المنبرالحر

احتراق سوريا أم المنطقة ؟ / زهير كاظم عبود

كانت المخابرات المركزية تفكر في طريقة غير تقليدية تحارب بها الاتحاد السوفيتي وتستنزف قوته بعد سيطرة الحزب الشيوعي الافغاني على مقاليد الحكم في افغانستان، بالنظر لخطورة تهديد مصالحها، وبنتيجة الحرب الباردة بين القطبين وتعرض الحكومات الخاضعة لنفوذها وسيطرتها من الدول المجاورة لأفغانستان الى هزات شعبية ومطالبات بالابتعاد عن الهيمنة والسطوة الأمريكية في المنطقة، وبنتيجة التحليلات والدراسات العميقة المتعلقة بدراسة الشخصية الدينية والعربية، صنعت المخابرات المركزية تنظيما دينيا مسلحا ظاهره محاربة الالحاد القادم من روسيا باعتباره بابا من ابواب الجهاد الإسلامي الشرعي وهو فرض عين ?لى كل مسلم ومسلمة، وباطنه السيطرة على افغانستان وتخليصها من الاحتلال الروسي .
في العام 1984 قام عبدالله عزام واسامة بن لادن بتأسيس تنظيم في مدينة بيشاور في الباكستان اطلق على هذا التنظيم أول الأمر (قاعدة الجهاد) أو ( المجاهدين العرب)، ثم تفرعت مكاتب اخرى تابعة لهذا التنظيم في عدد من البلدان العربية، وبالنظر لالتحاق اعداد كبيرة من غير العرب في هذا التنظيم ، للمساهمة شرعيا في محاربة الالحاد، وبزعم تخليص الدولة الافغانية المسلمة من براثن الشيوعية (الملحدة كذا)، تحول اسم التنظيم الى (منظمة القاعدة) التي آلت زعامتها من عبد الله عزام الى اسامة بن لادن .
في العام 1988 ظهر تنظيم مسلح أخر ضمن معسكرات يقودها المدعو (أبو عبيدة البنشيري) بهدف محاربة الاحتلال الروسي العسكري لأفغانستان المسلمة، ولقي هذا التنظيم مساندة ومعاونة وتنسيقاً من المخابرات المركزية ، كما لقي من اغلب الدول العربية ومن اثرياء الخليج دعما ماديا ومعنويا .
وبالنظر لوحدة الهدف تم اندماج تنظيم البنشيري بتنظيم القاعدة تحت امرة بن لادن، وكان تركيز المنظمة على الدول المتخلفة ثقافيا واجتماعيا، والتي ينشط فيها المتطرفون دينيا ، لوجود ارضية وظروف عديدة تحث الشباب المتطرف والساذج على المشاركة بهذا التنظيم، مع مارافق تلك الدعوة من صدور فتاوى دينية تحث الشباب على الانخراط بهذا (الجهاد) تحت زعم موجبات الدين والشهادة في سبيل الاسلام .
ساهم التنظيم الى جانب الحركات الاسلامية المتطرفة في افغانستان والقوات الامريكية باخراج السوفيت من افغانستان وانسحاب قواتهم منها، وسيطرة قوات طالبان على افغانستان، وبنتيجة الدعم الباكستاني والتنسيق مع التنظيمات المسلحة تحت اشراف المخابرات الأمريكية .
ولاحظت الإدارة الأمريكية اقبال الشباب العربي والإسلامي على الانخراط بهذه التنظيمات المسلحة والمتطرفة، ووجدت انها فرصة سانحة لإيجاد سبب يجمعهم بنقطة جغرافية واحدة بعيدة عن مصالحها، وبعيدة ايضا عن اصدقائها في المنطقة، فتخلت عن افغانستان لتفسح المجال الى التنظيمات المسلحة المدعومة لتتقاتل فيما بينها، ومن ثم تحاول ان تبقي افغانستان بؤرة مشتعلة يموت فيها المتطرفون الإسلاميون والعرب، حيث برز أمراء الحرب ودارت رحى الحرب بين تلك الفصائل .
وبنتيجة منطقية ان تنفلت منظمة القاعدة من قفصها لتقوم بعمليات ارهابية متعددة، كان اكثرها تأثيرا تفجير برجي التجارة الشهير في 11 ايلول/سبتمبر 2001، ومن ثم تلاحق المصالح والمراكز الامريكية وحتى العربية والإسلامية التي مولتها ودعمتها لتوقع الضربات الموجعة، وتنفلت مستندة على اعداد غير قليلة من شباب تم تغييبهم عقليا والسيطرة عليهم تحت زعم الجهاد، وابتكار طريقة انتقاء (البهائم المفخخة) من بين اعداد المقاتلين ليتم تفخيخ اجسادهم ومن ثم تفجير انفسهم في الأماكن والتجمعات المراد احداث الخسائر المادية والبشرية فيها، ب?د سلسلة من العمليات الإرهابية ومقتل بن لادن في 2 أيار/ مايو 2011 .
