المنبرالحر

ما اشبه اليوم بالبارحة! / ناصر حسين

كان البرجوازيون يعانون من طول المسافة التي تقطعها سفنهم التجارية وهي تدور حول رأس الرجاء الصالح من اجل الوصول الى الهند وغيرها. وقد فكروا بحفر قناة تربط البحر الاحمر بالبحر الابيض المتوسط.
ولهذا الغرض دعي الخديوي الى باريس حيث فرضوا عليه ان يوقع معهم عقدا يقرضونه بموجبه مبلغا من المال للصرف على شق القناة التي تحمل الآن اسم قناة السويس. ولتأمين عودة مبالغهم اليهم فرضوا عليه أن ترهن لديهم عائدات رسوم مرور السفن في القناة وأن تشكل لهذا الغرض شركة بريطانية – فرنسية تتولى ادارة القناة واستلام الرسوم.
شقت القناة واخذت التجارة الدولية تمر عبرها مقابل رسوم تستلم من قبل شركة ادارة القنال.
ومرت السنين الطوال على هذا المنوال.
رحل الخديوي عن الحياة ورحل فاروق عن السلطة وتركوا لمصر ارثا فرضوه على الخديوي فرضا.
الحكومة المصرية الجديدة التي قامت بعد ثورة 23 تموز 1952 أرادت ان تشيّد سدّا على نهر النيل من اجل تنظيم الري في النيل وتوليد الكهرباء في محطة كهرومائية تشيد ضمن منشآت السد.
فاوضت صندوق النقد الدولي عن قرض تستلفه لغرض تشييد السد ووعدهم الصندوق بإقراضهم المبلغ الذي يريدون. قرض بفوائد، ما الذي يمنع الصندوق من التوقيع عليه والالتزام بتسليمه الى مصر ؟
الحكومة المصرية وهي تفاوض الصندوق كانت تفاوض الحكومة التشيكية لبيعها اسلحة حديثة من اجل تسليح الجيش المصري الذي كان سيّئ التسليح ايام الحكم الملكي وكمثال على تلك الحالة التي كان عليها الجيش المصري قبل الثورة ان السلاح الذي كان يستخدمه الجندي المصري لمقاتلة الهجّانة الاسرائيلية عام 1948 كان يتفجر عليهم ويقتلهم وقد تم الاتفاق على ذلك ووصلت الاسلحة التشيكية الى مصر فعلا عام 1955 و كانت اسلحة حديثة ومتطورة. وهذا ما اغضب دول حلف الاطلسي وفي المقدمة منها بريطانيا وفرنسا : حماة اسرائيل آنذاك.
ضغطوا على صندوق النقد الدولي وحملوه على سحب العرض المقدم الى مصر لاقراضها من اجل تشييد السد العالي على نهر النيل. وهذا ما حمل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر على أن يتخذ قرارا بتأميم شركة ادارة قناة السويس عام 1956 لاستخدام رسوم مرور السفن فيها لتمويل تشييد السدّ وقد كتب العديد من المسؤولين المصريين عن ان القوات المصرية المتواجدة في منطقة القناة كانت قد استلمت التعليمات بمفاجأة الشركة والسيطرة على مقراتها حال اذاعة قرار تأميمها للحيلولة دون تلاعبها بالسجلات وقد تم ذلك فعلا.
وقد فوجئ المجتمع الدولي بما اعلن في حينه من ان كافة رسوم مرور السفن في القناة كانت تذهب لتسديد خدمات الدين- أي الفوائد - ونفقات ورواتب منتسبي الشركة وان القرض الاصلي لحد يوم تأميم القناة لم يسدد منه ولا جنيه مصري واحد.
ومعلوم كيف ان بريطانيا وفرنسا جابهتا القرار المصري بالرفض وشكتا مصر لدى مجلس الامن الدولي وأعدتا العدّة لعدوانهما المشترك مع اسرائيل على مصر في تشرين الثاني عام 1956. وهزم العدوان الذي جابهه المجتمع الدولي بالرفض ونجح قرار التأميم وشيّد السدّ العالي.
وهكذا بقيت دائما انظر الى مسألة أخذ القروض من الشركات او من الدول او من صندوق النقد الدولي او من البنك الدولي للإنشاء والتعمير على انه رهن وتفريط بسيادة الدولة المقترضة وسلامتها ويجرها شاءت ام أبت الى كارثة سياسية واقتصادية واجتماعية. وليس ببعيد عنا كيف وضعت المنظمة الدولية اليد على مبيعات نفطنا الخام من اجل ضمان تسديد ديون على العراق تسببت بها حروب المقبور صدام حسين الكارثية.
لقد تراكمت علينا الديون يا سادة وقد حزنت كثيرا لأنني وانا استمع الى تصويت البرلمان على مفردات موازنة 2017 أن ما أفرد لحقل الديون كان مخصصا لخدمات الدين، تسديد الفوائد، وليس لتسديد اقساط الديون وهذا النهج ان استمر سيوصل الامور الى حد ان وارداتنا النفطية مع استمرارية التذبذب في اسعار النفط ومفاجآته الكارثية سيجعلنا ذات يوم عاجزين ليس فقط عن تسديد الدين، بل عاجزين حتى عن تسديد فوائده.
وان قبل اكثر من سنتين كتبت على صفحات جريدة طريق الشعب محذرا من الوصول الى هذه حالة واتذكر انني كتبت حينها متسائلا على ضوء المقترح الذي قدموه الى اليونان عندما عجزت عن تسديد ديونها بأن تبيع احدة جزرها المنتشرة في بحر ايجه عما سيطلبون منا بيعه لتسديد ديوننا اذا ما عجزنا عن تسديدها وهل نسلمهم العراق ونرحل لنعيش متسكعين على ارصفة شوارع الدول الاخرى نطلب الصدقات ؟
الأمر تجاوز الحدود يا سادة والدولة الآن مدعوة لاتباع نهج جديد في سياستها الاقتصادية لتنويع مصادر الدخل وفي مقدمة اجراءاتها في هذا المجال ينبغي ان يكون انهاض صناعتنا بتدوير عجلة المصانع الحكومية المتوقفة عن العمل، تأمين كافة مستلزمات قيام القطاع الخاص بتدوير عجلة معامله وورشه المتوقفة عن العمل، تأمين الشروط المطلوبة لإيقاف التدهور المستمر في مجال الزراعة والنهوض بها من جديد.