المنبرالحر

استراتيجية ايران ازاء العراق (2) / فارس كريم فارس

فعلى الصعيد الداخلي عملت الحكومة السابقة (المالكي) على تعمق الصراع المذهبي والعرقي من خلال تهميش أهل السنة والأكراد مما أدى إلى تفاقم العنف وتفتيت التلاحم الوطني والنسيج الاجتماعي وتفكيك الدولة وأضعافها إلى أقصى حد، أما على الصعيد الخارجي تمثل في موقف الحكومة الموالي لإيران من الأحداث في سوريا والسماح لتدفق السلاح والمقاتلين الشيعة إلى سوريا للانضمام إلى قوات الأسد ودعمها بحجة الدفاع عن المقدسات واثارة المشاكل مع اغلب دول الجوار العراقي الاخرى وانعزالها عنهم.
وقد استمر فسح الطريق لهذا الدعم الى سوريا رغم التحذير الأمريكي للحكومة العراقية، مما دلل على تصاعد قوة النفوذ الإيراني في القرار العراقي أكثر من التأثير الأمريكي وخاصة بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق، وبعد فشل إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في إقناع الحكومة العراقية ليس فقط بطلب تمديد وجود القوات الأمريكية بل كذلك بمنح الحصانة لـ4000 آلاف مدرب أمريكي من أجل بقائهم في العراق.
ومن هنا أيضاً، رحبت إيران، على لسان الرئيس أحمدي نجاد، بالانسحاب الأمريكي الذي وصفه بأنه "أمر جيد" مشيراً إلى أنه سيؤدي إلى تغيير في العلاقات بين طهران وبغداد وكل ذلك يشير إلى أن إيران كانت تتحين الفرصة من أجل انسحاب القوات الأمريكية من العراق، على أساس أن ذلك يهيئ المجال من أجل دعم نفوذها في العراق وملئ الفراغ الناجم عن الانسحاب الأمريكي.
غيرت إيران موقفها المؤيد للثورات والاحتجاجات العربية عندما وصلت الثورة إلى سورية، حليفها الاستراتيجي الأول في الإقليم، و"همزة الوصل" مع الحلفاء الآخرين في فلسطين ولبنان، واعتبرت الاحتجاجات في سورية "مؤامرة خارجية" وأكدت أن تعامل النظام معها شأن داخلي، ورحبت باستخدام روسيا والصين منذ شباط/ فبراير 2012 حق الفيتو وحتى الان في مجلس الأمن لمنع صدور قرار إدانة للنظام السوري، وقدمت دعم غير محدود لبقاء النظام السوري ومنع سقوطه لما لذلك من أهمية استراتيجية للمصالح والنفوذ الإيراني في المنطقة، وكل ذلك يعتبر مؤشرات تؤكد أن إيران تتصرف بعقلية الدولة وليس بإيديولوجية الثورة، حيث عندما يتطلب الأمر فهي تغلب المصالح على القيم من دون تردد.
وفي الواقع تلعب إيران دوراً رئيسياً في تشكيل ودعم الجماعات التطوعية العراقية العاملة في سوريا، ووفقاً لخبراء أمريكيين، بدأ المتطوعون الشيعة العراقيون الوصول إلى سوريا بدءاً من ربيع 2012 فصاعداً، دخلوا البلاد على متن الرحلات الجوية الإيرانية أو براً من العراق، ومن بين الألوية الأكثر أهمية التي تقاتل إلى في سوريا هي (الاحصائية حتى نهاية عام 2012م) "لواء أبو فضل العباس" يتراوح عدد مقاتليه 800-2000 مقاتل، وكذلك "عصائب أهل الحق" يتراوح قوامها 2000-3000 مقاتل، وكتائب حزب الله العراقي قوامها أكثر من 400مقاتل وكتائب سيد الشهداء وتشير التقارير أيضاً إلى وجود شيعة عراقيين من منظمة بدر" ولواء اليوم الموعود ولاحقا النجباء وجميع هذه المنظمات تعمل تحت قيادة "قوة القدس" التابعة لـ "الحرس الثوري الإيراني" ورغم صغر حجم هذه القوات إلا أنها تستطيع إحداث تأثير استراتيجي على مسار الحرب، حيث يعملون كقوات موثوق بها، مدربة وذات خبرات كبيرة في حرب المدن والعصابات ومجهزة بأسلحة متطورة وحديثة تستطيع بها حماية ضواحي المدن وإخماد الاضطرابات والدفاع عن المطار والأحياء السكنية ولكن حجة وجودهم المعلن هي الدفاع عن مرقد السيدة/ زينب الشيعي في جنوب دمشق, ونفس هذه الجهات دعمتها ايران بشكل غير محدود في مواجهة تمدد داعش داخل العراق منذ حزيران 2014.
وبهذا نستطيع القول أن طهران باتت تمتلك قوات عسكرية شيعية من العراق تستطيع استخدامها, داخليا (داخل العراق) او خارجيا لمواجهة خصومها او لدعم حلفائها سوآءا في سوريا أو حتى في خارجها لو سنحت الظروف.
