المنبرالحر

بمناسبة الذكرى الثالثة والثمانين لتأسيسه دور الحزب الشيوعي في بناء الحركة النقابية / نوار احمد

لا شك أن الموضوعة القائلة ان الحزب الشيوعي هو حزب الطبقة العاملة لم تكن عبارة ادبية مجردة، برغم استعمالها في الادب الثوري على نطاق واسع، ولا هي من مبتدعات بلاغة اللغة وبديعها، بل تعكس بحق هوية الحزب الطبقية وتؤكد انبثاقه من حركة الطبقة العاملة الثورية، كما توضح دوره الطليعي في الحركة الوطنية والثورية السائرة في طريق تحقيق اهدافها ومطامحها الاقتصادية والاجتماعية.
والحزب الشيوعي العراقي اكد صفته الطبقية في نظامه الداخلي ووثائقه الرسمية منذ الايام الاولى لانبثاقه وحيثما توفر لهيئاته وجماهيره قابلية استيعاب وتجسيد هذه الصفة الطبقية في الممارسة اليومية والتطبيق العملي. فقد جاء في المادة الاولى من النظام الداخلي (( ان الحزب الشيوعي العراقي هو حزب الطبقة العاملة العراقية يعبر عن امانيها واهدافها ويجسد حركتها الثورية، اليها يرجع قيامه ولمصلحتها وضعت وتوضع خططه ولغرض سلامتها وتقويتها وتوجيهها يشاد تركيبه ويسن نظامه الداخلي )). وقد بر الحزب بعهده المبدئي هذا، بكل اخلاص، ولم يحد عن هذا النهج حتى في احلك الايام التي مرت على الوضع السياسي والاقتصادي والازمات السياسية والفكرية التي اصابت الحركات والمنظمات مرات كثيرة. لقد توافق نشوء الحركة النقابية ونشوء الطبقة العاملة العراقية في وقت واحد، وبالضبط فان انعكاس الظروف على الطبقة انذاك، انعكس على حركتها النقابية واكسبها ذات المميزات والخصائص منها عنصر الوعي والجهاد والتصميم.. الخ. هذه المميزات التي وجدت بذورها الاولى في بداية تكوين الطبقة العاملة العراقية في ظل السيطرة الاستعمارية وفي غمرة مجابهة الاحتكار والمؤسسات الامبريالية واساليب الاستغلال البربري واعمال السخرة والحرمان من ابسط مقومات الحياة الادبية. نشأت الحركة النقابية بادئ الامر في المؤسسات الاحتكارية ومرافق العمل التي لها علاقة بالسيطرة الاستعمارية ولمجابهة شروط العمل القاسية والتصدي لادارتها التي هي في ذات الوقت ادارات السيطرة على البلد وخيراته. وقد افتتحت الطبقة العاملة عهدها في اول اضراب شامل ومنظم، ذلك هو اضراب عمال الميناء عام 1924 بقيادة الرفيق فهد مباشرة وقد حقق مطالبه بفضل حسن قيادته وتوجيهه وشموليته، واختيار الظرف المناسب له. وكانت هذه الباكورة بداية لتاريخ طويل حافل للطبقة العاملة وحركتها النقابية.
اجتازت الحركة النقابية مرحلتها الاولى التي انتهت في اواسط الثلاثينيات، وسط صعوبات ومحن سببها بالاضافة الى السياسة المجرمة التي فرضها الاستعمار والاجهزة الحاكمة تأثير نفوذها على الحركة وربطها، بشكل او بآخر بحركة احزابها ونهجها البورجوازي.. ولكن بالرغم من ذلك استطاعت الحركة النقابية بفضل اشعاعات الوعي التي اخذت تنير طريقها واخلاص عناصرها الاساسية وجسامة المهام المطروحة على الصعيد الوطني والطبقي والخبرة التي حصلت عليها من تجاربها الخاصة.. الخ. استطاعت الحركة النقابية أن تسجل في مراحلها الاولى تاريخا حافلا بالانجاز والاحداث الضخمة، الاضرابات والاحتجاجات والمشاركة في المعارك الوطنية، وتحقيق كثير من المكاسب الاقتصادية والتشريعية ونشر الوعي بين جماهير العمال ورفع مستوى التنظيم النقابي والممارسة النقابية وتصعيد النضال الوطني والطبقي بين العمال.
