المنبرالحر

هل سيسمح الشعب التونسي بذلك ؟ / د. صادق إطيمش

جاء على صفحات التواصل الإجتماعي " الفيسبوك " الخبر التالي :" اكدت مصادر ليبيه و شهود عيان ان رتلا متكونا من 120 اليه عسكريه و 3500 مقاتلا من جنسيات مختلفه بالاضافة الى شاحنات يرجح انها تحمل مواد سامة و 3 مستشفيات ميدانية. وقد اشارت معلومات ان رتلا شوهد يوم 27 سبتمبر قادما من مصراتة في اتجاه الجنوب بالتحديد في مشروع النهر الصناعي اين يقبع الآن. و قد اعلن شهود عيان من مدينة مصراتة ان سفينة تركية هي من قامت بجلب الحاويات و المقاتلين الاجانب. هذا و يرجح ان هذه القوة العسكرية بقيادة بحر الدين ميمون(من قبيلة اولاد سليمان في سبها و هو متشدد ديني) هو من يقود هذا الرتل . و ترجح مصادر مطلعة ان تواجد هذه القوة في ذاك المكان يأتي ضمن جهود تنظيم الاخوان العالمي بزعامة تركيا في فرض وجود الاخوان في تونس التي تشهد ازمة سياسية حادة قد تقصف بحركة النهضة الحاكمة في اشارة الى دعم تركيا للنهضة في البقاء في الحكم حتى لو ادى الامر الى تدخل ميليشياوي "جهادي" لصالحها. قد تحمل الايام القادمة سيناريوات قد تكون شبيهة بالسناريو السوري في تونس "
المتابعون للأحداث السياسية التي إجتاحت المجتمعات العربية والتي بدأت بثورة بوعزيزي في القطر التونسي الشقيق لتستمر حتى يومنا هذا ساعية لكنس الدمى الدكتاتورية عن ارض هذه المجتمعات ، اثبتوا بما لا يقبل الشك بأن تركيا بقيادة اردوغان وحزبه الإسلاموي بدات تلعب الأدوار السياسية والعسكرية والإقتصادية في هذه الإنتفاضات الجماهيرية بغية توجيهها الوجهة التي يريدها العثمانيون الجدد بعد ان فقد هؤلاء ثقة الغرب بهم ، وخاصة اوربا التي لم تسمح لنفسها بأن يكون ضمن وحدتها السياسية والإقتصادية نظاماً كالنظام الأردوغاني العنصري الساعي لفرض نهجاً معيناً على المجتمع التركي ومن ثم مواصلة هذا النهج في مستعمرات الدولة العثمانية القديمة للعودة بالمنطقة إلى تلك الحقبة السوداء من تاريخها الذي كان سلاطنة آل عثمان ينعتونها بحقبة الدولة الإسلامية .
الدولة التركية الأردوغانية هذه اصبحت اليوم تشكل خطراً حقيقياً على المجتمعات العربية وذلك من خلال توسيع نطاق عملها المشترك مع عصابات القاعدة وكل العصابات الإجرامية الأخرى التي تتخذ من الدين جسراً تعبر عليه نحو التسلط على الحكم السياسي ومن ثم على كل مقادير البلاد والعباد وجرها نحو المستقبل الذي تريده ان يكون إنعكاساً لمجتعات القرون السالفة في تبني الفكر الذي تسميه دينياً وما هو إلا هرطقات فقهاء السلاطين الذين جعلوا هذا الدين الذي يتبجحون بالإنتماء إليه مهازل تتندر بها الصحافة والمجتمعات العالمية ، وما فتاواهم البذيئة وتصرفاتهم المخجلة وخطبهم التافهة ونشاطاتهم المسعورة في القتل والإقصاء والإختطاف والتزوير إلا بعض الأدلة على مثل هذا التوجه الخطير على مجتمعاتنا كلها بدون إستثناء .
تشير كافة التطورات الجارية على الأرض السورية الآن إلى ان العصابات المقاتلة لم يعد همها القضاء على دكتاتورية البعث وبشار الأسد ومن وراءها على الإسناد الذي تحظى به هذه الدكتاتورية من حكومة ولاية الفقيه التي لا تقل دكتاتورية عن مثيلاتها من الأنظمة الدينية التسلطية او من ميليشيات حزب الله اللبناني التي إستجابت لأطروحات التكفيريين الساعية لجعل الإقتتال في سوريا إقتتالاً طائفياً لا نضالاً سياسياً من اجل الديمقراطية والعدالة الإجتماعية والذي تجاوبت معه ايضاً الأحزاب الدينية الطائفية في العراق كل إلى جانب طائفته ، هذا الهدف الذي سعت إليه القوى الوطنية الديمقراطية السورية في بدء تحركها السلمي ضد النظام السوري القائم ، بل ان هدف هذه العصابات اليوم اصبح ينصب على تدمير سوريا بغية إيجاد المبررات لتقسيمها ومن ثم إقامة دولتهم الإسلامية على الجزء الشرقي منها بعد دمجه بما يريدون إقتطاعه من القسم الغربي من العراق . إلا ان الرياح الدولية جاءت بما لا تشتهيه سفن هذه العصابات الإسلاموية ورعاتها سياسياً واقتصاديا ولوجستياً من دول الخليج النفطي وخاصة من الحكام العشائريين المتخلفين في السعودية وقطر ومن الحكم العنصري في تركيا اردوغان .هذا بالإضافة إلى الخلافات التي وصلت حد الإقتتال بين افراد هذه العصابات نفسها . فالتوجه العام بالنسبة للقضية السورية يسير باتجاه الحل السياسي وليس العسكري بعد ان حل بهذا البلد الجميل ما حل من الدمار على مختلف الأصعدة والمستويات . ولم تدرك بعض القوى المناوئة للنظام السوري خطر هذه العصابات إلا مؤخراً بعد ان كشرت عن انيابها القذرة وجعل سوريا شعباً وارضاً فريسة سائغة لها ولمموليها وسادتها .