وفي تقرير لمؤسسة سثراتفور الاستخباراتية بتاريخ 23/12/2011، أكد أن أصحاب المصلحة الأساسيين في معارضة توسيع النفوذ الإيراني هي كل من الولايات المتحدة والسعودية وتركيا, وهؤلاء في وضع سيئ لمواجهة ايران تاركين الباب مفتوحاً لتساؤل مفاده: إلى أي مدى عملت إيران على استغلال بلاد ما بين النهرين لإعادة تشكيل السياسة في المنطقة وتحديد الاتجاهات الجيوسياسية فيها؟!. فقد ازدادت فرص إيران في ملء فراغ السلطة الذي تركته الولايات المتحدة في بغداد أثر انسحابها في 2011 وإيران تحتاج إلى تقوية نفوذها ضمن الحكومة العراقية وذلك يوفر لإيران تأمين حدودها الغربية واستخدام العراق كقاعدة لترويج نفوذها في العالم العربي ككل. وكذلك استعراض نفوذها في المنطقة من أجل مواجهة الضغوط السعودية والتركية والأمريكية على سوريا لكن لا المملكة العربية السعودية ولا تركيا في وضع يؤهلها للتنافس بفعالية مع إيران على السياسات العراقية، إن ما يحدث يجسد استراتيجية إيرانية طويلة الأمد لتحويل ميزان القوى في المنطقة بقوة لصالحها.
لقد لعبت إيران دوراً بارزاً في إدارة المليشيات المختلفة المتورطة في تهريب النفط جنوب العراق وتحصل هذه المليشيات على حصة كبيرة من الأرباح مقابل حماية مصالح إيران في الطاقة، وعندما تنمو إحدى المليشيات أكبر من الحجم اللازم فإن إيران ستجد الطريقة المثالية للحد من قوتها، إن استراتيجية إيران في إدارة العراق هي تغيير القائد الشيعي البارز الذي تتعامل معه، بحيث تضمن إيران بأن لا أحد سيصبح قوياً بما فيه الكفاية ليفكر بالتخلي عن إيران أو الانقلاب ضدها.
ومارست ذلك مع مقتدى الصدر وعصائب أهل الحق المنشقة عنه بدعم إيراني، وصعود كتائب حزب الله في شبكة تهريب النفط وتصفية منافسي إيران في الجنوب وبضمهم قادة عشائريون ومسئولون في مينائي البصرة وأم قصر وموظفو شركة نفط جنوب العراق الذين يرفضون التعاون مع شبكة تهريب النفط الإيرانية، تستعمل إيران سطوتها في مجال الطاقة في العراق لتضمن حصول مؤيديها من المتنفذين في السلطة، على حصة كبيرة من العائدات الشهرية من النفط المسروق تصل أحياناً إلى ملايين الدولارات وفي هذه الحالة تكون الرغبة في الاحتجاج على التدخل الإيراني في شؤون العراق قليلة.
أن سيطرة إيران على تهريب النفط في البصرة أخذت نهجاً مؤسسياً وبعيداً عن سيطرة الحكومة المركزية في بغداد وأن الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لتشديد العقوبات على إيران فشلت في أن تأخذ بنظر الاعتبار الملايين من الدولارات التي تحصل عليها إيران بشكل يومي من خلال قنواتها الخفية في كل مكان من البصرة.
تسعى إيران لأخذ (قم) مكانة مرجعية النجف التي لا تؤمن بولاية الفقيه، وتسعى بكل قوة لطرح وتثبيت مرشحها المفضل لقيادة المرجعية في النجف بدل السيد/ على السيستاني، وبالرغم من أن في المذهب الشيعي, لا تبدأ مساعي عملية الخلافة إلا بعد موت الزعيم الحالي، إلا أن إيران استبقت الأمر وأرسلت مجموعة لفتح مكتب في النجف لمرشحها المفضل الهاشمي الشاهرودي (64عاماً) وهو نجفي المولد عاش معظم حياته في إيران تحت رعاية المرشد الأعلى الإيراني، وارتقى لمستويات عليا في المؤسسة الدينية والسياسية الإيرانية.
وأبلغ الشاهرودي بعض المسئولين العراقيين بأنه يعد نفسه للتصدي للزعامة الروحية للإسلام الشيعي، إن الشاهرودي تلقى دعماً كبيراً من الخامنئي وطهران وذلك لمكانته فيها ولجعله آية الله العظمى وهو يؤمن أصلاً بولاية الفقيه أي تدخل الدين في السياسة التي لا تؤمن بها المرجعية الدينية في النجف وتتبنى بقاء رجال الدين خارج إطار النزاعات السياسية ويؤكد دعم إيران للشاهرودي كمحاولة منها لإبعاد العراق عن آليات الديمقراطية التي تنأى عن رجال الدين.
إن عدم وجود مرشح محلي لتولى الصدارة في النجف بدل السيد السيستاني. يجعل التحدي المتمثل بالشاهرودي خطيراً، إذ يوجد ثلاثة علماء آخرين بدرجة أية الله العظمى في الحوزة، اثنين منهم من غير المحتمل أن يكونوا مرشحين للخلافة لأنهم ولدوا خارج الأراضي الشيعية في النجف وهما محمد إسحاق خليفة فياض (82عاماً) أفغاني وبشير حسين النجفي (70عاماً) باكستاني، وهذا يترك المجال مفتوحاً أمام محمد سعيد الحكيم النجفي الأصل (76عاماً) حيث أنه المنافس الوحيد.
وسيكون لما يقرب من مائة ممن هم بمرتبة آية الله دور في اختيار الزعيم الروحي المقبل. إن صعود الشاهرودي إلى الترشيح للخلافة ما يزال حديث العهد لكن تأثيره على السياسة في العراق يزداد يوم بعد يوم وبصفته ممثلاً لنفوذ طهران في النجف، وفي حال نجاح حملته هذه، فسيصبح مدافعاً قوياً لتدخل رجال الدين في السلطة، وأي تحول نحو دولة دينيه على النمط الإيراني سيترك العراق والاقليم وأمريكا والغرب في مواجهة مأزق حقيقي.
يتبع