المنبرالحر

الاسبوع الزراعي التاسع ويوم الشجرة / زاهر نصرت

افتتح المعرض التاسع للاسبوع الزراعي ويوم الشجرة للمدة من ( 14 الى 21 ) من شهر اذار الحالي كما اعلنته وزارة الزراعة وبرعاية السيد رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي وبأشراف من السيد وزير الزراعة والمقام على ارض معرض بغداد الدولي ... فماذا يعني الاسبوع الزراعي ويوم الشجرة .
لقد اصبحت الاحتفالات بيوم الشجرة تقليداً عالمياً تقيمه الدول والمنظمات العالمية والاقليمية والوطنية التي تعنى بتطوير وتنمية القطاعات الزراعية في بلدان العالم من اجل اكرام الشجرة ورعايتها وكذلك لتحفيز افراد المجتمع لغرس الاشجار وانمائها والحفاظ عليها وتنمية حبها في نفوسهم وحثهم على العناية بها وادامتها كرفيقة للانسان وكرمز لحياة المجتمعات البشرية ... ففي العراق وقبل ستين عاماً وتحديداً في السابع عشر من اذار عام 1956 اقامت وزارة الزراعة في منطقة الزعفرانية احتفالاً مهيباً واسعاً وهو الاول من نوعه بيوم الشجرة برعاية الملك فيصل الثاني .
لقد حظيت الشجرة منذ سالف الازمنة باهتمام ورعاية المجتمعات البشرية حيث كان العديد من تلك المجتمعات يقيمون احتفالات سنوية ومهرجانات شعبية يعبرون من خلالها عن اهتمامهم واعتزازهم بها ، ذلك الاهتمام المرتبط بمعتقداتهم الخرافية ودياناتهم القديمة التي تجعلهم يقدسون الشجرة ويعبدونها وقد برع العراقيون منذ بزوغ فجر الحضارات الاولى بفلاحة الارض واعمار البساتين وشق الانهر فكانت حضارة وادي الرافدين باعثاً لحضارة الانسان ونهضته وابداعه على مر الازمنة والعصور ... ان الانسان البدائي ومنذ ان خطا اول خطواته على سطح البسيطة وجد الشجرة على جبالها وروابيها وسفوحها وكأنها تنتظر ابن ادم ليمد اليها يد العون والنماء فرافقها واحبها وأنس بقربها واعتبرها رفيقة حياته ومصدر عيشه وخيراته ووسيلة لديمومته وبقائه فهي امه الحنون تظلله بظلالها وفيئها وتقيه من قساوة البيئة فتحميه من شدة حرها وقارص بردها كما يتغذى من ثمارها ويكتسي من اغصانها وفروعها ويتداوى بثمارها واوراقها وجذورها فاستخدم سيقانها وجذوعها مسكناً ومأوى له من مخاطر العراء وتوفر له الامان والاستقرار وصنع من اخشابها ادواته ووسائله ومستلزمات حياته اليومية .
لقد كان الاقدمون استناداً لهذه المعطيات المهمة يقدسون الاشجار وينظرون اليها نظرة حب وتقديس ففي التراث الانساني للمجتمعات البدائية كان الهنود القدامى يعتقدون ان الشجرة خلقت من ذراع براهما وان عليهم الاعتناء بها وتقديسها ، اما في مصر القديمة فكانوا يعتقدون ان الالهة ايزيس هي التي لقنت الانسان الدروس لزراعة الاشجار واما العرب الاوائل فكانوا يعتقدون كما ذكره المسعودي في مروج الذهب ان ادم عليه السلام عندما هبط من الجنة اخرج معه منها صرة من الحنطة وثلاثين عقلة من اشجار الجنة كالجوز واللوز والبندق والرمان والخوخ والمشمش والتين وغيرها وفي تراثنا الاسلامي ومن طريف ما كتبه ياقوت الحموي ان الخليفة المقتدر بالله كانت له دار كبيرة تسمى دار الشجرة وكانت واسعة ذات بساتين مورقة واشجار مثمرة وسميت بهذا الاسم لوجود شجرة كانت فيها مصنوعة من الذهب والفضة تشمخ وسط بركة ماء مدورة ولها ثمانية عشر غصناً لكل غصن منه فروع كثيرة مكللة بأنواع الجواهر على شكل الثمار الطبيعية وعلى اغصانها انواع الطيور من الذهب والفضة ايضاً .
في العصر الحديث وجراء ما احرزته الدول المتقدمة من وعي وتطور معرفي وتقدم علمي فقد تجلت اهمية الاشجار في حياة الانسان وتأثيرها الايجابي في مجمل نشاطاته وفعالياته الاقتصادية والحياتية وذلك من خلال ما توصلت اليه الابحاث الجديدة من توسيع استخدامها في مجال صناعة الورق والاثاث والفحم النباتي والسليلوز الذي يدخل في صناعة المفرقعات وكذلك في استخراج الاصماغ والاصباغ وبعض المواد الكيمياوية المستخدمة في العقاقير الطبية ولم تكن فوائد الاشجار مقتصرة على هذا فحسب بل تتعداها الى تحسين البيئة وتلطيف المناخ وصد الرياح وامتصاص الغبار والتراب من البيئات المعرضة للعواصف الترابية كما انها تعمل على تثبيت التربة وحمايتها من التعرية والانجراف .
ان هذا المعرض يعد حلقة وصل بين وزارة الزراعة وبين الباحثين المختصين والمستثمرين بالشأن الزراعي لاعتباره تظاهرة علمية زراعية تعبر عن التقدم الحاصل لهذا القطاع المهم من خلال المعروضات الزراعية المحلية وبهذه المناسبة نناشد الجميع ان يجعلوا من هذا المعرض ومن يوم الشجرة منطلقاً لثقافة حب الشجرة والتشجير والاهتمام بالزراعة وان يتبنى سكان المدن والارياف من الرجال والنساء وطلاب المدارس اتجاهاً حضارياً في ممارسة غراسة الاشجار ورعايتها والحفاظ عليها لكي يتحول العراق الى واحة خضراء بغاباته واشجاره المورقة والمثمرة والتي تدعم اقتصاد البلاد وتشكل ثروة وطنية كبيرة تنعم بها اجيال الحاضر والمستقبل ...