المنبرالحر

استراتيجية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي ازاء العراق (2) / فارس كريم فارس

ومع دخول التيار السني تدريجياً إلى العملية السياسية وهذا ما ظهر واضح في انتخابات مجالس المحافظات 2009، فإن المملكة العربية السعودية عملت على دعم الجماعات السنية من أجل مشاركة فعالة في البنية السياسية العراقية، لأحداث حالة من التوازن أمام الجماعات الشيعية المتصلة بإيران من أجل تقليل نفوذها في العراق، وفي الانتخابات البرلمانية العراقية مارس 2010 أيدت المملكة العربية السعودية تحالف "العراقية" على اعتبار أنه الممثل عن أهل السنة العراقيين، وتمثل الدعم مالياً واستخباراتياً فضلاً عن زيارة إياد علاوي للملكة، وبعد فوز علاوي بأغلبية المقاعد طالبت السعودية بتشكيل الحكومة برئاسة إياد علاوي، لأن بذلك ممكن أن يحد من التأثير الإيراني في العراق، لذلك فإن الهدف الرئيسي من السياسات السعودية في العراق هو العمل على الحد من النفوذ الإيراني ومع ذلك توجد مناطق أخرى مثل لبنان وفلسطين (ولاحقاً سوريا واليمن) تعمل المملكة العربية على لعب دور مؤثر فيها، وذلك حتى توازن من قوتها الإقليمية أمام إيران.
ومع ظهور الاحتجاجات الجماهيرية في البلدان العربية وما سمي "بالربيع العربي" شهدت العلاقات بين العراق والدول الخليجية توتراً على خلفية موقف العراق من الاحتجاجات في البحرين، حيث أيد العراق تحرك المعارضة البحرينية وأدان تعامل النظام البحريني معها، واعتبر المالكي في مارس 2011 دخول قوات "درع الجزيرة" إلى البحرين سيعقد الأوضاع في المنطقة و"يؤجج العنف الطائفي" واعتبر في حديثه مع قناة "بي. بي. سي" البريطانية 26/آذار (مارس) 2011، أن القضية أصبحت قضية بين الشيعة والسنة"، كما تعاون العراق مع إيران في تقديم الدعم لنظام الأسد، اقتصادياً، وعسكرياً من خلال تدفق الأسلحة والمليشيات للقتال بحجة الدفاع عن المقدسات..... كل هذا أدى إلى تأجيل عقد القمة العربية في بغداد التي كان من المقرر عقدها في 10 مارس 2011.
أما عندما بدأت المظاهرات المعادية للنظام في سوريا عام 2011، حاول المبعوثون السعوديون إقناع الأسد بقطع صلته بطهران، مقابل دعم الرياض، فمن الواضح أن السعودية تفضل وجود دولة غير ديمقراطية إلى الشمال منها ولا سيما إذا كانت معادية لإيران، إلا أن الأسد رفض ذلك، الأمر الذي دفع السعودية بالتعاون مع الأنظمة الملكية الأخرى، للشروع بدعم الجماعات المتمردة بالسلاح وبالجهود الدبلوماسية، وفي الوقت الذي كان فيه يتدفق مقاتلو القاعدة والمنظمات الارهابية الاخرى مع الاسلحة والمتفجرات من سوريا للقتال في العراق تحول بالاتجاه المعاكس من العراق الى سوريا بدعم من بلدان الخليج ضد نظام الاسد، ونتيجة للسياسة الطائفية الخاطئة للحكومة السابقة تم تغذية الاحتجاجات ومعاناة المناطق الغربية وعموم حالات التمرد بتدفق المقاتلين والارهابيين من سوريا الى العراق هذه المرة باسم تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) لتحتل مساحات واسعة من العراق في غضون اشهر مع انهيار وهروب جماعي لقادة الجيش وضباطه ومقاتليه ليعكس هشاشته وعمق الفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة التي غدت لا دولة في ظل الحكومة السابقة، نتيجة سياساتها الداخلية والخارجية المتخبطة والخاطئة.
أن "الهلال الشيعي" أو "القوس الشيعي" الممتد من طهران إلى بيروت سيتم قطعه بالإقليم السني المدعوم بقوات عسكرية محلية ودعم خارجي كبير، وهذا احد السيناريوهات الموضوعة والذي سوف لن يكلف المملكة العربية السعودية سوى المال من دون الحاجة إلى تدخل قواتها بشكل مباشر، لقد غدا العراق حقاً الجبهة الجديدة للتنافس السعودي الإيراني. وما يزيد الأمر سوءاً في العراق هو حقيقة أنه أضحى، مثل سوريا، مسرحاً للحرب بالوكالة بين إيران والسعودية مع تبني تركيا تحت وطئة الظروف المحيطة دوراً مناهضاً لإيران، ونظراً إلى أن السعودية وتركيا هما حليفتا الولايات المتحدة فإنه من الواضح هناك حربا داخل حرب بالوكالة، وضعت إيران ضد الولايات المتحدة والسعودية والأخيرة بدورها تعد طهران خصمها الرئيسي في الشرق الأوسط الحيوي والغني بالطاقة.
