المنبرالحر

انتفاضة آذار عام 1991 في كركوك / خلف الشرع

كانت المدينة في ترقب رغم الرعب والذعر والقصف الصاروخي الامريكي واصوات الانفجارات الضخمة ودوي الانفجارات المختلفة و نزوح الكثير من العوائل باتجاه تكريت وبغداد على شكل طوابير مشاة هربا من جحيم الحرب وعلى اعتبار ان المدينة اصبحت هدفا لصواريخ وقذائف الامريكان ولكن رغم هذا كنت ترى مجاميع المتجولة،المستطلعة من الناس حتى اصبحت قوات البيشمركة على مشارف المدينة، تدخل المدينة. القوات الحكومية العراقية تفر هي واليا تها تغادر المدينة! وشيئا فشيئا تخلو الشوارع من القوات النظامية التابعة للسلطة التي هربت باتجاه تكريت... مجاميع من العسكريين وقسم منهم قادم من السليمانية...! تهتف ضد النظام، وتوجه فوهات بنادقها نحو صورة الدكتاتور صدام وجدارياته، الدبابات التي اختار لها النظام اماكنها في مفترق الشوارع الرئيسية والمنعطفات الكبرى معسكرات، السلطة خصوصا معسكر خالد،,الذي بدا مهجورا الا من بعض المقرات، وانتشر خبر قدوم البيش مركة، وفعلا وصلت ودخلت المدينة، تواجدت في شوارعها، التقيت بعض افرادها، كانوا مسلحين ومتمنطقين بالعتاد ممتشقين بنادقهم وقاذفاتهم.كان لي حديث مع احدهم وكان من الحزب الديمقراطي الكردستاني، مع مجموعة كانوا بيشمركة (الحزب الشيوعي العراقي), وعلى رأسهم شاب يعتمر بيرية ويرتدي سترة عسكرية يسمونه – جيفارا- شاب في مقتبل العمر. وقد سمعت بأنه, في مقرالقيادة الشيوعية التي اتخذت من بناية مقر الاتحاد العام لنقابات العمال في منطقة امام قاسم ،كانت بناية من عدة طوابق حديثة البناء مطلية باللون الوردي الغامق وهناك وجدت الرفيق ابو يسار، الرفيق حسان عاكف، والرفيق ابو عادل الرفيق، علي لفته وهم يلبسون الزي الكردي. فتقدمت اليهم فرحا معا نقا اياهم،,سالتهم عن بعض الرفاق قالوا بعضهم ظل في اوربا. بعد لقاءات عدة كان لنا مقر وحراس في مدينة الدوميز كان بيتا مهجورا لاحد طياري النظام،, وبيت اخر جعلنا منه (موقفا) للمتجاوزين ! والسراق! صار مقرنا مكانا لتوزيع الارزاق،الخبز والحليب الجاف وبعض الادوية، ثم صار ملتقى السكان واقامة الندوات ، وتبرع احد السكان بسيارة برازيلي موديل -87 – وهكذا صارت لنا سيارة ترفع رايتنا الحمراء علامة لنا وقد اعددت انا بيانا باسم الحزب والقوى المنتفضة الوطنية القومية والديمقراطية وقد اضاف الرفيق حسان عاكف بعد اطلاعه على المسودة والقوى الاسلامية. توجهت الى المنطقة –الدوميز - وقد تعاون معي شيخ الجامع وقت ذاك َ وقد جلب مولدة كهربائية صغيرة وشغل مكبرات الصوت واذعت البيان بصوتي باسم الحزب والانتفاضة.
هكذا اصبح مقر الحزب مكانا لالتقاء ابناء المنطقة حيث باتت الندوات مستمرة فضلا عن الجولات في الاسواق، والدعوة الى مناصرة المنتفضين, وعدم استغلال الناس. وعدم رفع الاسعار وغيرها, وكان الامل ان نفتتح مقرا اخر في حي واحد حزيران، وقد فرح السكان حتى ان احدهم دعانا الى بيته وعمل لنا وليمة.
وعلى الجانب الاخر باتجاه تكريت،كان النظام يجمع قواته واسلحته للا نقضاض على الانتفاضة..! واعادة سيطرته على المدينة ويا للاسف في الاسبوع الاخير، زحفت هذه القوات, مبتدئة بتحليق الطائرات السمتية التي كانت تلقي مسحوقا ابيض موهمة الناس، بأنه مواد كيمياوية ثم الدروع، واشتبكت القوات المنتفضة مع قوات النظام واستشهد الكثير من الثوار ثم بدأ الانسحابن وكان اخرهم مقاتلي الحزب الشيوعي وقد سمعت الرفيق المكنى –جيفارا- قد استشهد. وهكذا تم الانقضاض على الانتفاضة الحلم...! تم الانسحاب باتجاه السليمانية واربيل. كانت جثامين الثوار علامة مجد وتضحية وفخر, قوات النظام لم تدخل المدينة بسهولة ، بل واجهت مقاومة المنتفضين قبل انسحابهم. وقد بدأت الاعدامات الميدانية على الجدران وعلى الارصفة. وقبل نهاية اذار كنت متخفيا في بغداد. وقد واصلت القوات الحكومية تقدمها باتجاه السليمانية وقد تعذر رجوع اخي محمد وابني بسيم وابن خالي عادل الى كركوك ثم بغداد بعد ان طاردتهم القوات الحكومية حتى مشارف السليمانية. وهذه حكاية اخرى طويلة من حكايات الانتفاضة البطلة.
عاد النظام.. لكن الانتفاضة رغم تعثرها تعتبر مأثرة.