المنبرالحر

حين يُغيَبْ دور المُثقَف !/ حميد حرّان

تشهد سائر شعوب الأرض تقدماً في شتى المجالات، وقد ثبت من خلال متابعة مايُكتب ويُنشر عن تجارب كل شعب، إن الجميع أحرز تقدماً بسبب إعتماد الكفاءات العلمية كقدوات في ميادين تخصصهم. ونشر معارفهم وخططهم التطويرية بين الكوادر العاملة معهم ضمن ذلك الميدان، القدوات العلمية والثقافية والتربوية تشكل الرافعات الحقيقية لعملية التقدم، بأعتبارها الموارد البشرية التي تُحسِن توظيف العوامل الأخرى من خلال التخطيط وإعتماد معايير الجودة في توظيف العاملين، حسب قاعدة الشخص المناسب في المكان المناسب، وإستغلال الموارالمالية لخدمة عملية التطور بكل مفاصل الحياة، وتحت رعاية ومتابعة رقابة مالية رصينة تضمن عدم هدرها .
من هذه المقدمة يتضح لنا، إن العراق كبلد فيه هذا الكم الهائل من الكفاءات العلمية، والموارد المالية، مؤهل لأحداث قفزات نوعية في كل مرافق الحياة، ولربما كان أمل الشعب العراقي بحصول هذا التقدم بعد سقوط النظام السابق، لكن تجربة 14 سنة من حكم (حارة كلمن إيدو إلــو) تكشف عن تراجع غير مسبوق في بُنية الدولة، مما يدل على سوء إدارة، في كل المفاصل، وفساد مالي تخطى حدود المتوقع، وغياب تام للتخطيط، وإبعاد لأكثر الكفاءات عن مراكز العمل المناسب لها !.
من المُسلمات إن أي طبقة سياسية تأخذ على عاتقها عملية إدارة دولة، يفترض بها أن تتفق على برامج تنموية، تبدأ بتنمية الموارد البشرية وتأهيلها للمهام التي تُلقى على عاتقها بأعتبار أن الأنسان هو الفاعل الأساسي في هذا المجال ... وبعد تجربة مريرة لعسكرة المجتمع، وخوض الحروب العبثية في ظل النظام الديكتاتوري السابق، ومن ثم إسقاط النظام السابق بقوة العسكر الأجنبي، كان المفترض بالسلطة البديلة أن تعمل على مسح ثقافة (العسكرتاريا) من ذاكرة الناس وإستبدالها بنشر ثقافة السلام والتنمية لكي ينتفع الشعب من سقوط النظام الديكتاتوري بحفظ حياة أبناءه من جهة، وتوظيف طاقاتهم في بناء بلادهم من جهة أُخرى، وهذا مالم يحصل للأسف، ومما لايخفى على الحليم، إن عدم تبني مشاريع السلم الأهلي وإعادة بناء الدولة لم تكن بعيدة عن أرادات خارجية، جَنَدت أتباع داخليين، كُلِفوا بغرس بذرة التشظي، وتكريس الأستقطاب الطائفي، وضيعوا فرص النهوض بالعراق، وربما كان تغييب دور الكفاءات العلمية، والمثقفين العراقيين من أبرز دوال هذا التكليف.
إن تهميش دور المثقف يحمل دلالات خطيرة على مستقبل أجيال قادمه كونه يُفقدهم القدوة، وينعطف بهم نحو التناحرات الهمجية ويحول الأرض الى صفيح ساخن، فالمثقف هو وحده القادر على تبليغ الرسالة الحضارية، وصناعة وعي جمعي يتخطى أزمات الحاضر المتوتر .. أما مايتحقق الأن على أرض الواقع من إستخفاف بالشرائح الواعية فيمكن إيجازه بما قاله أحد القرويين عن شقيقه الحاصل على شهادة الدكتوراه حين سألوه عنه فقال :
(ياجماعة الخير هو خوش زلمه، بس ماخربته غير هالدختوره الكشره، لاتنفع شوي ولاطبخ)