من الطبيعي ان يتم تفعيل كل هذه المخططات الإجرامية بمباركة الشريك الأكبر والمؤسس الأول لمثل هذه العصابات والمتمثل بالسياسة الأمريكية في العالم أجمع وفي منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص . فالسياسة الأمريكية التي تدعي بأنها تحارب الإرهاب في افغانستان وتلاحق عصابات الطالبان ، التي اسستها المخابرات العسكرية الأمريكية بدعوى محاربة الجيش السوفيتي في افغانستان ، تزود هذه العصابات بالمال والسلاح والخطط العسكرية إما بشكل مباشر عن طريق عملاءها المنتشرين في المنطقة او بشكل غير مباشر عبر حلفاءها المخلصين في السعودية وقطر وتركيا .
يبدو ان الخطط التي وضعتها عصابات الإجرام ومن يتبناها من دول الخليج وتركيا والسياسة الأمريكية لم تعد تتحقق في شرقي البحر الأحمر بالشكل الذي كان موضوعاً لها، فبدأوا ينقلونها إلى دول المغرب العربي ليسجلوا بذلك إنطلاقة جديدة نحو القارة الأفريقية التي لم تستطع هذه القوى وضع بصماتها كلياً على سياستها حتى الآن .
فبدأوا بمصر التي عاث بها الأخوان المسلمون فساداً لمدة سنة كاملة لم يستطع الشعب المصري عليها صبراً ، فهبت ملايينه لإقتلاع هذه النبتتة الفاسدة التي ازكمت رائحة فسادها الأنوف في مدة وجيزة استطاع بها الشعب المصري تعرية هذه الجماعات الكاذبة المنافقة التي وضعت يدها بيد الصهيونية العالمية ممثلة بحكومة الصهاينة في فلسطين . ولا غرابة في ذلك فسياسة الإثنين ، الصهاينة والأخوان المسلمون ، تسعى لإقامة الدولة الدينية التي لا يمكن ان تكون إلا دولة دكتاتورية .
اما في ليبسا كساحة من سوح التحركات الجماهيرية التي قضت على دكتاتور ليبيا فقد إستطاع الناتو من خلال تدخله العسكري فيها ان يحافظ على وجوده بشكل من الأشكال هناك من خلال الصراعات المحلية التي يؤججها بين القبائل في مجتمع لا زال الصراع القبلي الجاهلي يلعب دوراً كبيراً فيها .
اما الحلقة الأقوى في تونس فقد برهن شعبها على انه شعب متحضر فعلاً ولا تنطوي عليه هرطقات الغنوشي ولا تعيقه إغتيالات مناضليه . فلم يرضخ هذا الشعب المناضل إلى كل الألاعيب التي مارستها قوى الإسلام السياسي في تونس والتي وجدت في القوى الوطنية المناضلة وفي الأحزاب والتجمعات السياسية والنقابية المشهود لها بالنضال الوطني جبلاً صامداً يدافع عن حياته وثقافته وحضارته وعلاقاته المتحضرة مع دول العالم . إن مثل هذا الإصرار من قبل الشعب التونسي على مواصلة حياة التحضر والحداثة لم يُرض قوى التخلف المتسلقة على الدين وربيباتها من قوى الجريمة وعصابات التكفير والقتل ، فسعت بكل ما تستطيع به من قوة لإيقاف نضال الشعب التونسي ووضعه في تلك الزاوية التي يريدونها له في ظلمات التخلف والإنحدار نحو الهاوية ، وما هذه التحركات العسكرية لقوى الجريمة هذه إلى البداية على هذا الطريق الذي سيجعله الشعب التونسي ، وبكل إصرار ، طريقاً وعراً شائكاً على كل قوى الشر والظلام .
فيا شعب تونس الأبي ويا قواه الوطنية الحاملة لراية الوطن وحرية الوطن وسعادة اهل الوطن ، إستفيدوا من التجارب التي مرت وتمر بها سوريا ومن التجارب التي مر ويمر بها العراق ، هذه التجارب مع قوى الإسلام السياسي التي حولت صراع القوى الوطنية في هذين البلدين بشكل خاص ضد الدكتاتوريات إلى صراعات دينية طائفية وقومية تعصبية لا زال آلاف المواطنين من الضحايا يسقط كل يوم بسببها ، ناهيك عن الملايين التي أجبرتها هذه العصابات على إختلاف توجهاتها الدينية والمذهبية والقومية على الهجرة من اوطانها إلى المجهول الذي لا ترى فيه بارقة امل لمستقبلها ومستقبل اطفالها . فهل ترضون لأهل وطنكم هذا المصير يا احرار تونس ومناضليها الأبطال ؟ حاشى لكم ان ترضون بذلك ولا اظنكم بأنكم ليسوا بقادرين على رد كيد هذه العصابات القادمة لكم إلى نحورها وانتم الذين اشعلتم فتيل الثورات الجماهيرية العارمة التي إكتسحت المنطقة بكاملها .
وليس لي في الختام إلا ان اردد عليكم ما قاله شاعر العرب الكبير محمد مهدي الجواهري محذراً حينما قال :
تيقظوا وتنبهوا وتأهبوا للنائبات فإنها تتأهب
ولكم من شعب العراق تحايا الصمود والنضال ، ولتظل راية نضال الشعوب خفاقة على ربوع اوطانها المتحررة .