المنبرالحر

فلسفة الديمقراطية في منظور المجتمع المدني / عبد القادر ضيائي*

ليس من السهل تعريف "المجتمع المدني" ,فالمصطلح في صيرورة واضحة من مفكر الى مفكر وبالتزامن مع التحول الإجتماعي في }الحداثة الرأسمالية{ عند (هيغل) البداية,وهي بداية تربطه بشكل واضح بالبرجوازية,وأما "ماركس", فهو فضاء الصراع الطبقي بالذات,وعلينا أن ننظر الى "غرامشي", حتى نحدث تغييرأ في محتوى المصطلح,هنا يساوي المجتمع المدني بالبنية الفوقية التي تسهم في تطويع "المواطن" وتضبط سلوكياته دون الحاجة الى ان تمارس الدولة ادواتها الإكراهية المعروفة...ولابد أن "إريك فورم" في العديد من كتبة أنظر مثلأ The Beyond Chains of Illusion,عبر قراءة جادة لتقنية (البرمجة المجتمعية للفرد) موظفأ المفهوم الذي ولده بديلأ لفرويد, ونعني به مفهومه (حول الشخصية الإجتماعية) التي تتوسط بين البنية التحتية الإنتاجية وبين الفرد الحي في الصيرورة الإجتماعية,لا تظن أن أفكار (فروم) قد تلقت العناية التي تتلائم مع قيمتها, ولذلك فأننا نميل الى توضيح مغزاها أنها يمكن ان تشكل مفتاحأ جادأ لمقاربة عميقة للمصطلح المراوغ.
علينا على الأرجح أن نبذل جهدأ أكبر في تحديد معنى مصطلح (المجتمع المدني) بدل أن نواصل الرحلة في إيحاءات مختلفة هنا وهناك,وهو ما قد يؤدي الى الحد من الغموض في دلالاته! ربما أول (حركة مدنية) إكتسبت شهرة عالمية هي بالفعل "حركة تضامن " البولندية! التي مثلت قطاعات واسعة من العمال الذين تحولوا الى أمل الأمة الديمقراطي بغض النظر عن تقييمنا لنتائج "الحرية" التي جلبتها (ثورة-تضامن) التي حركت الشارع البولندي بكافة ألوان الطبق السياسية,بل ربما الطبقي!!
الحق أن المجتمع المدني قد بدأ على الأرجح مع (الحداثة الرأسمالية) وما فعلته (تضامن) هو تحفيز حمى الإهتمام الراهن بالموضوع وعلى أوسع نطاق.
هناك جانب لا يجوز لنا إغفاله عندما نتعرض لمفهوم "المجتمع المدني" وذلك هو (النظام النيابي), فالحقيقة أن هناك إتفاقأ ان الأحزاب السياسية (على الرغم من أنها تقود الدولة في نهاية الامر) جزء من مكونات المجتمع المدني,ولكن هذه (الأحزاب) لا تكون موجودة إلا في نظام نيابي حزبي, ومعنى هذا أن تبني هذا الرأي سوف يؤدي بنا إلى إنكار وجود مجتمع مدني حقيقي خارج البلدان التي يقوم نظامها السياسي على (التعددية الحزبية والنظام الإنتخابي النيابي ,حيث يمكن تداول السلطة بوسائل مشروعة ومقننة بدرجة كافية من الوضوح الذي يسمح بتكرارها بفعالية , من إن يذهب تعريفه الى القول بأن المجتمع المدني الذي هو عبارة عن :- مملكة توسطية تقع بين الدولة والأسرة وتقطنها منظمات منفصلة عن الدولة وتتمتع بإستقلال ذاتي في علاقاتها معها وتتشكل طوعأ من أفراد يهدفون الى حماية مصالح قيم معينة.
وفي مجتمعنا تبرز قوة منظمة بمنأى عن السلطة تشبه الجماعة الطبقية بسبب قدمها التأريخي النسبي, تلك طبعأ هي (الجماعة المدنية المنبثقة من المسجد او الحزب الديني او المذهب,وهنا أيضأ نلمس ان حياة الأفراد تصاغ في كافة مستوياتها تقريبأ بحسب إرادة تلك الجماعة), ومن ناحية معينة تلتبس الأمور على المحلل.
وإذا عدنا الى (غرامشي وإريك فروم) ليس هذا ما تمارسه فئات المجتمع المدني الحديثة,ونعني إخضاع الفرد بصمت وإقتدار وسلبه القدرة على المعارضة.
