المنبرالحر

دروس 5 يونيو! / أسامة الغزالي حرب

ماذا نقول لأولادنا ولأحفادنا اليوم عن 5 يونيو 1967 ذلك اليوم المشئوم الذى تلقت فيه مصر أقسى هزيمة عسكرية في تاريخها الحديث ؟ بل ربما في تاريخها كله؟ إن علينا اليوم ألا نكذب أو نتجمل وأن نستخلص بلا أي تحفظات الدروس والعبر.
لقد كنت في العشرين من عمرى طالبا في الجامعة عندما وقعت الهزيمة، أي أنني كنت أعي تماما كل ما يحدث. شاهدت على شاشة التليفزيون الأبيض والأسود في 23 مايو 67 جمال عبد الناصر في المؤتمر الصحفي الذى عقده على الهواء وهو يتحدث بثقة مختالاً وفخوراً بنفسه، ويعلن وقد جلس بجانبه المشير عامر إغلاق خليج العقبة أمام السفن الاسرائيلية. لقد انطوى ذلك على ضربة قاصمة لإسرائيل ولمصالحها الاقتصادية.
كان عبد الناصر منتعشاً، واثقاً من نفسه، فخورا بشبابه مقارنة بصحة هارولد ماكميلان رئيس وزراء بريطانيا الذى وصفه عبد الناصر بأنه «خرع»! كنت أشعر بالفخر والنشوة لما قاله وأعلنه الزعيم الذى أحبه كثيرا، وكنت أتصور أن الزعيم الكبير لا يمكن أن ينطق بتلك التصريحات القوية إلا وهو واثق من استعداد جيشه لخوض الحرب. لم أكن أتصور أبداً أنه يقوم بعملية «تهويش» فقط، إذا جاز هذا أصلا فى السياسة، أو أنه لا يدرك مدى استعداد جيشه في ظل قيادة صديقه الحميم عبد الحكيم عامر، الذى رقاه من رتبة بكباشى (مقدم) إلى رتبة اللواء ثم المشير بلا أي مؤهلات حقيقية.
لكن ثبت للأسف أنه لم تكن هناك نية حقيقية للحرب، ولا كانت قواتنا المسلحة مستعدة لها، وبعد هذه التصريحات الحماسية بـ 13 يوما بالضبط، وفى فجر (مثل هذا اليوم الاثنين) 5 يوينو 1967 أغارت الطائرات الاسرائيلية على جميع المطارات المصرية لتدمر الطائرات وتعطب المطارات، ليصير الجيش المصري في سيناء عارياً مجرداً من أي غطاء جوى أمام القوات البرية الاسرائيلية التي وصلت في ستة أيام إلى قناة السويس.
لماذا هزمنا على هذا النحو المهين والمذل؟ من المؤكد أن إسرائيل كانت متربصة بنا تتحين الفرصة لتضرب ضربتها، لكننا هزمنا لأننا اعتدنا وجود الزعيم وقراراته المنفردة التي تغنى عن وجود مؤسسات سياسية حقيقية وديمقراطية تتخذ القرار.
هزمنا لأن الزعيم اختار صديقا له محدود القدرات قائداً للجيش مقدماً إياه على عشرات من القادة العظام الذين لم يأخذوا فرصتهم إلا بعد أن هزمت مصر وانتحر المشير وتولوا إعداد الجيش للأخذ بثأره في أكتوبر 1973.
درس يونيو الأول والثاني والعاشر هو أن الديمقراطية ووجود مؤسسات سياسية دستورية ومسئولة هي فقط عماد قوة الدولة، أي دولة، قبل أي عنصر آخر على الاطلاق، حتى ولوكان زعيما كاريزما محبوبا.
• «الاهرام – 5 حزيران 2017»