المنبرالحر

وهل استطاعت ظلمات الكون ان تحجب نوركم؟ / خالد العبيدي

نتيجة للظلم والتعسف والاضطهاد الذي مارسته المملكة المتحدة البريطانية خلال فترة احتلالها للعراق بحق الشعب وقواه الوطنية وفرض هيمنتها واستحواذها على جميع خيرات وثروات البلاد انطلقت ثورة العشرين المجيدة التي قادها شيوخ العشائر تعبيرا عن رفضهم للاحتلال ومطالبتهم بعراق حر مستقل بعيدا عن الاطماع الاستعمارية وتطلعاتها المستقبلية وتسبب الضغط الحاصل والنضال المستمر وجدت بريطانيا ان لا مفر امامها الا الركوع والاستجابة لمطالب الشعب فعملت على تأسيس الدولة العراقية عام 1921 اي بعد سنة على الانتفاضة العشائرية التي ارهقت المحتل وكبدته خسائر لا تعد ولا تحصى وبالمكوار فقط مما جعل الثوار يرددون بهوساتها العربية المشهورة (الطوب احسن لو مكواري) وجلبت رجلا من الحجاز ونصبته ملكا على العراق.
وعلى الرغم من كل هذه الخطوات لم يتوقف الشعب وقواه الوطنية عن مواصلة نضالاته ضد المحتل وعصاباته ومما زاد من سعير ظواهر الحمى هو ترك الشعب وسط العاصفة يعاني ظروفا صعبة وخاصة تلك التي عاشها في عام 1929 اثناء تعرض العالم الى ازمة اقتصادية عالمية نظرا لكونه ضمن الشعوب الخاضعة للسيطرة والاحتلال البريطاني وبسبب هذه الظروف والمعاناة التي تعرض لها وخاصة بعد اتفاقية عام 1930 الاسترقاقية تأسست لجنة وطنية ذات مغزى ومفهوم تحرري هدفها مكافحة الاستعمار والاستثمار والدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب العراقي عام 1934 التي سرعان ما غيرت اسمها بعد عام من تشكيلها الى الحزب الشيوعي العراقي الذي وجد ان المرحلة القادمة تقتضي وضع الاسس والمناهج والبرامج الحقيقية للسير عليها في نضاله الوطني والطبقي ضد اعدائه المحتلين. ولعله ليس من الخطأ القول ان الوقت الذي جرى فيه تأسيس الحزب لم يكن متماشياً مع تطلعاته واهدافه النبيلة لكونه كان يمر بظروف غاية في الصعوبة والتعقيد ورغم ذلك فان ظهوره على الساحة السياسية كان له بالغ الاثر في دعم الحركة الوطنية وتنشيطها وكان هذا الظهور بمثابة قنبلة موقوتة استطاعت ان تغير مجرى الاحداث وتقلب موازين القوى رأسا على عقب لصالح الطبقات المعدمة من الشغيلة والفلاحين والكسبة والكادحين الذين كانت حياتهم اشبه بالجحيم وكان للحزب الفضل الاول والاخير بالتأثير والتطوير والتوعية الجماهيرية داخل طبقات وشرائح المجتمع وتعريفهم بحقيقة الامور التي تجري خلفهم من قبل المحتل وعملائه وقد حظيت نضالات الحزب بالاقبال والترحيب من قبل الجميع كما واصل الحزب نضاله باستخدامه كل الوسائل والاساليب ضد الاعداء والمحتلين البريطانيين ومن وقف معهم من العملاء والخونة وفاقدي الشرف والضمير وايدوه في جميع خطواته واجراءاته التعسفية الظالمة وكانت هذه الفترة المهمة بحياة الشعب تشهد ظهور احزاب وتيارات سياسية مختلفة التوجهات لكل منها مشروعه واهدافه فيها من هو مع الشعب ومنها من اصطف مع المحتل واصبح خادماً لمشاريعه وخططه الاجرامية وهنا وفي خضم هذه الاحداث لا بد من الاشارة بالدور العظيم الذي لعبه مؤسس الحزب الرفيق الخالد فهد في تهيئة الشعب وتحضيره واستعداده لخوض غمار المعركة النضالية بكل اشكالها المتعددة يعاونه بذلك بعض رفاقه الاكفاء الذي لا يعرفون الكلل ولا الملل ولا يهابون الموت ولا يكترثون للمصائب والاهوال.