ويخطئ من يعتقد ان افتراقا حصل بين تنظيم القاعدة وبين الولايات المتحدة الأمريكية، فلم تزل القاعدة تعمل رهن المخطط الأمريكي سواء بشكل مباشر او غير مباشر، ولم تزل تعمل ضمن نطاق المنطقة والمكان والزمان المحددين، ولهذا تحول اغلب التنظيم الى العراق بعد 2003، ووفرت الإدارة الأمريكية الظروف الذاتية والموضوعية لتواجد قواعد هذا التنظيم في مناطق متعددة في العراق .
ووقعت سوريا في الفخ ايضا حين سمحت للتنظيمات الإرهابية أن تتواجد على الأرض السورية بزعم دعم المعارضة العراقية وبقايا البعث المندحر لإسقاط النظام السياسي الجديد ، وأوقعت المخابرات السورية قيادتها والرئيس السوري بشار الأسد في تحمل نتائج هذا الخطأ القاتل، حيث كانت توفر لتلك التنظيمات المعسكرات والسلاح وظروف التسلل الى العراق، كما وتوفر لها الانسحاب والحماية، اعتقادا منها بأن هذا الأمر سيساهم في استعجال اسقاط النظام العراقي الجديد، وبتنامي هذه التنظيمات التي ما انفكت تتلقى الدعم الخليجي والأمريكي، اصبحت تلك ا?ظاهرة المرعبة وهي تشكل صورة من صور تجميع الإرهابيين من كل العالم في سوريا بزعم محاربة الطائفية والأمريكان لتنقلب على النظام نفسه بعد حين .
وقصص الانسجام الاستراتيجي والتعاون بين التنظيمات الإرهابية وبين الأمريكان لاتغطيها شعارات محاربة الإرهاب ولا توقفها الاتفاقيات ولاغض النظر عن المعسكرات والتحركات العسكرية التي كانت الولايات المتحدة ترصدها بالأقمار الصناعية وتعرف اماكنها ، ولما ترهلت وتضخمت هذه التنظيمات ووجدت نفسها منسجمة مع التنظيمات والحركات الدينية اليمينية المتطرفة في سوريا، ولتوحد الهدف وانسجامه مع تطلعات الولايات المتحدة الامريكية في المنطقة، كان لابد من الانقلاب على السلطة السورية التي كانت تمارس القمع السياسي وتملأ سجونها بأصحاب?الفكر الآخر، وتمارس سياسة الحزب الواحد، وتحارب الديمقراطية وحقوق الإنسان في ابشع الصور، وتعتمد على الاغتيالات وملاحقة المعارضين ، فتوفرت لهذه الحركات والتنظيمات الأسباب الموضوعية والظروف الذاتية التي توجب قيامها مع المعارضة السورية بالثورة على السلطة .
من السذاجة ان نعتقد ان جبهة النصرة التي تشكلت في العام 2011 في سوريا وهي حركة سلفية وتنظيم القاعدة وهما من الحركات الدينية التي تدعو لإقامة إمارة اسلامية، سينسجمان مع بقية التنظيمات المعارضة مالم تذعن تلك التنظيمات للإرادة المتطرفة التي تقاتل وتعمل من اجل ايجاد روابط وجسور فوق ظهور احزاب وحركات دينية اتسمت بالتطرف اليميني في كل من مصر وتركيا وليبيا وتونس والجزائر والأردن والعراق وفلسطين واليمن والسودان ولبنان، بالإضافة الى حراك ظاهر في دول الخليج واتساع حجم وقدرة التنظيم الإرهابي في السعودية، وبما تلقياه ?ن دعم مادي ومعنوي من رجال الدين المتطرفين فيها، ومن اللافت للنظر أن جميع رجال الدين لم يجرؤوا على اصدار الفتاوى التي تكفر المنتحر الذي يفجر نفسه، بل ان تعاطفاً دينياً وطائفي واضحاً وبارزاً في مواقف هذه الفئة يصل الى مستوى التحريض والترحيب وحث الشباب على الانتحار .
ونتيجة القتال المستمر مع القوات السورية وبالرغم من الدعم المادي واللوجستي الدولي الداعم لتنظيمات المعارضة السورية التي تتقدمها جبهة النصرة (جناح تنظيم القاعدة) فلم يتم حسم الأمر، مما اوجب ان تكون هناك ذريعة وسبباً يدعوان لإحداث اختلال في موازين القوة، وهذا الأمر ما تفكر به الادارة الامريكية لإيجاد ذريعة لضرب مفاصل عسكرية واقتصادية مهمة في سوريا، ولقيت تلك الذريعة رغبة وترحيباً من دول عربية وشخصيات اسلامية، وبالرغم من ان الرئيس الامريكي اوباما كان حريصا على الابتعاد عن منطق الحروب والعدوان باعتباره حائزاً ع?ى جائزة نوبل للسلام، كما ان هذا الامر من شعاراته الانتخابية، إلا ان المصالح الامريكية في دفع التنظيمات الاسلامية المتطرفة تؤدي المهمة نيابة عنها فتحرق المنطقة، وهذا الحريق مشروط في ان تسلم اسرائيل والمصالح الامريكية منه .
وسيتم تسوية الامر بإخضاع السلاح الكيمياوي السوري الى رقابة وتفتيش الامم المتحدة، وسيندفع النظام السوري لتوقيع معاهدة منع انتشار الاسلحة البايلوجية، إلا أن الهاجس الأساس لم يزل قائما في ايجاد وسائل لحماية الحليف الإسرائيلي في المنطقة .