المنبرالحر

جيريمي كوربن.. ذلك الحلم الجميل، هل سيتحقق ويراه الباحثون عن العدالة؟ / كاوة بيسراني

إنه اليوم كما كان قبل 34 عاماً عندما تعرفت إليه لأول مرة. بقي ذات الإنسان: بسيطا ومتواضعا، نظيفا ورجل قيم و مبادىء. مؤمن بالديمقراطية وقلبه قريب من الشغيلة وكادحي الحركة العمالية النقابية. دعمه وتضامنه اللامحدود لنضال شعوب العالم من اجل الحرية والعدالة الاجتماعية لم يلن، وقد نذر كل حياته من أجل السلم العالمي والديمقراطية وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية في كل بقاع الأرض، خلافاً للكثير من زملائه الذين يمثلون الجناح اليميني من حزبه والذين يستغلون وجودهم فى البرلمان لخدمة مصالحهم الشخصية بتولي وظائف فى الشركات او ليكونوا لوبي لشركات رأسمالية، أكثر من السعي لخدمة ناخبيهم. هؤلاء دأبوا على محاربته اكثر من خصومه من حزب المحافظين، منذ توليه قيادة حزب العمال في بريطانيا بأكثرية غير مسبوقة فى تأريخ الحزب. وبقي جيريمي كورين مصراً على رفض تولي اي موقع او مركز مالىي او تجاري لكسب المال، بل خصص كل وقته لخدمة ناخبيه الذين صوتوا له بإستمرار خلال الـ 34 سنة الماضية.
أحزنني إنفصاله عن زوجته التشيلية قبل سنوات بسبب رفضه إرسال ابنه الى مدرسة اخرى افضل خارج دائرته ألانتخابية التي يمثلها، حيث قال لي: كيف يمكنني أن اكون صادقاً مع ناخبيي اذا لم اعش معهم ولم يشارك اطفالي نفس المدارس حتى و لو كانت اسوأ؟
إن دعم جيريمي وتضامنه مع نضالات الشعوب كان ولا يزال بدون حدود، ولم يتردد يوماً في التفهم وتقديم الدعم السياسي والتضامن مع قضية شعبنا الكوردي والعراقي. ولم يتردد مرة في التلبية كلما طلبت منه حضور المؤتمرات أو القاء الكلمات أو ارسال الرسائل والمذكرات الى الحكومات البريطانية المتعاقبة، او حضور وقفات الاحتجاج امام سفارات العراق و تركيا، او قيادة وفود احتجاج اليها لإدانة جرائمهم ضد الشعب الكوردي والعراقي. كان جيريمي هو الذي بادر معي لتشكيل وفد الى وزارة الخارجية البريطانية وسفراء الدول الخمس الكبرى بعد جريمة نظام الدكتاتور صدام في قصف حلبجة بالأسلحة الكيمياوية في الوقت الذي كان حزب المحافظين يزود صدام بالاسلحة الفتاكة ويقدم الدعم السياسي والتجاري لنظامه .
بقى جيريمي انساناً شعبياً ومتواضعاً يختلط ويتعامل مع الناس العاديين ويندمج ببساطة وسهولة..
قبل انتخابه الى قيادة حزب العمال وعلى العشاء فى بيتي المتواضع مع بعض الأصدقاء، حدثني عن حادثة تعود الى الأشهر الاولى بعد استشهاد الأسطورة اللاتينية جيفارا. عندما كان يزور المنطقة التى استشهد فيها جيفارا فى بوليفيا، أوقفت مفارز الجيش البوليفي الحافلة التي كانت تقله وطُلب منه الترجل الاّ ان بقية ركّاب الحافلة من الفلاحين من القرى مع اغنامهم لم يسمحوا لقوات مفرزة الطغمة العسكرية (التى قتلت جيفارا قبل اشهر) ان يقوموا بخطفه..
خلال اقل من سنتين استطاع جيريمي ان يحول حزب العمال الى اكبر حزب عمالي فى اوروبا حيث يتجاوز عدد أعضائه الآن اكثر من 625 الفاً بعد أن كان 154 الفاً، حيث كسب مئات الآلاف من الشبيبة وشدهم إلى الحزب.
أياً كانت نتائج الانتخابات البريطانية، فقد استطاع جيريمي كوربن ان يغير الساحة السياسية في بريطانيا والنقاش السياسي الذي كانت يهيمن عليه اصحاب السياسات الليبرالية الجديدة ليحول توجهه نحو سياسات اكثر اجتماعية وغيّر من بوصلة الرأي العام البريطاني. وكما قال بيرني ساندرز قبل ايام فى لندن بأن الناس وتحديداً الشبيببة توجه صوتها نحو جيرمي كوربن وتتطلع إليه. وكتب الصحفي البريطاني المعروف جورج مونيت فى جريدة الكارديان اليوم: "لم اصوت ابدا من قبل مع أي أمل و لكن جيريمي كوربن غيّر ذلك".
ولن تتوقف تأثيرات جيرمى كوربن وسياساته الاجتماعية، فاز او لم يفز. إن تأثير جيريمي ليس فقط على الساحة البريطانية بل في كل اوروبا، وبالأخص على الاحزاب الإشتراكية الديموقراطية او الاشتراكية الدولية، التى إنهار قسم منها مثل الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي لم يحصل على أكثر من 6% من أصوات الناخبين في الإنتخابات الأخيرة، واليوناني الذي حصل فقط على 5%، والاسباني أيضاً، وذلك نتيجة لسياساتهم التى لم يستطع الناخب الاوروبي ان يميزها عن أحزاب المحافظين واليمين.
ساعات تفرقنا عن هذا الحلم الجميل... هل سيتحقق ويراه الباحثون عنه؟
7 حزيران 2017