلى أثر صدور القانون تقدم عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي زكي خيري بطلب تأسيس الحزب.
كما تقدم كل من الحزب الوطني الديمقراطي، والحزب الديمقراطي الكردستاني، والحزب الجمهوري، وأحزاب دينية أخرى، بطلباتهم لإجازة أحزابهم، إلا أن الحزب الشيوعي فوجئ باعتراض وزارة الداخلية على ميثاق الحزب، طالبة إجراء تغير، وحذف لعدد من العبارات الواردة في الميثاق، في حين وافقت على إجازة الحزب الوطني الديمقراطي والحزب الديمقراطي الكردستاني.
ومع ذلك فقد أعاد الحزب صياغة ميثاقه من جديد، وأجرى التغيرات التي طلبتها وزارة الداخلية، إلا أن الحزب فوجئ مرة أخرى بحكومة عبد الكريم قاسم تجيز حزباً مسخاً بزعامة [ داؤد الصايغ] يحمل أسم الحزب الشيوعي العراقي، وضمت هيئته المؤسسة عددا من الشخصيات غير المعروفة لدى الشعب العراقي وهم:
1 ـ داود الصائغ
2 ـ إبراهيم عبد الحسين
3 ـ جميل العلوي
4 ـ زكية ناصر
5 ـ كاظم الشاوي
6 ـ سالمة جاسم
7 ـ عجاج خلف
8 ـ عبد محسن
9 ـ كاظم محمد
10 ـ جاسم محمد
11 ـ سليم شاهين
غير أن ستة من هؤلاء ما لبثوا أن استقالوا من الحزب، بعد أن أدركوا أن في الأمر مؤامرة على الحزب الشيوعي لمنع نشاطه. أوقع انسحابهم من الهيئة المؤسسة داود الصايغ والسلطة في حيرة، لكن السلطة اسرعت في اختيار بديل عنهم من العناصر النكرة، التي لا يعرف أحدُ عنهم أي تاريخ نضالي، وقيل أن عدد منهم من رجال الأمن، في حين جمع الحزب الشيوعي أكثر من 360 ألف توقيع من رفاقه ومؤيديه.
لقد كان عبد الكريم قاسم قد صمم على عدم منح الحزب الشيوعي الإجازة، لكي يصبح الحزب بموجب القانون غير شرعي، وبالتالي خارجاً على القانون، وليتخذ من ذلك ذريعة لضربه، ومطاردة رفاقه، ولم يدرك قاسم أنه بعمله هذا، إنما يوجه السهام إلى صدره، وصدر الثورة.
وهكذا فقد تم رفض طلب إجازة الحزب مجدداً، ولكن هذه المرة بحجة أن هناك حزب شيوعي مجاز بهذا الاسم.
ومع ذلك تدارست قيادة الحزب الوضع، واتخذت قراراً بتقديم طلب جديد باسم [اتحاد الشعب]، لكن طلبه رفض .
علما أن وزارة الداخلية قد وافقت على منح عدة أحزاب غير الحزب الشيوعي العراقي .. مثل الحزب الوطني الديمقراطي، والحزب الديمقراطي الكردستاني ، والحزب الوطني التقدمي وغيرها من الأحزاب .
المصدر : ثورة 14 تموز في نهوضها وأنتكاستها وأغتيالها / حامد الحمداني .
هذه الأحداث وما أرتكبته قيادة ثورة تموز من أخطاء قاتلة ، وعدم حزم الحزب الشيوعي العراقي ، والقوى الديمقراطية ، والتحالف غير المقدس في داخل العراق بين كل القوى التي كانت تماثل الثورة العداء السافر ، والدعم العربي والأمريكي والغربي ، كلها عوامل مهدت لوأد الثورة وهزيمة منكرة لكل قوى الخير والتقدم والديمقراطية في العراق .
أنتهى الجزء الأول