إذا هنا ربما وصلنا الى محطة عنواننا – لبحثنا عن العلاقة بين المجتمع المدني وفي منظورها للديمقراطية الجدلية ,وقد ألمحنا منذ قليل أن بعض أصحاب (الرؤى الليبرالية) يربطون الأمرين أيضا ربطأ محكمأ الى حد القول بعدم وجود مجتمع مدني حيث لا توجد ديمقراطية, ولكن الأمثلة البارزة كما في حالة (بولندا- تضامن) وحالة (ايران الجامعة المسجد) يتعاونان لإسقاط الشاه, هذه نماذج تفند على الأرجح الرأي الجازم بعدم توليد مجتمع مدني خارج إطار الديمقراطية الليبرالية.
ومن جانبنا نود ان نعكس القضية لنسأل: هل المجتمع المدني كفيل بإنجاز الديمقراطية المجتمعية وخصوصأ السياسية؟
يوضح (الفيلسوف/جوردون) ان هناك أربعة طرق يمكن للمجتمع المدني أن يؤثر في المجتمع معززأ الفرصة في نمو الديمقراطية بالشكل التالي:-
اولا/ خلخلة ميزان القوة المائل لصالح الدولة بحيث يزداد نفوذ المجتمع في توازن القوة الحاصل , فاذا لم يتحقق توازن أفضل لا يرجى إنجاز ديمقراطي.
ثانيا/ هو قدرة المجتمع المدني على التأثير في درجة إنضباط الجهاز السياسي ,فإذا كانت القوة مدعاة للفساد,فإن القوة المطلقة مدعاة للفساد المطلق, ولذلك فإن المجتمع المدني القوي والفعال يخضع السياسيين لدرجة معينة من الرقابة التي تجعلهم أكثر حذرأ وأقل ميلأ لإساءة إستغلال السلطة.
ثالثا/ يبدو للمجتمع المدني دور بارز كوسيط بين الدولة وقطاعات المجتمع المختلفة, وهو ما يعزز حالة من التواصل بإتجاهين بين جناحي البلد الرئيسيين "الدولة والمجتمع", وإذ يصبحان على إتصال تتحسس حالة الحكم العامة ويتعزز الطابع الديمقراطي.
رابعا/ إن طبيعة المجتمع المدني ومنظماته تتطلب تعزيز فكرة (الإنتخابات والإختيار الحر) وهو ما يتطلب الضغط بإتجاه تجذير الديمقراطية على مستوى الدولة والوطن ككل.
ويبدو أخيرا أن طبيعة المجتمع المدني ومنظماته, ربما لا يستطيع احد أن يتجاهل وجاهة التحليل الذي قدمه "جوردون" غير أن التطبيق وساحة الممارسة هما المحك الفعلي لفحص اية نظرية او تحليل مهما كان التطبيق في طابعها وميدانها, وفي الحالة الراهنة فإننا نلاحظ مثلأ أن منظمات المجتمع المدني في (المشرق العربي) لا تتمتع بصفات تجعلها تميل الى الديمقراطية وأسلوب الإنتخابات بالإقتراع السري وما الى ذلك.
هذه الناحية تتفوق عليها الأنظمة الحاكمة بإدعائها إجراء إنتخابات تحصل فيها على ما يقارب 99% من الأصوات (ما عدا في الاستفتاء الذي جرى في العراق 11/2002 فقد فاز الرئيس صدام حسين آنذاك بكل الأصوات اي 100% بالتمام والكمال), صحيح ان العديد من الناس لا يتعاملون بجدية مع الانتخابات التي تجري في العالم العربي ومعظم الدول في الجنوب,ولكن الإنتخابات في كل الأحوال تجري.
أما في منظمات المجتمع المدني التي تتغنى بالليبرالية وحقوق الإنسان فإنها لا تمارس آية إنتخابات,ويقضي مؤسس المنظمة والحاصل على تمويلها في رأس الهرم مدى الحياة.
الجانب الأهم هنا,أن نذكر ان شرط الديمقراطية الحقيقة هو وجود المواطن,والذي يعرف حقوقه وواجباته تجاه الدولة, وأن وجود المجتمع المدني ذاته غير ممكن دون وجود المواطن الذي يمتلك الحق في منح التفويض للدولة وتسميه من فيها ,بينما يمكن القول ان وجود (الرعايا) مرحلة سابقة على }الحداثة والديمقراطية{, وتجسد إنتماء الفرد الى الجماعة الطبقية الضيقة ,ولعل توافر (المواطنة) التي تعني (الوطن والأمة), يشكل ذاته سببأ كافيأ لتزعزع مكانة الإنتماء ما قبل المدني بما يعنيه ذلك من أثنية وعائلية وطائفية ودينية ومناطقية وإقليمية.
إذن هنا يبرز (دور المثقف), وخاصة (الجمعي-الحزب) الذي يخوض نضالأ تنويريأ في هذا المستوى يهدف الى إنقاذ وعي الجماهير من سيطرة الأيدولوجية البراجوازية, وهكذا يقول غرامشي في كتابة الموسوعة "غرامشي وقضايا المجتمع المدني". /القاهرة/1991.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
* باحث وشاعر
كركوك