المنبرالحر

نحن وتشيلي وجنوب افريقيا / طه رشيد

1

رغم مرور اكثر من عشر سنوات على سقوط النظام الدكتاتوري البعثي ، الا اننا لم نجد مثقفا بعثيا، شاعرا او كاتبا او فنانا او صحفيا او شرطيا، يعتذر عن تلك الحقبة السوداء سواء عما كان يقدمه من مديح واطراء لرأس النظام وتجميله ام عن الاذى الذي سببه للآخرين ، والكل يعرف كيف كان يتبجح البعض منهم بـ " الزيتوني" آنذاك جامعا بمستحيلين فهو يتأبط مسدسا في يمينه ، وكتابا في شماله .. لم يعتذر او يوضح لنا هذا الشاعر او ذلك الفنان كيف كان مجبرا على تدبيج القصائد تلو الاخرى سواء لصدام او لنظامه .
ربما استثني في هذا السياق الفنان الكبير حسين نعمة الذي يتحدث بصراحة عن تلك المرحلة ويذكر في كل لقاء ما له وما عليه.
اتذكر آخر اغنية قدمها الفنان قاسم السلطان قبيل السقوط وهي " فوت بيها وعالزلم خليها" وكيف يتبختر بعض الفنانين على المسرح والمغني يصدح وهو ماسكا بالكلاشنكوف . لم يعتذر اولئك الفنانين عن فعلتهم ، هل هو الخوف الذي ما زال مستحوذا على المواطن العراقي ؟

2
خرجت مظاهرات في بغداد والمحافظات تطالب بالغاء تقاعد البرلمانيين ، وقد تم الاعتداء عليهم دون وجه حق . وفي اليوم الثاني اعلن مجلس الوزراء انه يدعم مطالب المتظاهرين ، عجيب ! وهنا مجبرون بطرح حزمة من الاسئلة : لماذا تم الاعتداء على المتظاهرين ؟ لماذا لم يعلن الدعم لهم قبل يوم او يومين من موعد المظاهرات لنجنب المؤمنين شر القتال ؟ لماذا لم تعتذر الحكومة من المتظاهرين وبالاخص الذين تم الاعتداء عليهم ومحاكمة المسيئين من قوات الجيش او الداخلية ؟
اما البرلمان الذي كان بيت القصيد فيبدو انه يدعم ايضا المتظاهرين في مطالباتهم وهو ما يثير العجب مثل الحكومة ، والسؤال هنا موجه تحديدا للبرلمان الموقر : لمَ لم تسمحوا بمناقشة اشكالية المظاهرات اثناء اول جلسة عقدت بعد خروج التظاهرات؟
هل هي محاولة لركوب المظاهرات ام ركوب الموجة ؟

3
نائب شتم العراقيين حين سأل عن الغاء رواتب التقاعدية للبرلمانيين وقال بانه يرفض ان يكون " دايح" مثل الشعب العراقي .الا انه امتلك الشجاعة الكافية ليعتذر من الشعب العراقي ، حتى لو كان تحت تأثير الانتقادات الواسعة التي جوبه بها او بتاثير المظاهرة التي خرجت ضده في محافظته صلاح الدين.
4
نحن لسنا التجربة الفريدة في هذا الخصوص فقد سبقنا شعب جنوب افريقيا الاسود والابيض وطووا صفحة الماضي ولكن بعد ان اعتذر المذنب من الضحية .
هل لنا في هذا الشعب او في شعب تشيلي الذي اسقط حكم الدكتاتور بينوشت بعد اكثر من ربع قرن من العذاب ، مثلا لنا نحتذي به ؟
السؤال موجه بطبيعة الحال للمذنب، فهل هو قادر على ان يعتذر بصدق من ضحيته؟ لكي نطوي الصفحة السوداء في تاريخنا السياسي ، صفحة دكتاتورية صدام وحروبه الخاسرة !!