المنبرالحر

التحديات في سوق العمل العراقي / ياسين طه

إن من الموضوعية القول بان هذه التحديات هي- في جانب منها على الأقل- تمثل تراثا أفرزته عقود من سوء الإدارة الاقتصادية وسوء استثمار الموارد البشرية والمادية. عززت نتائجها السلبية إفرازات الحروب المتوالية. وإذا ما حاولنا البحث في التحديات التي تشكل عائقا، أو عقبات أمام سياسة فعالة ومثمرة لاستثمار طاقات الشباب وتشغيلهم وخفض معدلات بطالتهم، فان أهم التحديات التي تواجه شباب العراق:
1-مشكلات اقتصادية بنيوية، أي أنها جزء من بنية النظام الاقتصادي في العراق وأهمها افتقاره للتنوع واعتماده الكلي تقريبا على الريع النفطي، مع ملاحظة ان قطاع النفط يولد نصف إلى ثلثي الناتج المحلي الإجمالي، في حين لا يشغل سوى نسبة تتراوح بين في المائة-3في المائة من إجمالي القوة العاملة.
2-عدم وجود سياسات تشغيل مناسبة بإمكانها أن تخلق فرص عمل جديدة للشباب العاطل عن العمل بسبب ضعف الدور الذي يضطلع به القطاع الخاص وتدني كفاءته التنظيمية. كما أن تدني مستويات الاستثمار حد من إمكانات خلق فرص عمل جديدة تساهم في معالجة مشكلة البطالة.
3-غياب السياسة الوطنية الشاملة الموجهة للقطاع الشبابي جعل الخدمات المقدمة للشباب تشوبها الضبابية مما أفرغها من محتواها وفوائدها المرجوة.
4-التعدد والاختلاف في المؤسسات التي تقدم خدماتها للشباب أدى إلى غياب التنسيق وبعثرة الجهود مما يتطلب وجود منظومة شاملة ومترابطة ومتكاملة الأهداف والغايات سواء أكانت مؤسسات أو أفراد.
5- محدودية الدور السياسي والمجتمعي المعطى للشباب.
6-الخوف من المستقبل في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية غير المستقرة في البلاد فمع ازدياد تكاليف المعيشة وارتفاع مستوى البطالة إلى غير ذلك فان الكثير من هؤلاء الشباب يعيش قلقا كبيرا وهاجسا ضاغطا على مستقــبله الوظيفي والحياتي.
7-ضعف في تأهيل وخبرة الكادر المتخصص لإدارة المؤسسات الشبابية من الناحية الإدارية والفنية.
8-محدودية الموارد المالية المخصصة للأنشطة الشبابية واحتلالها مراتب متدنية ضمن الموازنة الاتحادية للدولة.
9- ضعف تأثير العمل النقابي على حركة التشغيل. و تبدو الحركة النقابية العراقية منقسمة على نفسها غير قادرة على تشكيل قوة ضغط تحمي مصالح العمال العراقيين حتى حين يتعلق الأمر بتسهيلات الاستثمار الأجنبية.
10-مشكلة الكثير من العراقيين-وخصوصا الشباب- أنهم لا يقبلون مزاولة كل المهن المتاحة. ومع أن البطالة والفقر أجبرا كثيراً منهم على تقبل ما لم يكونوا يتقبلونه، فما زال بعضهم يرفض بعض المهن. ولذلك تظل بعض الفرص شاغرة. إن من المهم إشاعة ثقافة مهنية تقبل العمل ، ما دام شريفا ومنتجا ومجزيا. إذ من الخطأ ربط نوع الممارسة المهنية بالمنزلة الاجتماعية طبقا للرؤية التقليدية للعمل.
ثمة تحديات لا نريد الخوض في تفاصيلها نظرا لما هو متاح من معرفة عنها وأهمها:
أ-تحديات الأمن: إذ لا يعقل أن تحدث تنمية حقيقية في بيئة تفتقر إلى الأمن، وهو أحد عناصر البيئة المؤاتية للتقدم والرخاء. خصوصا وان العنف الإرهابي المنظم صار يتوجه نحو مؤسسات اقتصادية مهمة كالمصارف ، إلى جانب تصفيات للعلماء والأكاديميين، وأنابيب النفط وغيرها.
