المنبرالحر

مع الشيخ عامر الكفيشي وجهاً لوجه (القسم الثاني) / د. صادق إطيمش

قبل مناقشة " ألإنجازات " التي يزعم الشيخ بان الإسلام السياسي قد حققها في العراق وملأ بها نصف القدح ، يحق لنا الإستفسار من سماحته عن لصوص النصف الآخر من القدح. لقد افادنا الشيخ بمقولة نصها " الإسلام الحقيقي لا يسرق " ولكن الذين سرقوا اموال الدولة العراقية هم هؤلاء الحفنة من المتسللين إلى الحكم. وبما ان الشعب العراقي لم يتعرف خلال اربعة عشر سنة على غير هذه الحفنة الحاكمة ، فهي إذن من سرق النصف الآخر من القدح. هذا ما يعترف به الشيخ نفسه. إلا ان الشيخ يعرج على الإنجازات التي قدمتها هذه الحفنة ويجيرها باسم حكام العراق ولا ندري هل ان من حققوا هذه الإنجازات من هذه الحفنة ام لا؟ نرجو الشيخ ان يجيبنا مفصلاً على هذا التساؤل المشروع. ولكن ما هي هذه الإنجازات العظيمة التي يتباهى بها الشيخ قبل الحكام.
تطرق سماحته إلى قضية الدستور العراقي الذي حققه الإسلاميون وقال ان من حقنا ان نقول باسم الدين حققنا الدستور ، بدلاً عن شعار باسم الدين باكونا الحرامية. وقد أكد سماحته على ان الإسلاميين في العراق رفضوا الدستور الأمريكي المُعد سلفاً . إلا ان سماحته لم يخبرنا كيف استطاع الإسلاميون تبوء هذا الموقع الذي استطاعوا من خلاله رفض اوامر من أتى بهم إلى الحكم . لا ادري إن كان سماحة الشيخ يجهل مجريات السنة التي حكم فيها بريمر العراق وثبت، بالتعاون والإشتراك مع الإسلاميين وشركائهم، من خلالها اهم مقومات الدولة العراقية الجديدة التي سلمها إلى الإسلاميين وحلفائهم ليعبثوا فيها فساداً ما شاء لهم العبث شريطة ان تظل رقابهم خانعة امام قوات الغزو الأمريكي وهذا ما تحقق فعلاً. اما الدستور الذي ساهم الشعب العراقي بالتصويت عليه فلم يكن إلا الخيار بين امرين احلاهما مر، ولم يجر الإستفتاء عليه إلا بعد ان باركت الإدارة الأمريكية مسودة نصوصه. وحينما تطرق سماحته إلى ان الإسلاميين حرروا العراق من الجيش الأمريكي ولم يسمحوا بوجود قواعد عسكرية امريكبة في العراق واخرجوا العراق من الفصل السابع ، فهل يعتقد الشيخ بأن كل هذه " الإنجازات " الإسلاموية قد تمت دون موافقة الأمريكان عليها او دون التنسيق المشترك بين حكومات احزاب الإسلام السياسي في العراق والإدارة الأمريكية. اعتقد ان من يفكر باستقلالية القرار العراقي اليوم واهم جداً وذلك بسبب الوهن والضعف والهزال الذي عانته وتعانيه حكومات الإسلام السياسي في العراق والذي ادى بها لأن تفتش عن عواصم قرارتها اقليمياً وعالمياً. ومما لاشك فيه بان الشسيخ يعلم تماماً ماهية ونوعية الوجود الأمريكي الحالي في العراق والذي لا يحتاج إلى اللجوء إلى الأسلوب العسكري القديم بنشر القواعد العسكرية في البلد المُحتل.
