المنبرالحر

الإستفتاء وحق تقرير المصير للشعب الكردستاني / محمد النهر

لا توجد قضية مثيرة للنقاش مثل القضية القومية وحق تقرير المصير للشعوب ، ولهذا نلاحظ ما اثير مؤخرا سواء الحديث عن النية في الإستفتاء لاستقلال كردستان أو ضم كركوك للإقليم ، أو رفع العلم الكردستاني بجانب العلم العراقي في كركوك والسب هو تشابك وتنافر المصالح المختلفة والأعتراف وعدم الإعتراف بهذا الحق والمزايدات والشحن أو التعصب القومي والأفكار الشوفينية وعلاقة ذلك بدول الجوار والوضع الدولي . فلا يوجد استفتاء وحق تقرير مصير مجرد وعلى كليشة واحدة وفق قرارات ورغبات وضروف معينة حتى وإن أقرت ذلك المواثيق الدولية والدساتير والقوانين ، فالإستفتاء وحق تقرير المصير مرهونان بالضروف التاريخية والموضوعية المحيطة التي يعيشها البلد وإذا تم تجاوز ذلك فإنه سيسبب الكثير من المشاكل والتعقيدات ويعطي الجماعات المعارضة لذلك وأصحاب الفكر الشوفيني والتعصب القومي الفرصة للإضرار بهذا الحق وبالنتيجة الإضرار بمصالح جماهير القوميات المختلفة وخاصة الكادحين منهم .
لقد وقفت وناضلت القوى اليسارية والديمقراطية وخاصة الحزب الشيوعي العراقي مبكرا مع حق تقرير المصير للشعب الكردي وأقر الحزب هذا الحق منذ تأسيسه وأكد ذلك في الكونفرنس الثاني للحزب عام 1956 وطور هذه المواقف باستمرار وربط تحقيق ذلك بالضروف الملموسة حيث طرح في ستينات القرن الماضي شعار (الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان) وفي السبعينات اقر الحكم الذاتي الحقيقي لكردستان ، وفي المؤتمر العاشر للحزب 2016 ثبت الحزب في برنامجه (اقرار تقرير المصير للشعب الكردستاني في العراق وحق الأمة الكردية المجزأة في الوحدة) .
وبالمقابل فإن القوى الكردستانية المناضلة من أجل حق تقرير المصير ربطت هذا النضال بالنضال من أجل الديمقراطية للشعب العراقي عدا بعض الفترات التي شهدت خلافات وصراعات دفع الجميع ثمنها . لقد حرصت الحركة القومية الكردية على أن تكون مع العراق الإتحادي الفدرالي مع التأكيد على حق تقرير المصير في فترات مهمة من تاريخها ، فقد نادت بالفدرالية بعد انتصار انتفاضة الشعب الكردستاني عام 1991 والحصول على الحماية الدولية لكردستان ، وتكرر هذا الموقف بعد سقوط النظام الديكتاتوري في 2003 وتم تثبيت ذلك في الدستور ، ولكن طبيعة سقوط النظام وما تأسس بعد ذلك من نظام المحاصصة والطائفية وشيوع الفساد في كل مفاصل الدولة والصراع لاقتسام الغنائم وعدم معالجة ما سمي بالمناطق المتنازع عليها والتي تشملها المادة 140 من الدستور ، كل ذلك أوجد الاختلافات والتشنجات وغذى التعصب القومي والشوفينية في كلا الجانبين . إن التشنجات والخلافات بين الإقليم والحكومة الإتحادية هي نتيجة لقبول كلا الطرفين بنظام المحاصصة والتراكمات السابقة ، في وقت توجد إمكانية كبيرة يوفرها الدستور والقوانين الأخرى لحل الإشكالات والخروج بحلول ترضي الطرفين ، ويبقى الإعتماد على الجماهير والاسلوب الديمقراطي في الحوار والعمل هو الضمان لذلك . وبما أن هذه الجماهير هي التي سيقع على كاهلها النتائج النهائية لأي عمل فيتوجب أن نبين لها الحقيقة وراء كل خطوة وليس استغلالها دعائيا .
يجب أن لانأخذ الإستفتاء كعملية مجردة من ضروفها ، فمثلا بعض الكتاب المؤيدين للإستفتاء وحق تقرير المصير يعتبرون نتيجة الإستفتاءات التي جرت في جمهوريات يوغسلافيا السابقة بأنها هي التي أوصلت شعوب وقوميات هذه الجمهوريات إلى الإستقلال من دون التطرق إلى ما حصل في الواقع في هذه الدول ، واضطرار المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى التدخل لإنهاء حروب أهلية وما رافقها من مآسي وصلت لحد الإبادة الجماعية . وهناك مثال ناجح للإستفتاء وبشكل سلمي وهو إنفصال تشكوسلافاكيا السابقة إلى دولة التشيك ودولة سلوفاكيا .
إن ما يبعث على الإطمئنان بعد الأزمة الأخيرة هو زيارة وفد من الإقليم إلى بغداد والنتائج التي خرج بها وضرورة التأكيد على المشتركات واعتماد الطرق الديمقراطية السلمية في حل الإشكالات العالقة ، والسعي لإيجاد السبل التي تضمن للشعب الكردستاني تقرير مصيره بالطرق القانونية والدستورية ، مع الأخذ بنظر الإعتبار ضرورة حل إشكالات الإقليم الداخلية وتكوين رأي عام موحد لإسناد هذه الخطوة المهمة