ب-الفساد: وهو نمط من الإرهاب الخفي أحيانا والعلني في أحيان أخرى، وفي الحالتين يشكل عنصرا محبطا في بيئة الإعمار والتنمية. ولا نريد الخوض في تفاصيل تأثيره على مجمل عملية التنمية أيا كان تعريفها فهي تفاصيل أصبحت معروفة.
ج-صراع المصالح: لم تعد قضية الاقتصاد العراقي رهينة المحاصصة فقط، بل أيضا رهينة المصالح المتقاطعة للنخب وذوي النفوذ.
د: تفتقر قوة العمل العراقية باختلاف فئاتها العمرية إلى أن تكون مؤهلة وخصوصا من نواحي التعليم والصحة. فالتعليم في العراق-في سبيل المثال- مازال يعتمد مبدأ التلقين ويستهدف تخريج كتاب وموظفين إداريين، دون مخرجات فنية وعلمية تنسجم مع احتياجات سوق العمل. إن آلاف الخريجين في الأقسام الإنسانية والأدبية والثقافية لا يجدون فرص عمل لأن دوائر الدولة ازدحمت بهم ولم تعد قادرة على استيعابهم في مقابل البطالة المقنعة السائدة في تلك الدوائر. لقد أصبح النظام التعليمي بحد ذاته عقبة في طريق التنمية لأن مخرجاته لم تعد منسجمة مع احتياجات المجتمع، سوقا، وإدارة، خصوصا وان تلك المخرجات تفتقر للحدود الدنيا اللازمة من التأهيل والكفاءة بسبب ضعف كفاءة النظام التعليمي ذاته الذي أصبح أحد مصادر البطالة في العراق.
ه-افتقار الشباب العراقي إلى روح المبادرة والانجاز. فأكثر الشباب يبحثون عن وظيفة في دوائر الدولة حصرا، ولذلك أسباب عديدة لعل في مقدمتها ان العمل في السوق غير النظامي لا تتوفر فيه ضمانات مستقبلية كتلك التي تتوفر للعاملين في دوائر الدولة. كما أن مدخولات الوظائف الحكومية مستمرة بغض النظر عن النشاط المبذول، وما يطرأ على الاقتصاد من تأثيرات محلية أو دولية.
تلك التحديات الأساسية، وبعضها الآخر الذي قد يكون فرعيا، تشكل عائقا مهما باتجاه سياسة فاعلة لتشغيل الشباب. ان كثيرا من الناس-وربما بعض السياسيين ومتخذي القرار- يعتقدون أن إعادة الاعمار تعني إعادة توفير الخدمات، وإعادة تشغيل البنى التحتية، دون تركيز واضح على أن الاعمار يعني أيضا توفير المزيد والمزيد من فرص العمل. مع ملاحظة أن المفارقة التي أوجدتها المرحلة الانتقالية هي المزيد من الإفراط في نمو أجهزة الدولة وعدد العاملين فيها بمعدلات تفوق معدل النمو الاقتصادي وهو أمر يجد تفسيره في عاملين:
الأول: هو أن الدولة الجديدة قد ورثت جهازا متضخما قياسا بالموارد التي يديرها
الثاني: إن سلطة الائتلاف والحكومات المتعاقبة عمدت إلى المحافظة على اتجاه تضخم أجهزتها لتحقيق جملة من الغايات أهمها امتصاص البطالة العالية. إن هذا التضخم قد استوعب.
البطالة في سوق العمل لدمجها في بطالة أخرى مقنعة تخفي تناقضات المجتمع والاقتصاد بل ويمكن القول أن السياسة الاقتصادية في العراق تتصرف على أساس (تطمين غضب الشارع) من هياج أو تمرد بسبب الفقر أو البطالة. بمعنى أن تشغيل آلاف في مهن مثل: تنظيف الشوارع، والحمالة، والحراسات وما يماثلها، هو إجراء لخفض التوترات والانفجارات الاجتماعية المحتملة.