المنبرالحر

أسباب وجذور الكراهية في مُجتمعاتنا العربية / رضي السمّاك

شاهدت مؤخراً ڤيدويين محتوى كل منهما مختلف عن الآخر إلا أنهما يتعلقان بموضوع واحد ألا هو " زرع الكراهية كمرض اجتماعي عنصري وتمظهرها بين أبناء الجنس البشري الواحد الذين ولدتهم اُمهاتهم أحراراً متساويين وتمظهرها في المجتمعات " . الفيدوان هما بلا شك على درجة من الأهمية في دلالاتهما للتعرف علمياً على كيفية نشوء أفكار الكراهية على اختلاف انواعها العرقية والدينية والقبلية في مجتمعاتنا العربية وأسبابها كما جاء بها مضمون الفيديو الأول ، ومن ثم تحولها إلى ظاهرة مُقيتة صارخة كما جاءت في الفيديو الثاني . وفي الفيديو الأول وهو مقطع من حوار أجرته قناة " الجزيرة - أميركا " الإنجليزية التابعة لشبكة الجزيرة القطرية مع الناشطة الحقوقية الاميركية جين إليوت إحدى الناشطات الاميركيات في مكافحة التمييز والعنصرية توضح مُجيبةً عن اسباب نشوء الكراهية والعنصرية بين البشر الذين وُلدوا متساويين ، وكانت اجابتها دقيقة مركزة وجاءت في عبارات مختصرة جزلة على النحو التالي :
" نحن نكره لأنهم علمونا أن نكره ، نحن نكره لأننا جهلاء ، نحن نحتاج تعليم اناس علموهم فكرة جاهلة بأن الناس ينحدرون من أربعة أو خمسة أعراق من البشر مع انه لا توجد لا اربعة ولاخمسة أعراق للبشر ، جميع الموجودين على الأرض ينحدرون من عرق واحد وكلنا ننتمي إليه وننحدر منه وهو الجنس البشري ، وروّاد كراهية المساواة هم من صوروا أنفسهم بأنهم أسمى من الآخرين ، وهذا التفكير لم ينجح وجلب العار والمشاكل على الجميع ، وحان الوقت لتجاوز تلك الافكار ةالمشاكل ، فجيناتنا ليست مسؤولة عن العنصرية ولا الكراهية الدينية ، فأنت لا تولد حاقداً على أناس ينتمون لدين غير دينك بل هذا يحشونه في دماغك ، وحان الوقت لتطهير أدمغتنا من هذه الكراهية العنصرية الدينية بأقصى سرعة ممكنة ، وانا كمعلمة يجدر بي ان اناضل لتخليص الناس من هذا الجهل ، الجهل الذي يشعرك بأنك أفضل من شخص ما أو انك ادنى منه ، إن لون البشرة لا علاقة له بمعتقدات الانسان ولا قيمته .
أما الفيديو التاني فقد جاء محتواه بالمصادفة وكأنه ترجمةً لواقع الكراهية البغيض الذي الذي تحدثت عنه الناشطة الاميركية إليوت وحللت منشأه وجذوره الفكرية والدينية ونذرت نفسها لمحاربته ، فهو عبارة عن مسيرة لمتشددين إسلاميين من الرجال المُلتحين والنساء المُنقبات آوتهم بريطانيا بموجب القوانين والاعراف الحقوقية الإنسانية المطبقة على أراضيها وهم يهتفون بأعلى أصواتهم بعصبية بالغة : " الشرطة البريطانية إلى جهنم .. اللهُ أكبر .. المملكة المُتحدة إلى النار .. لا آله إلا الله محمد رسول الله .. أرفعوا أيديكم عن المُسلمين " ! وحسب تعليق السيدة ستيسي السيدة البريطانية التي رافقت المسيرة عن فضول فإنها - المسيرة- جاءت كردة فعل غاضبة على اعتقال إمرأة مُقيمة في بريطانيا على خلفية تورط زوجها في عملية ارهابية بوضع قنبلة في استوكهولم في مكان عام سنة 2010 ، وبدت السيدة البريطانية غاضبة جداً لضجيج المسيرة الهادر الذي يُغطي سكون فضاء مدينتها " لوتون " وتشعر بالإهانة البالغة لما تعتبره هتافات استفزازية غير معقولة بلعن وشتم وطنها الذي آواهم واستضافهم وكفل لهم كل حقوق الاقامة الانسانية وحتى السياسية . تؤمن السيدة البريطانية ستيسي التي تابعت مسيرتهم عن كثب ، كما جاء في تعليقها ، بحق الجميع في التظاهر على أراضي وطنها ، لكن ليس على هذه الشاكلة الاستفزازية الجاحدة والحاقدة على مواطينينها وحكومتها على حد تعبيرها، وتحاول عبثاً محاورة بعضهم بالتي هي أحسن وتحسيسهم عن بئس ما يفعلون دون جدوى ، وتستوقف إحدى المنقبات في المسيرة فتبادرها على الفور : "الشرطة البريطانية مأواها جهنم التي ستحرقها وبئس المصير " ! وتُكفٰر مُحدثتها البريطانية لأنها عارية ، على حد زعمها ، لمجرد ظهورها بسفور اوربي معتدل ، وترد السيدة البريطانية مذهولةً : لماذا تحكمين عليّ من ملابسي ؟ أنا لستُ عارية وأنا لم أحكم عليكِ من ملابسكِ وانتِ ترتدين النقاب ، فتطلب منها المنقبة ان ترتدي " لباساً مُحتشماً " وألا تحاول أغوائها وحرفها عن إيمانها وأن تنصرف في الحال ، وترد البريطانية : لكِ كل الحق ان ترتدين ما تشاءين ولي الحق كذلك.. وهنا يتدخل أحد المتشددين من مُنظمي المسيرة ليطلب منها الانصراف فوراً ، فترد : هذه مدينتي ولا يحق لأحد منعي حيث أسير في أي شارع منها ، ثم يهددها أحدهم من تماديها بمحاولة محاورتهم وهي على هذه الهيئة من السفور ، وعبثا تحاول ان تجري حوارات ودية وتذكّر أحدهم بمبادئ الإسلام التي تنص على احترام الاراضي التي يعيشون عليها فيرد عليها آخر : " اذا لم تطبق دولتكم القوانين الإسلامية فستذهبون الى النار بموجب الآية : " يا ايها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين " فإما ان تكونوا مُسلمين أو ستذهبون جميعكم إلى جهنم وأنتِ ستحترقين بنار جهنم !
بيد ان هذا التمظهر الصارخ المقيت لكراهية الآخرين تبعاً لمعتقداتهم الدينية كما جسدته تلك المسيرة الإسلاموية المتطرفة ليست أسوأ من التمظهرات والظواهر الفعلية بين العرب والمسلمين أنفسهم داخل أوطانهم كشركاء في المواطنة الواحدة ، بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والدينية والطائفية ، ذلك بأن جذور الكراهية ومنابتها واسبابها التي تحدثت عنها الناشطة الأميركية إليوت واحدة ، فأنت لو فتشت عن دوافعها السياسية والطبقية الخفية لوجدتها جوهرياً واحدة إنما ينصب غرضها في تفتيت الشعوب والهاء الفئات المُعدمة والمهمشين والمُستغَلين منهم على وجهه الخصوص من قِبل الطبقات المستغِلة بصراعات الكراهيات العرقية والدينية والطائفية بما يخدم الانظمة الممثلة لمصالح تلك الطبقات ورجال الدين في الطوائف المستفيدين من توظيف وتأجيج الصراعات المذهبية والطائفية وخلافها .