ومرة اخرى شاء الحزب الشيوعي أن يؤكد على اهمية التنظيم النقابي للعمال بالنسبة لظروف عام 1944 الدقيقة والحماسة، فتوجه قائده بنداء الى جميع المواطنين، حثهم على وجوب مساعدة الطبقة العاملة العراقية في حركتها النقابية باعتبارها الجبهة الاولى في النضال الوطني والديمقراطي، لانها فتحت الباب للنضال والتنظيم النقابي الذي لابد أن تتبعه اشكال اخرى من التنظيم السياسي الديمقراطي، وانها تهدف الى وضع مستوى الطبقة العاملة العراقية التي هي اكبر طبقة مدنية بين الجماعات العراقية.. كانت الحكومات العراقية المتعاقبة عندما تضطر، تحت تأثير الظروف وضغط الجماهير، على الاعتراف ببعض الحقوق الشعبية فانها تطلقها بيد وتحجبها باليد الاخرى.وكانت نقابات العمال في عام 1944 واحدة من القضايا التي عالجتها بهذا الاتجاه اذ انه ما أن ورد الاعتراف في المجال الرسمي حتى عمدت الاجهزة الحاكمة الـى ممارسة كافة الاساليب الاستثنائية ضد العمال ونشاطهم النقابي والمطلبي، فخصص الحزب جانبا وافيا للعمال، من توجيهاته الى جماهير الشعب حدد فيها طبيعة الظروف والمهمات الملحة، وقد ورد فيما يخص جماهير العمال: (( وعلى المناضلين في الحقل النقابي أن لا يكتفوا بتقديم العرائض والانتظار، بل عليهم أن يشرعوا حالا في النضال من اجل تنفيذ محتويات مناهجهم. وهذه اعمال مشروعة نص عليها قانون العمال وعليهم كذلك أن ينظموا جميع العمال المؤيدين لقضية النقابات ويوجهوهم توجيها صحيحا في النضال المثمر من اجل جميع الحقوق المتضمنة في قانون العمال وفي مقدمتها الاعتراف بنقاباتهم. وبهذه الطريقة وبها وحدها يستطيع العمال ضمان خبزهم وخبز عيالهم والمحافظة على صحتهم وصحة عيالهم والتخلص من جميع الصعوبات والاوضاع الشاذة التي تكتنفهم من كل جانب بسبب حرمانهم من سلاح التنظيم )). وعندما تحقق للعمال مطلب النقابات، فاجيزت بصورة رسمية وسمح للهيئات المؤسسة ممارسة مهماتها جابهت هذه النقابات، بسبب حداثة تكوينها وقلة خبرتها، صعوبات جـمة في معرفة الممارسة النقابية الصحيحة، وحقوق وواجبات النقابات وهيئاتها العاملة، وكسب صفات الكادر النقابي والديمقراطية النقابية وكانت هذه المسائل من اهم القضايا المطروحة على المناضلين في الحركة النقابية، ومما زاد في صعوبة ذلك شحة رصيد الخبرة الذي خلفته الحركة النقابية في مرحلتها الاولى، فترتب على الحزب أن يقوم النقابات والحركة النقابية على أسس قويمة ويخط لها نهجا سليما يرقى بها الى مستوى مهماتها الطبقية والوطنية وقد بذل في سبيل تحقيق ذلك عناية كبيرة وجهدا مضاعفا حيث جند خيرة كادره واهم هيئاته لتحقيق هذه المهمة النبيلة، ويعود الفضل الأكبر للجهود الشخصية التي بذلها قائد الحزب الرفيق فهد في سبيل ذلك حيث كان يشارك المناضلين في النقابات بصورة مباشرة في كل الأعمال اليومية، يشرح القوانين العمالية وانظمة النقابات وحقوق وواجبات النقابة، يكتب المذكرات ويحدد المطالب، يدرب المناضلين على مميزات الكادر النقابي فينمي فيهم روح الاخلاص والتضحية للطبقة العاملة وتجنب الاخلاقية البيروقراطية واستغلال المركز.. الخ.
لقد كسبت الحركة النقابية صفاتها الطبقية ونهجها الجماهيري في فترة قصيرة من الزمن في غمرة النضال والمعارك الحادة بفضل قيادة وعناية الحزب الشيوعي العراقي، فانها ضمت في صفوفها اكثرية جماهير العمال لاسيما عمال المشاريع الكبيرة، ولم تميز بين اية فئة من العمال بسبب القومية والخلاف الفكري والموقع السياسي. وباشر العمال في الانتخاب وحجب الثقة عن أي عنصر غير اهل بحرية وامان عن أي احتمال سيئ. لقد خضعت الهيئات النقابية العليا لاشراف جماهير العمال وكشف الحساب امامها والشعور بالمسؤولية تجاه العمال والدفاع عنهم في كل الاحوال، فتعمق شعور حب العمال والاخلاص لنقاباتهم والتضحية من اجل جماهير العمال لدى المناضلين في الحركة النقابية فاصبحت هذه السجايا النبيلة من ابرز مميزات هؤلاء المناضلين، ولهذا كسبوا ثقة الطبقة العاملة كما جلبوا سخط الرجعية والرأسماليين والاجهزة القمعية، فلم يبالوا بالمتاعب والصعوبات التي اعترضت طريق الحركة النقابية. غير أن الحزب الشيوعي بقيادة مؤسسه الرفيق فهد، تصدى لكل هذه المحاولات والمساعي فعراها وفضح الدوافع الكامنة خلفها ومقاصدها المؤذية للعمال وللحركة الوطنية والديمقراطية واكد ضرورة بناء حركة نقابية اصيلة للطبقة العاملة.