المنبرالحر

تحت جدارية جواد سليم: القائد العام يُكّشر عن انيابه الورقية...!/ فخري كريم

اضاف القائد العام للقوات المسلحة، مأثرة جديدة الى سجل مآثره التي حققها منذ توليه المناصب السلطانية، بتفريق المتظاهرين في ساحة التحرير بالهراوات. وفي اول ملاحظة تخطر على بال المراقب، يبدو واضحاً للعيان العلاقة بين الاقوال والافعال في سلوك المسؤول الاول في دولتنا، الفاشلة بفضله اولاً واخيراً.
ففي اول رد فعلٍ له، بعد فض مظاهرات ٣١ اب الماضي، باجراءات احترازية حولت بغداد الى ساحة وغىً، وكأنها بانتظار عودة "شِمِرْ" من لحده اللعين، اعلن في حديث "اربعائه" انه يؤيد ويتعاطف مع، مطالب المتظاهرين العادلة! وقد اكد امس، بالدليل العملي القاطع، صدق ادعائه، وحرصه على حفاظ ما تبقى من "ماء وجه" هذه السلطة التي لم تكتف، بما نسب اليها من كبائر الامور، فزادت عليها انها كاذبة عن سبق اصرار، وتجد في ممارسة الكذب على المواطنين، الاسلوب الامثل في "لَحسِ" وعودها، والضحك على ذقونهم، كسباً للوقت الى ان يحين موعد الاستحقاق الانتخابي في مقتبل العام القادم.
ان من يشاهد الاستعدادات العسكرية والامنية، التي تسبق اي تحركٍ احتجاجي سلمي في ساحة التحرير، ينسى للحظات انه في المدينة ذاتها التي يتوزع الموت فيها كل يوم، ليحصد ارواح العشرات، ويُقتَل فيها المواطن على الهوية، ويجري السطو العلني، في وضح النهار، وعلى مبعدة خطوات من السيطرات العسكرية والامنية، وبمرأى منها، لتسجل "الحوادث المؤسفة" على مجهول، او يُعلن عن عملية ثأرٍ في احدى الضواحي التي لم تتحول بعد الى "ملاذ آمن للارهابيين" ايماناً من اهاليها بانهم شركاء في هذا الوطن المُغتصَب.
ومشكلة الحاكم "المتدرب" على تقمص دور الطاغية او المستبد، دون ان يكون مؤهلاً له، انه لا يرى ابعد من انفه، ولا يسمع غير دعاء اهله له بطول العمر ودوام السلطة. ويتعذر على هؤلاء الاشباه، الاتعاظ بدروس التاريخ القريب، وليس البعيد، لان السلطان الجائر يتعود بعد ان يتلبسه الوهم بدوام سلطته، على ان يسمع، لا أن يقرأ. واذا جاز له ان يقرأ فلا اكثر من تقارير تُشيد بحكمته ودرايته في كل امور الدنيا والآخرة.
لقد حقق القائد العام، خلافاً لقول معارضيه، التعددية للعراق على اكمل ما تكون عليه التعددية. فإذ يسلط هو في بغداد قواته لقمع متظاهري ساحة التحرير، المطالبين بالغاء امتيازات النواب واصحاب الدرجات الخاصة، يحتفي محافظ الناصرية بالمتظاهرين، وتتولى القوات الامنية في المحافظات الاخرى حمايتهم. وقد يرى في سره ان هذا الذي يجري خارج بغداد انما هو تمرد، او تمهيد لانقلاب "بعثي" على الشرعية، يتطلب تدبيراً عاجلاً، بارسال قوات "سوات" لافشاله واعتقال قادته من "البعثيين" غير الموالين!

( ٢ )