والإنجازات الأخرى التي تطرق لها سماحة الشيخ والتي جيرها لحساب الإسلام السياسي واحزابه الحاكمة في وطننا والمتسلطة على رقاب وخيرات اهلنا منذ ان جاء بها الإحتلال الأمريكي قبل اربعة عشر سنة وحتى الآن، تتعلق بالإجراءات التي اتخذتها المرجعية الدينية التي لم تعرها احزاب الإسلام السياسي المتسلطة اي اهتمام حتى بُح صوتها من تكرار المناجاة باتباع وسائل الرحمة والإنسانية وما يأمر به الدين الحق تجاه البلاد والعباد. فالمرجعية الدينية هي التي ساهمت بكبح جماح الطائفية التي اسست لها ومارستها احزاب الإسلام السياسي بالذات . والمرجعية الدينية هي التي اوعزت بالتطوع للقتال ضد ارهاب الدولة الإسلامية، حيث استجاب لهذا النداء الكثير من المسلمين وحتى غير المسلمين الذين انخرطوا كمتطوعين للدفاع عن اراضيهم كالمسيحيين والإيزيديين الذين شكلوا فصائل مسلحة ساهمت بعمليات تحرير ارض العراق من رجس الدواعش وجرائم الدولة الإسلامية التي جاءوا بها. ومن المخجل هنا تجاهل دور اية قوة عراقية في معارك تحرير الأرض من عصابات داعش المجرمة وهي فصائل ليست اسلامية وليست عربية ولكنها عراقية متعاونة مع القوى العراقية الأخرى الرسمية والشعبية والعشائرية في معارك التحرير. والشيخ يستفسر عن مدى مساهمة منتسبي التيار المدني في معارك التحرير ضد عصابات الدولة الإسلامية ، فنقول له وبكل تأكيد ان المعركة ضد داعش اثبتت مدى حرص العراقيين ، كل العراقيين الذين لم يفسدوا في الأ رض العراقية، على المساهمة فيها وقدموا من خلال ذلك قوافل الشهداء الأبرار. ولكن اين مساهمات اولاد زعماء احزاب الإسلام السياسي وكل المتسلطين على العملية السياسية في الساحة العراقية؟ ثم اين هي نتائج التحقيقات التي تمت حول اجتياح الموصل؟ لماذا اختفت ووُضعت في الأدراج ؟ أليس لأن بعض قياديي الإسلاميين من المدنيين والعسكريين هم الذين ساهموا بشكل مباشر او غير مباشر بهذه الجريمة؟ وما يمكن ربطه باحزاب الإسلام السياسي ومحاصصيهم في الحكم في هذا المجال هو سعي بعضهم لعرقلة عمليات التحرير التي تقودها القوات العراقية المسلحة بكل فصائلها وصنوفها الرسمية والشعبية، حيث بدا ذلك واضحاً من خلال سرقة اموال العوائل المهجرة والتلاعب حتى بارزاق المقاتلين او تسهيل امور تنقلهم .
أما النقطة المهمة التي أكد عليها الشيخ والتي اعتبرها إنجازاً للإسلاميين فهي احداث البصرة وصولة الفرسان التي بلورتها هذه الأحداث حيث اقترح ، مشكوراً، ان نرفع شعار " باسم الدين عاد الأمن والإستقرار للبصرة " بدلاً عن شعار " باسم الدين باكونا الحرامية"
من خلال طرح الشيخ يبدو ان سماحته لم يع لحد الآن مجريات الأمور في البصرة آنذاك وما ترتب عليها في صولة الفرسان وكيف تطور الوضع الأمني بعدئذ. وهذا ما سأحاول تبيانه للشيخ الكريم باختصار شديد : الصراع في البصرة ، شيخنا ، حدث بين احزاب وتجمعات وتنظيمات الإسلام السياسي بمختلف فصائلها النشطة في البصرة وبمشاركة ودعم وتأييد دول وقوى اقليمية لها مصالحها في العراق عامة وفي البصرة خصوصاً والتي ارتبطت بهذا الشكل او ذاك باحدى هذه الفصائل الإسلامية . لقد ادى هذا الصراع إلى زعزعة الوضع الأمني بشكل عام وفقدان سيطرة الدولة الضعيفة بالأساس إلى شيوع عمليات الإرهاب وعمليات الجريمة المنظمة من قبل عصابات سائبة انتهزت فرصة انشغال القائمين على إدارة امور المحافظة واحزابهم الإسلامية بصراعاتهم اللصوصية. ولكن لماذا كان الصراع بين القوى الإسلامية المتنفذة في المحافظة؟ ان اسباب هذا الصراع لم تكن المنافسة على تقديم الخدمات للمواطنين ، ولا التسابق لتوظيف موارد المحافظة الهائلة للبناء والتعمير ومكافحة البطالة وحماية الأطفال من التشرد، وليس من اجل البنى التحتية التي طال خرابها حتى مياه الشرب في محافظة شط العرب ، إن الصراعات بين قوى الأحزاب الدينية الشيعية في البصرة دار حول المكاسب المالية التي كان كل جانب من جوانب الصراع يسعى حثيثاً لنيل اكثر واكبر ما يمكن منها والتي تمثلت مصادرها بما يلي:
أولاً: النفط ومنتجاته وتسويقه خارج نطاق السيطرة الحكومية، اي سرقات النفط.
وثانياً: موارد الحدود وما تدره من ضرائب وكمارك لا تدخل في حسابات واردات الدولة، اي سرقة هذه الأموال من قبل القوى الإسلامية المتصارعة.
