المنبرالحر

عمالنا والقرار رقم (150) لسنة 1987 / ايمان الهاشمي*

في الاول من ايار في كل عام نقدم التهاني الى عمال العالم اجمع وبشكل خاص الايدي العاملة العراقية، ونسعى الى ان تكون التهاني مشفوعة بالانجازات لصالح عمالنا الذين يستحقون كل الخير، ونظرا لأهمية العمال في المجتمع فأن اي انجاز يقدم لهم يعني انجازا لعموم الشعب العراقي... فمثلا في عام 2015م وتحديدا في شهر تشرين الثاني قدمنا التهاني لعمالنا بتشريع قانون العمل رقم (37)... ونبقى نسعى إلى مزيد من الانجازات لهذه الشريحة المهمة للوطن... اليوم نتطرق الى القرار الجائر رقم (150) لسنة 1987م الذي اقصى وهمش ثم الغى الطبقة العاملة للقطاع العام عند تحويل العمال الى موظفين وعزلهم عن عمال القطاع الخاص والمختلط والتعاوني... وقد اثر هذا القرار وتوقيت اصداره مع بقية الاجراءات والاحداث المتعاقبة سلبا على سياسة واقتصاد بلدنا وبدورها انعكست بشكل مباشر على الشعب بشكل عام... في ذلك الوقت لم يكن بلدنا قد وقع على الاتفاقيات الدولية ومنها التي تخص الطبقة العاملة...
وهنا لابد من استعراض ملخص مختصر لنشوء وتكوين الايدي العاملة العراقية، حيث نشأت الطبقة العاملة العراقية موحدة غير مجزأة الى قطاعات، وان اول ظهور للأيدي العاملة العراقية في القطاع العام قبل الحرب العالمية الاولى هو عندما حصلت المانيا على عقد عمل مع الدولة العثمانية لانشاء سكة حديد قطار، ثم توسعت ونمت الايدي العاملة العراقية بعد الحرب العالمية الاولى وعند الاحتلال البريطاني للعراق وظهور القطاع الخاص... من هذا نستنتج أنه ليس من المعقول ان نجزئ القوانين التي تخص الطبقة العاملة بحسب القطاعات، بمعنى أن الطبقة العاملة تعمل في كل القطاعات وليس من المنطق ان يخصص قرار لعزل عمال اي من قطاعات العمل ليتم تحويلهم الى موظفين وبشكل خاص بالقطاع العام، فبداية أول مطرقة للعامل في العراق كانت في القطاع العام حصرا، ولا يمكن ان يتم الغاء الطبقة العاملة للقطاع العام مع الابقاء على الايدي العاملة لبقية القطاعات الاخرى لعدة اسباب ندرج اهمها كالاتي:
1- تاريخيا فأول نشوء للطبقة العاملة العراقية هو في القطاع العام، وهذا يعني ان العمال في القطاع العام هم الاصل، بعدها نشأ القطاع الخاص الذي بدوره ادى الى نشوء عمال هذا القطاع، ولا يمكن ابدا الغاء او عزل عمال القطاع العام عن عمال بقية القطاعات.
2- عمال العراق هم من طبقة واحدة متصلة ومندمجة مع بعضها عمليا وفكريا سواء اكانوا يعملون بالقطاع العام او الخاص، فنضال الشعب العراقي بدأ من الطبقة العاملة، واولى الاضرابات والمظاهرات كانت من قبل التنظيمات العمالية، كما ان حزب الطبقة العاملة هو اقدم واول الاحزاب السياسية الوطنية لبلدنا ضد الاستعمار والطغاة، والذي اسسه هو عامل عراقي.
3- بعد عام 2003م صدر دستور العراق الجديد في 2005م، ومن ثم صدرت عدة قوانين ومنها قانون العمل العراقي رقم (37) لسنة 2015م، اذ لايوجد اي قانون ينص على تجزئة العمال لغرض فصل عمال القطاع العام عن بقية الطبقة العاملة.
4- لقد قام بلدنا بالموافقة والتوقيع على قوانين دولية تخص الطبقة العاملة، واصبحت تلك القوانين جزءا من القانون العراقي اعتبارا من تاريخ التوقيع عليها، مثل:
- قانون تصديق اتفاقية العمل الدولية رقم (17) الخاصة بالتعويض عن اصابات العمل.
- وقانون تصديق اتفاقية العمل الدولية رقم (95) الخاصة بحماية الاجور... وغيرها.
اذ ان القوانيين الدولية لاتجزئ العمال لغرض اعفاء بعض منهم وحسب قطاعات العمل، وعليه فبلدنا ملزم بالقوانيين والاتفاقات الدولية بعدم اعفاء قسم من الايدي العاملة وتحويلهم الى موظفين.
5- ان الاسباب الموجبة التي وردت بتشريع قانون العمل العراقي رقم (37) لسنة 2015 فيها نصوص تؤكد على وجود العمال في جميع قطاعات العمل ومنها القطاع العام وكالاتي:
- الاسباب الموجبة لتشريع هذا القانون:
(تأكيدا للمبادئ التي نص عليها الدستور من ان العمل حق لكل العراقيين بما يضمن لهم حياة كريمة......)، ومن هذا النص لايجوز الغاء عمال القطاع العام لان العمل هو حق لجميع العراقيين ومنهم عمال القطاع العام.
- نص من فقرة / الاسباب الموجبة لتشرع هذا القانون:
(........ لإيجاد غطاء قانوني للعاملين بعقود في دوائر الدولة والقطاع العام وجعل خدمتهم مضمونة......)، وهذا يؤكد وجود عمال القطاع العام ويعترف بهم، حيث وردت بالنص كلمة (العاملين) ولم يذكر كلمة (الموظفين) ويقصد بالعاملين هم من الموظفين والعمال في دوائر الدولة والقطاع العام.
- نص من فقرة / الاسباب الموجبة لتشريع هذا القانون:
(........ لاحترام المبادئ والحقوق الاساسية للعمال التي نصت عليها المواثيق والمعاهدات الدولية المتمثلة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي........)، في هذا النص تأكيد على الالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية التي بدورها لاتقصي ولاتلغي عمال القطاع العام.
- نص من فقرة / الاسباب الموجبة لتشريع هذا القانون:
(.......توحيد احكام العمل النقابي مع احكام وقواعد العمل وبما اخذت به التشريعات الحديثة....)، هنا توصية واضحة وصريحة بالتشريعات الحديثة لتوحيد العمل النقابي.
6- مما سبق اعلاه نستنتج: ان السلطة التشريعية عندما قامت بالتصويت على تشريع قانون العمل العراقي رقم (37) لسنة 2015م قد وافقت ضمنا وبشكل مباشر بموجب هذا القانون على الغاء القرار رقم (150) لسنة 1987م، فقط نحتاج الى الاعلان عن الغاء هذا القرار الجائر بحق الطبقة العاملة العراقية.
ــــــــــــــــــــــــــ
* محاسب قانوني ومراقب حسابات