قد انظر الى المالكي، بعين الرضا والقبول، بعد كل هذا الكم من "الترهات الفاشوشيّة" التي قيلت وتُقال عنه من قادة الكتل والمعارضة المشغولة بتدبير ازاحته، للجلوس على كرسيه، والتلويح بصولجانه. فالرجل يُحسب له انه استطاع ان يروّض ويُدجن معارضيه والمتقولين عليه، بدون اللجوء الى حفلات اعدامٍ او محاكماتٍ جماعية، كما فعل سلفه صدام حسين، اذ يكفي ان يريهم بين فترة واخرى "العين الحمرة" او يلوح بملفات الفساد وما يتوفر من غيرها، لمن يتجرأ على ملاسنته في اجتماعات التحالف الوطني. والا ما الذي يدفع هؤلاء القادة الكرام الى التزام الصمت ازاء كل هذا الذي يجري، ويمهد لدفع البلاد الى شفا الانهيار، كما تؤكد كل تقارير الجهات غير المتربصة بالعراق؟ وما الذي فعله كل منهم، ليبدو القلق على محياه، كلما اراد ان يهمس لجليسه، بما يفعله "الحاج" بمصير العراق، متخوفاً حتى من ذكر اسمه؟!
فلماذا لا انظر بعين الرضا والقبول الى من استطاع تحقيق منجز لم يستطع صدام ان يحققه، طيلة ثلاثة عقود من حكمه، رغم ما كان تحت يديه من وسائل الاغراء والبطش؟!
ومن حقي، اكثر من غيري، ان "أساوم" المالكي واسترضيه، لانني اذ افعل ذلك، فلوجه الله عزوجل، ولخير هذا الوطن الذي حباه الله بسلطان جائر، لا يشنق معارضيه من طائفته، ولا من غيرها من الطوائف، ويكتفي بالتلويح المجرد بما تتضمنه ملفات فسادهم، واذا اقتضى الامر اكثر من ذلك قليلاً ، في "العين الحمرة" لا غير. ثم الا يمكن ان يكون صحيحاً ما يقال عن بدائله، بالمقارنة معه، بانهم أشّر منه وادهى؟!
واشهد انني لم أُصلّ معهم، كما فعل ويفعل المالكي، ولم استظهر بواطنهم كما فعل هو في مناسبات عديدة قبل وضوئه وبعد الصلاة، ولم اكن من بني عشيرتهم، او عضواً في اي حزبٍ من احزابهم، ولم اتعرف على حقيقة بعضهم، كما تعرف هو، حين كان تحت قيادة كثرة منهم، وحين اصبح قائداً متوحداً لهم. كما اشهد ان احداً منا، لم يتلاعب باموال الزكاة والحجيج، نحن الذين قضينا كل اعمارنا، في العمل على ان نبني جنة الله على الارض للفقراء والمعدمين الذين يتموكب عشرة ملايين منهم في عاشوراء من كل عام سيرا على الاقدام الى كربلاء، مصحوبين بدعوات العراقيين كلهم باتمام الفريضة والعودة بسلام الى ديارهم.
وماذا يعني تقوّل من يتقول على المالكي، من عبث ولده احمد في كل اتجاه وهو يدير مكتب والده، ويصبح ظاهرة فريدة في العراق الجديد، ينسى معه العراقيون اسماء اولاد وبنات الطاغية صدام حسين في اقل من بضع سنوات، ولماذا اتعامل مع الاشاعات المغرضة عنه، والتي تزعم انه يمد يده في كل اتجاه ويغرف من شطآن غيره، ويحقق لنفسه واعوانه مالم يستطع اسلافه من تحقيقه؟
لماذا اقبل التعامل مع الاشاعات عن المالكي وفريقه وولده، ولا استمع لما يصل من محاججة المالكي والمدافعين عنه، من ان لكل هؤلاء القادة اولادا وانسباء وذوي قربى يفعلون اكثر مما يفعل احمد وياسر وفائز، يتاجرون مثلهم مع انها "اشاعات مغرضة"، ويفرضون الاتاوات على الشركات ورجال الاعمال، ويتقاسمون الحصص معهم من العقود الحكومية، ويستقدمون الشركاء من بيروت ودمشق وعمان ودبي واقصى الدنيا، ليؤسسوا شركات اعمار وتجارة واسواقا ومصارف. لماذا اصدق ما يتردد من اشاعات على آل المالكي، واكذب ما على اعدائه ومعارضيه؟!
لماذا اصدق اشاعاتهم التي تزعم ان احمد المالكي، هو المعاون الفعلي لوالده، حتى في ادارة قوات سوات وغيرها من القوات والاجهزة الامنية، واغض النظر عن فضائح من يشيعون عنه هذه "الاقاويل والاكاذيب"؟
نعم من حقي ان انظر بعينٍ، غير التي كنت انظر بها الى رئيس مجلس وزرائنا والقائد العام لقواتنا المسلحة، فلماذا احمله المسؤولية عن قمع المتظاهرين في ساحة التحرير، بينما قادة التحالف الوطني والاخرون، يعجزون عن وضع حدٍ لتسلطه واستكباره، وتحديه للعراقيين كلهم؟ ومن ذا الذي يمنعهم من اجباره على التوقف عن انفراده في ادارة الدولة الفاشلة لتصبح كل يومٍ شبه دولة فاشلة؟

( ٣ )

على المتظاهرين في ساحة التحرير، ومن يشجعونهم على التظاهر، ان يتوقفوا عن اتهام المالكي وفريقه، بقمع احتجاجاتهم، والعمل ضد تحقيق مطالبهم، فليس هو في المحصلة النهائية، سوى فرد واحد، وحوله كوكبة من القادة الاجلاء الذين لا يجاريهم بشجاعة الخطابة وجسارة الدعوة الى الصلاح والخير والمحبة.
وعلى المتظاهرين ان يستدركوا من الان فصاعداً، ان مطالبهم حتى الجزئية منها، تصطدم بارادة مصالح طبقة حاكمة، متوافقة في السر، ما دام صوتها لا يسمع في استنكار ما يجري ضدهم.
وعلى المتظاهرين والشعب ان يدركوا بان القمع الذي يمارس ضدهم، ليس الا تمارين لقوات القائد العام على فنون المطاردة والقتال، للاستقواء بهذا على الارهاب والارهابيين، وما لم يفعلوا ذلك بين فترة واخرى، قد ينسى البعض منهم فنون القتال وصولاته!

( ٤ )

لم يدرك السلطان ان جدارية جواد سليم، مهددة بالسقوط تحت تأثير عوامل عديدة.. وقد يكون منها الارتجاج الذي تسببه هتافات المتظاهرين، وصراخ القوات الامنية في مطاردتهم، وربما يخطئ البعض منهم جموعا من المتظاهرين فيوجه هراوته الى الجدارية، دون قصدٍ فيصيبها بمقتل!
ليس عيباً ان يعمد السلطان الى اصدار امرٍ بحماية الجدارية الخالدة، فيحظر المظاهرات تحتها، بدلاً من تسويق اكاذيب ووعود مكشوفة، فقدت صلاحيتها، منذ انكشاف وعد المائة يوم..!