ربما لا تتفق الأهداف السعودية مع أهداف المتمردين في قيام دولة سنية وسط وغرب العراق تتحالف مع دولة سنية في سوريا بعد الأسد، إلا أن السعودية كانت تدعم حرب الاستنزاف مع السلطات الشيعية أملاً في أن يؤدي ذلك إلى اضطراب مالي وسياسي في بغداد وطهران، حيث باتت على يقين بان المالكي ينفذ الاجندة الايرانية في العراق، الا ان سيطرة داعش على هذه المساحات الواسعة في سوريا والعراق واعلان دولة الخلافة التي تعتبر نفسها بديلا للأنظمة الملكية في الخليج والسعودية على وجه التحديد، ومع مجيء الحكومة الجديدة بقيادة العبادي وسعيها لترطيب العلاقات العراقية مع دول الجوار ومحاولة طمأنتها كونها لا تنفذ اجندة دول ضد دول اخرى، ومحاولة تصفير المشكلات معها وخاصة السعودية وتركيا والكويت والاردن مع وعود لترتيب الوضع الداخلي واحياء الشراكة مع المكونات الاخرى ومحاربة الارهاب وتنظيم الدولة وتحرير المدن المحتلة كأولوية لها، كل ذلك ساهم بإعادة حسابات هذه الدول في تعاملها مع الحكومة الجديدة والمبادرة باستعادة واحياء العلاقات الثنائية ولأول مرة تعين السعودية لها سفير في بغداد ويزورها وزير خارجية بعد قطيعة تقارب الثلاثة عقود رغم التوجس والحذر.
إن هدف طهران الأساسي هو الاعتراف بها كقوة إقليمية كبرى في الشرق الأوسط، هذا الطموح جعل إيران في مواجهة مع المملكة العربية السعودية التي لديها تطلعات مماثلة نظراً لما تملكه من ثروة نفطية هائلة ووصاية على أقدس المواقع الإسلامية، وقد ازدادت وتيرة هذا الصراع مع التحدي الإيديولوجي الذي شكلته الثورة الإيرانية عام 1979وذلك لأن شرعية آل سعود مؤسسه على الملكية الوراثية التي تستند إلى التفسير الإسلامي القاضي بوجوب طاعة الشعب والذي يتعارض مع التفسير الإيراني الذي ينظر إلى الإيديولوجية الدينية كأداة للتعبئة السياسية الشعبية، فاصبح العراق المسرح الرئيسي للعبة التنافس من خلال دعم إيران القوي لحكومة المالكي ومعارضة الرياض الشديدة له في الفترة السابقة.
وكما لا يمكن أن يُفسر المأزق السوري إلا بالإشارة إلى تورط قوى خارجية فإنه لا يمكن تفسير انزلاق العراق إلى النزاع الأهلي من دون الرجوع إلى مكائد القوى ذاتها، إيران والسعودية على وجه الخصوص وتركيا الى حد ليس بالقليل، وعموماً فإن الانقسامات الداخلية والتنافس الإقليمي غالباً ما جعل من العراق وشعبه يدفع ضربة من دماء ابنائه دون ثمن يذكر.
وهنا لابد من تخطئة سياسة المحاور فأنها لا تجلب للدولة العراقية الهشة اصلا سوى مزيد من التبعية والضعف والتفكك، وضرورة الانتباه الى عدم خلط مواقف الاحزاب الايديولوجية التي تتبوأ مراكز في السلطة (مهما تكن) بمصالح الدولة الوطنية العليا وامنها القومي وضرورة طمأنة بلدان الجوار بدون استثناء بانتهاج سياسة وطنية مستقلة لن تكون اداة بيد دولة ضد اخرى ولا تتدخل بالشؤون الداخلية لها كما تطالب بعدم التدخل بشؤونها.
وبات من غير الممكن القبول بان يكون الشعب العراقي حطبا للنار المشتعلة بين دول الجوار المتنافسة على الهيمنة والنفوذ وبحجة حماية المذهب من اجل مصالحها الذاتية واجندتها الخاصة دون النظر الى مصلحة واستقرار ورفاه الشعوب الاخرى، ان المكونات المتعددة في العراق لا يحميها الا وحدتها الوطنية ونظام سياسي مدني يعتمد المواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية.
انتهى