وثالثاً الموارد المالية للموانئ والتجارة البحرية وحركة البواخر وإدارة المخازن وكل ما يترتب على التجارة البحرية ووارداتها المالية التي لا تُسجَل كواردات دولة، بل تذهب إلى جيوب زعماء المافيات للقوى المتسلطة على ادارة شؤون المحافظة.
طبعاً يبدأ الصراع سياسياً لينتهي عسكرياً سواءً كان هذا الصراع على المجالس البلدية او مجلس المحافظة او منصب المحافظ او مسؤولي الموانئ والحدود ، فيصل إلى توظيف حتى السلاح الثقيل الذي تمتلكه كل فصائل الإسلام السياسي ، وليس في محافظة البصرة فقط.
لا اريد التوسع في هذا الموضوع إلا بقدر عرضه كصراع بين قوى الإسلام السياسي نفسها ايضاً، وليس مع عصابات او مافيات الجريمة وحدها فقط. ولتسهيل او توثيق هذا العرض انقل ما كتبه كاتب مرموق وناشط سابق في تنظيمات الإسلام السياسي وفي حزب الدعوة بالذات وهو الأستاذ المعروف باطلاعه وموضوعيته في طرح الأمور غالب حسن الشابندر، حيث كتب حول " صولة الفرسان " مقالاً طويلاً على موقع صوت العراق بتاريخ 02.03.2008 ثم دونه في كتابه " خسرت حياتي " الصادر عن دار البيضاء في لبنان عام 2017 ، اقتطف منه بعض الفقرات على الصفحات 301 ـ 305 من الجزء الأول من هذا الكتاب:
" هل من المعقول ان القضاء على عصابات تهريب وقتل يحتاج إلى جيش يتألف من اربعين الف مقاتل؟ ....... وهي بلا شك تثير ارتياب التيار الصدري، هي لمحاربة جيش وليس لمحاربة عصابات......... وصولة الفرسان تبين انها حملة شرسة وطويلة وقاسية وحاسمة، ليست مع عصابة هنا او هناك، بل مع جيش مقابل، او مع مقاتلين كثر ويملكون العدد والعدة....... إن الحملة فيما بعد تحولت إلى معركة بين الحكومة والتيار الصدري!مما جعل عنوان الحملة ينصرف إلى حملة عسكرية ضد شيعة، مهما كان موقفهم ودينهم وسلوكهم...... أتحدث فيما لو كان ما يقوله السيد المالكي صحيحاً من انه جاء لمقاتلة المجرمين واللصوص وقطاع الطرق والقتلة، وليس التيار الصدري........."
والسؤال المشروع المطروح اليوم هو: هل خَلَت البصرة بعدئذ من عصابات الجريمة ومافيات التهريب وسرقة المال العام، وهل تحسن الوضع العام في البصرة لكي يتفضل علينا سماحة الشيخ بمقترحه الذي يدعونا فيه باسم الدين حققنا الأمن والسلام والنزاهة في البصرة، عوضاً عن الشعار الواقعي الذي تطرحه جماهير الشارع العراقي : باسم الدين باكونا الحرامية؟
الواقع العراقي المر ينبئنا، مع الأسف الشديد، بان هزال حكومات الإسلام السياسي يزداد يوماً بعد يوم وغياب سلطتها يتفاقم امام تعاظم سلطة العشيرة وقوة عصابات السرقات داخل مؤسسات الدولة وخارجها. وما ذلك إلا بسبب سياسة المحاصصات المقيتة التي تقودها القوى الإسلامية الحاكمة في العراق ومن يدور في فلكها من القوى القومية الشوفينية المتطرفة عربياً وكوردياً.
اما الموضوع الذي تطرق له سماحة الشيخ باتهامه جماهير التيار المدني بانها تتحرك بايديولوجية امريكية غربية صهيونية، فنقول لجنابه بأن اسطوانة التبعية التي كانت تواجهها القوى المدنية بالأمس كانت تدور حول الإتحاد السوفيتي والدول الشرقية. وبعد زوال انظمة الدول الشرقية اخذت الإسطوانة تدور حول امريكا والغرب. لا نريد مناقشة طروحات اسطوانة التبعية المشروخة هذه لأن الوقائع الملموسة الكثيرة تشير إلى المواقف الوطنية البطولية المعروفة التي وقفتها قوى التيار المدني ضد سياسات الهيمنة الإستعمارية لوطننا قبل ان يرى سماحة الشيخ نور هذه الدنيا. ان ما نريد مناقشته هنا هو قوله بصهيونية فكر التيار المدني ، وفي حديثنا القادم معه سنبين لسماحته ايهما اقرب إلى الفكر الصهيوني التيار المدني او الإسلام السياسي. فإلى اللقاء