كان العراق آنذاك مستهدفاً للمطامع الاستعمارية التي كان هدفها هو السيطرة على النفط وتنافست الدول الطامعة وهي بريطانيا وفرنسا وجاء دور المانيا وفي كل هذه الظروف واشتداد الصراع الدولي على المنافع والمصالح الستراتيجية ولد الرفيق فهد وكانت ولادته عام 1901 في بغداد وهو من عائلة عاشت مرحلة حياتها في منطقة ألقوش التابعة لمحافظة نينوى ثم انتقلت الى الناصرية وهناك شكلت اول خلية حزبية شيوعية ومنها وبسبب عظمة المبادئ وصدق الوفاء والاداء انتشر الفكر بين اوساط كبيرة من كادحي العراق وفلاحيه وكسبته واصبح الحزب الذي يمتلك الشارع مما اثار حفيظة الاستعمار وعملائه المأجورين فتسلطت عليه الاضواء وتوجهت نحوه الملاحقات والمطاردات وكانت عملية اعدام قياداته المتمثلة بالرفاق (فهد وحازم وصارم) اكبر نكسة وصدمة تعرض لها الحزب في سنوات الاربعينات من القرن الماضي ولكنها لم توقف عجلة نضاله ولم تجعل الغلبة لصالح اعدائه اعداء الحرية والتقدم والحياة.
لقد بذل الحزب قصارى جهوده منذ بداية تأسيسه وحتى الآن على تنشيط وتطوير تنظيماته وبشكل سري وانطلاقا من اعماق خبرته وتجربته المريرة والطويلة استطاع ان يتوسع وينتشر بشكل مثير للاعجاب في العديد من المحافظات ومنها بغداد والناصرية والبصرة والعمارة والنجف الاشرف وغيرها، لانها كانت تزخر بالمناضلين وارضيتها خصبة لتقبل الافكار على اعتبار ان قاعدتها الاساسية لواقعها السكاني والاجتماعي يتكون من الفلاحين الفقراء الذين يشكلون اكثر من نصف سكان العراق ولم يتوقف نشاط الحزب على هذه الشرائح وحدها فحسب، بل امتد الى الطلبة والعسكريين واصحاب العلم والمثقفين وكان الحزب يواصل جهوده ومساعيه للعمل والتنسيق مع الاحزاب والقوى الوطنية لانهاء الاحتلال وانقاذ البلد مما هو فيه واقامة نظام وطني تحترم فيه حقوق المواطنين وتنتهي فيه كل اساليب القمع والتهجير .
وهكذا ونتيجة لهذه التطلعات والطموحات جاءت ثورة 14 تموز 1958، لتنهي نظاماً دام اربعة عقود من الزمن تعرض فيه الشعب الى الظلم والاذى والعذاب وحققت العدالة الاجتماعية وعودة الحقوق المغتصبة الى اصحابها الشرعيين ولكن أعداءها الحقيقيين من البعثيين والقوميين والاقطاع والرجعيين تجمعوا في خندق واحد لاجهاضها والقضاء عليها ولعبت الاخطاء واللامبالاة دورا اساسيا في نجاح المؤامرة ووصول منظميها الى الحكم. وكان من اولى خطواتهم هو تصفية الحزب وتدمير منظماته لانه العائق الرئيس امام مخططاتهم الشريرة وكان اول ما قاموا به هو اعدام قادته وهم سلام عادل وجمال الحيدري ومحمد حسين ابو العيس ورحيم شريف وحمزة سلمان وعبد الجبار وهبي ومتي الشيخ ومحمد صالح العبلي وجورج تلو ونافع يونس وعشرات المناضلين غيرهم اضافة الى الرفيقات وما جرى عليهن من مصائب واهوال ناهيك عن الذين فقدوا وظائفهم وامضوا فترات طويلة داخل السجون والمعتقلات لا لذنب ارتكبوا الا لأنهم شيوعيون يحبون وطنهم ويدافعون عن حقوق شعبهم وهذا ما أغاظ الخونة وفاقدي الضمير.